الدوحة ـ «سينماتوغراف»
سيطرت قضايا الأسرة والعلاقات الإنسانية إلى جانب معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة على معظم أفلام مهرجان أجيال السينمائي بالدوحه، في دورته العاشرة التي انطلقت عبر الإنترنت، كما استحوذت قضية اللاجئين والنازحين على جانب كبير من أعمال الدورة العاشرة من المهرجان، من خلال تناول بعض الأفلام للمعاناة التي يعيشها اللاجئون حول العالم، وتأثير تركهم لبلدانهم والانتقال لدول أخرى وما يتعرضون له من فظائع وعنصرية.
وخلال هذه الدورة الخاصة من مهرجان أجيال السينمائي -التي تشهد مشاركة رقم قياسي من الحكام فاق 600 حكم من أكثر من 50 دولة- عُقدت سلسلة نقاشات مع عدد من المخرجين، حول صناعة الأفلام ودورها في إحداث تغيير إيجابي داخل المجتمعات والقضايا التي تعالجها، من خلال مشاهدة عروض أفلام مختلفة إلى جانب مشاهدة 12 فيلما طويلا و26 فيلما قصيرا من 30 بلدا، من ضمنها أفلام حصلت على دعم مؤسسة الدوحة للأفلام.
وينقسم الحكام المشاركون في مهرجان أجيال إلى 3 فئات، هي: محاق (8 إلى 12 عاما)، وهلال (13 إلى 17 عاما)، وبدر (18 إلى 25 عاما)، حيث بدأ الحكام الشباب منذ اليوم الأول للمهرجان في مناقشة قضايا ملهمة عن العلاقات الأسرية مع مخرجي عدد من الأفلام التي تم عرضها.
أول الأفلام التي تعرّضت لقضايا أسرية هو الفيلم الروائي الإيراني “يوم التفاح”، الذي يروي قصة الطفل “مهدي” الذي يبدأ طريقه التّعليميّ بتعلم الأبجدية على يد معلّم له طريقته الإبداعيّة لتأصيل الحروف ودمجها مع الحياة اليوميّة.
ولأن والد مهدي يعمل بائع تفاح، فقد كان واجبه المدرسي إحضار تفاحة واحدة لكل زميل له في الفصل. قد تبدو المهمّة سهلة، لكنّها تغدو صعبة عند سرقة سيارة النّقل الخاصّة بالعائلة، مما يجعل هذه المهمّة عملا شاقا للغاية، وهنا يظهر الأخ الأكبر سعيد ليكون البطل الذي يقوم بحمل مهمّة أخيه الصغير على عاتقه، ويعمل على إتمامها.
وخلال المناقشات مع الحكام، قال مخرج الفيلم محمود الغفاري إن العمل حكاية عن قرابة الدم والمحبة الأخوية والمثابرة، مشيرا إلى أن “يوم التفاح” يناسب جميع شرائح المجتمع وفئاته. وأضاف أنه في هذا الفيلم يعبر عن رأيه وموقفه ضد الظلم الاجتماعي، خصوصا حول تردد الرجال في تحمل المسؤولية وكيف يديرون وجوههم عن حاجات أطفالهم.
أما الفيلم الوثائقي “حفريات” للمخرج أليكس ساردا، فيتناول جانبا إنسانيا آخر يتمثل في علاقة رجل مع أسرته، رغم سجله الإجرامي الذي دفعه للهرب خارج قريته خوفا من الاعتقال، ليتتبع الفيلم الوثائقي علاقة الرجل بأسرته.
وتدور أحداث فيلم “حفريات” حول أبو ضياء، وهو مجرم هارب من مدينة عمّان، يعيش في قرية “جنية” الصّغيرة شمالي الأردن مع زوجته وابنه ضياء، وتنتظر العائلة ولادة ابنها الثّاني الذي سيرى النّور في الأسابيع القليلة الموالية.
يعمل أبو ضياء مع مجموعة من العمال الأردنيين في بعثة أثرية إسبانية، ويعد العمل فيها مصدر دخل أساسيا للقرويين، لكن ظروف العمل شاقة، والعلاقة مع أرباب العمل الأجانب تزداد توترا، وهو ما يدفعه للتفكير بالعودة إلى عمّان، إلا أن أسرته تخاف من فكرة العودة بسبب ماضيه الإجرامي.
