في الذكري الـ 72 لعرض فيلم «غزل البنات»: ليلى مراد .. أسطورة السينما الغنائية

بقلم : أسامة عسل 

«غزل البنات» واحد من أيقونات السينما المصرية، وعلامات الفن السابع فى النصف الأول من القرن العشرين، تم اختياره كتاسع أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية،  جمع بين عبقرى الكوميديا الضاحك الباكى نجيب الريحانى، وبين سندريلا الشاشة فى الأربعينيات الفنانة ليلى مراد.
تمر اليوم الذكرى الـ72 على العرض الأول للفيلم، إذ عرض سينمائياً لأول مرة فى 22 سبتمبر عام 1949، ونتوقف في السطور التالية أمام بطلته ليلى مراد أسطورة السينما الغنائية.

هل رأيت من قبل ابتسامة تتكلم؟..

إن كنت تحب أن تسمع بقلبك، فتابع قراءتك بلا تردد، وإن كنت حقاً من عشاقها ـ تستطيع الآن ـ أن تراجع صورتها في ذاكرتك، إذ ان ليلى مراد وحدها فقط تتميز بابتسامة لا صوت لها، لكنها تحدثك عن الدلال والسحر والجاذبية، وتتركك مع صوت جميل يمطرك رقة ويذيبك إحساساً.

ليلى مراد ماتت منذ زمن طويل 21 نوفمبر 1995، لكن الفن الجميل لا يموت، والفنان الحقيقي يعيش مرتين، بعمره وفنه، وحين يصل إلى محطة عمره الأخيرة يبقي لنا الفنان، وفي كل عام يحل ذكرى مولدها (17 فبراير 1918)، من دون أي اهتمام سوى ببعض كلمات سريعه تعدد رصيدها السينمائي الكبير، وتذكرنا بأنها ولدت من أب وأم يهوديين، وأنها عاشت مظلومة بعدما طالتها شائعات أنها لاتزال على يهوديتها، وزارت إسرائيل سرًا وتبرعت بما تملك من أموال لليهود فيها، ولكن «سينماتوغراف» ترصد على طريقتها ملامح تلك الأسطورة الغنائية، التي صدقها الناس صوتا وصورة وأداء.

فيلم شاطيء الغرام

صوت ليلى مراد لا ينسى، لأنه جزء من ذاكرتنا العاطفية، وسنوات التكوين، فمن منا لم يكتب أغنياتها ويحفظها عن ظهر القلوب، ويحفر في كل وقت بألحانها نغمات تمد النبض بمعنى الحياة والحب والسعادة.

«يا أعز من عيني قلبي لقلبك مال .. شارياك وشاريني وإيش يعملوا العزال»..

تعودنا للأسف أن نذكر فضل الناس بعد الموت، تعودنا جميعاً أن نستيقظ، فقط عندما يرحل هؤلاء الذين نحبهم، ونملأ المكان والزمان والأوراق، بكان وكانت وكانوا، لكننا سنترك كلماتنا مع أغنيات ليلى مراد، تجدد العزاء في فنها الجميل الباقي، علنا نطلق زفير الراحة ونترحم على أغنيات زمان.

«اللي يقدر على قلبي يخطفه وأنا أجري وراه .. واللي يقدر على حبي يقطفه وأنا أعيش وياه»..

عندما أراد الممثل العالمي كلارك غيبل، أن يقنع شركة مترو غولدن ماير بمضاعفة أجره قال لها: إن هناك ممثلة ومغنية في مصر اسمها ليلى مراد تتقاضى 10 آلاف دولار عن الفيلم الواحد وهذا صحيح، لأن ليلى تقاضت عن فيلم «غزل البنات» 12 ألف جنيه مصري، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، ومع هذا ماتت مستورة، ومن دون أن تجمع الملايين كما يفعل البعض حالياً. وفي الحقيقة، لم يكن غريباً على كلارك غيبل أو غيره من الممثلين العالميين، أن يسمع عن ليلى مراد، لأنها كانت تمثل أسطورة لا تقل موهبة وحضوراً أبداً عن ريتا هيوارت مثلا أو غيرها من علامات السينما العالمية.

فيلم يحيا الحب

«الحب جميل للي عايش فيه .. له ألف دليل أسألوني عليه»..

هي أول نجمة بالمعنى الدقيق للكلمة في السينما المصرية، ورغم أنها انسحبت من الحياة الفنية، وهي في قمة مجدها وتألقها، إلا أن أغنياتها، وأفلامها بقيت مطلباً للمستمع والمشاهد.

قدمت ليلى مراد 27 فيلماً، كان أولها فيلم «يحيا الحب» عام 1937 وكان آخرها «الحبيب المجهول» عام 1955، وظهرت في 18 فيلماً منها باسمها الحقيقي ليلى، وحملت 6 أفلام اسمها للاستفادة من نجوميتها مثل أفلام «ليلى بنت الأكابر»، و«ليلى بنت الريف»، و«ليلى بنت الفقراء».. وأطلق اسمها على صخرة في مدينة مرسى مطروح الساحلية، وسمي الشاطئ باسم فيلمها «شاطئ الغرام»، الذي صورت عدد من مشاهده على رماله وصخوره، ولها أغنية تتغزل بجماله.

فيلم غزل البنات

استفاد أنور وجدي من نجومية ليلى مراد، فقدمها في 7 أفلام من إنتاجه وإخراجه بعد أن تزوجها، ومنها «قلبي دليلي»، «عنبر»، و«غزل البنات». وفي أفلامها قدمت 300 أغنية ناجحة، وهي أعمال ستظل دليلاً على هذه الموهبة المتدفقة بالعذوبة والروعة.

وكانت فساتين ليلى مراد أغلى من الذهب، وفستانها الذي كانت ترتديه في أغنية «أنا قلبي دليلي» احتاج إلى خمسة أمتار سعر الواحد منها 80 جنيهاً، بينما كان سعر الجنية الذهب في ذلك الوقت يساوي 27 جنيهاً.

«يا حبيب الروح فين أيامك .. وحشتني ووحشني خصامك»..

صوت ليلى مراد يملأ القلب بالحب والشجن، يدفع المرء إلى استرجاع الذكريات والأيام واللحظات التي أفلتت من بين أصابعه، لا يمكن أن تسمعها وتتجاهلها، أنت مجبر على الصمت، ومجبر على متابعة صوتها كأنها تطير بك إلى عالم آخر لم تره من قبل، ولا تستطيع الوصول إليه، إلا بصوت ليلى مراد الذي لا يمر من دون أن يترك علامة في القلب.

فيلم ليلى بنت الريف

«سنتين وأنا أحايل فيك ودموع العين تناديك .. يا سبب تعذيبي والاسم حبيبي»..

كانت ليلى مراد في البداية يهودية الديانة، ثم أشهرت إسلامها في منتصف الأربعينات، وقد طاردتها شائعة خبيثة ومدبرة في عام 1952، تقول إنها تبرعت لإسرائيل ب50 ألف جنية مصري، اهتز الوسط الفني في ذلك الوقت، واهتزت قلوب عشاق الفنانة الرقيقة بعد هذا الخبر، الذي نزل عليهم نزول الصاعقة، لكن ليلى اعتبرت الأمر مجرد شائعة، وبررت ذلك بكونها فنانة مشهورة، وعليها أن تدفع ضريبة النجاح.

وعندما تناقلت وكالات الأنباء هذا الخبر، أحست ليلى مراد بالقلق والغضب، ونفت بشدة أن تكون لها صلة من بعيد أو قريب بإسرائيل، وقدمت مستندات رسمية تؤكد عدم صحة الشائعات، وبعد تحريات جهات الاختصاص في هذا الموضوع، تبين أن ليلى مراد لم تسافر إلى إسرائيل، ولا صحة لما نشر عن تبرعها لحكومة إسرائيل.

وفي هذا السياق، نذكر أن إسرائيل بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر، عرضت على الفنانة ليلى مراد الإقامة فيها، وقدمت إليها إغراءات كثيرة، إلا أن الفنانة الكبيرة رفضت ذلك بشكل قاطع، وأكدت أنها لن تغادر مصر أبداً، وستبقى فيها حتى الموت وقد فعلت.

فيلم عنبر

«ليه خلتني أحبك لا تلومني ولا أعاتبك .. فين أهرب من حبك روح منك لله»..

في الساعة الرابعة قبل فجر يوم 21 نوفمبر 1995، استيقظت ليلى مراد ولم تضئ الأباجورة، فسقطت على وجهها ونقلت إلى المستشفى، حيث أسلمت الروح لبارئها، وتكلفت إجراءات جنازتها ودفنها حوالي 30 ألف جنيه دفعها أولادها، ولم يذهب للعزاء في منزل الفنانة الراحلة سوى النجمة ليلى علوي.

«دوس على الدنيا وأجري عليها .. أنا ولا أنت لينا مين فيها»..

مع رحيلها، انقضت حقبة من الغناء الجميل، وربما كانت ليلى مراد تتمتع ببعد نظر عندما آثرت الاعتزال المبكر، لأنها كانت تعرف أنه سيأتي زمن على الغناء، سيكون من الرداءة، ليس لأن هناك من لا يحسن الغناء، بل  للأسف لأن هناك أيضا من لا يحسن السمع.

Exit mobile version