مشكلات ذوي الاحتياجات الخاصة والمساهمة في حلها لم تغب عن الأعمال المشاركة في الدورة العاشرة لمهرجان أجيال السينمائي، حيث شهدت الجلسات الحوارية عرض فيلم “الرجل الكبير” الذي يهدف إلى بث روح الأمل في هذه الشريحة من المجتمع، بالإضافة إلى محاولة غرس قيم ومعتقدات إيجابية تساهم في دمجهم في محيطهم الاجتماعي.
“الرجل الكبير” فيلم درامي عائلي من إخراج كميل شوينار، ومقتبس من القصة الحقيقية لكاتب السيناريو توب تيشلمان، وهو لاعب كرة قدم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
تدور الأحداث عن تشارك “ديلان” وصديقه المقرب يوسف الحلم ذاته، وهو أن يصبحا لاعبي كرة قدم محترفين، بعد الانتهاء من سنوات الدراسة، حيث يتدرب الصديقان بجد ويغتنمان أي فرصة يحصلان عليها، فيما يقوم والد ديلان بمهمة تدريبهما وسط تقلباته المزاجية التي ترافقها خفة الظل والدعابة في بعض الأحيان.
وبطريقة مفاجئة يتعرض ديلان لحادث مأساوي أصابه بشلل جزئي، وأصبح غير قادر على اللعب، إلا أن ديلان يرفض الاستسلام لعجزه وإعاقته، فيسعى بمساعدة أصدقائه للبحث عن طرق أخرى للمشاركة في الرياضة التي يحب.
ونظرا للصراعات والحروب التي تشهدها العديد من مناطق العالم، وما تخلفه تلك الأحداث من عمليات لجوء ونزوح واسعة النطاق، وبما تحمله من معاناة، فقد كانت قصص اللاجئين حول العالم وقضاياهم الإنسانية والاجتماعية عموما حاضرة في مهرجان أجيال، من خلال عرض فيلم الرسوم المتحركة بتقنية الطين “صراع النجاة” للمخرج أنطوان عنتابي، بالإضافة إلى الفيلم الروائي القصير “نزوح” للمخرجة سميرة قرهودة.
“صراع النجاة” الذي استغرق 5 أعوام لإنجازه، يتحدث عن الشجاعة والعزيمة للاجئين وضرورة التمسك بالأمل حتى في ظل أصعب الأوقات وأشدها إحباطا.
وتطورت فكرة الفيلم من تجارب شخصية من الهجرة من سوريا إلى لبنان وبعدها إلى ألمانيا، حيث يستخدم المخرج الرمزية لإظهار التحديات التي واجهها اللاجئون والمهاجرون، خصوصا التي تتعلق بالحقوق الأساسية التي غالبا ما يتم إنكارها.
ويقول أنطوان عنتابي مخرج الفيلم إنه يجب الاستمرار في صناعة الأفلام التي تعمل على تغيير نظرة الجمهور تجاه معظم القضايا التي نواجهها، ومنها قضية اللاجئين، مشيدا بدور ودعم مؤسسة الدوحة للأفلام في صناعة مثل هذه النوعية من الأفلام التي تسعى لسرد القصص المرتبطة بالقضايا الإنسانية والاجتماعية.
وفي نفس السياق، يسعى فيلم “نزوح” إلى إبراز معاناة اللاجئين وتضرر حياتهم، حيث يحكي قصة انتقال لاعبين محليين من مكان مجهول إلى آخر، في أعقاب حرب كوسوفو، يحركهما أمل الحفاظ على رياضتهما المفضلة من النسيان حاملين معهما طاولات لعبة تنس الطاولة وهي كل ما تبقى من النادي.
وتقول الرئيسة التنفيذية لمؤسسة الدوحة للأفلام، مديرة المهرجان فاطمة الرميحي -في تصريح صحفي- إن المهرجان أعدّ برنامجا منوعا من القصص التي تعكس المتغيرات التي نعيشها حاليا، من الصراعات والنزاعات إلى الكوارث الطبيعية التي يواجهها الناس في مختلف أرجاء العالم.
ولفتت الرميحي -في تصريح صحفي- إلى أن هذه القصص ستساعد على بناء قيم التعاطف والفهم الأفضل للإنسانية بين الشباب، وتظهر مدى ارتقاء الروح الإنسانية فوق كل هذه المصاعب.
وإلى جانب هذه الأفلام، شهد المهرجان عرض عدد من الأعمال التي تعرضت لقضايا مجتمعية مختلفة، مثل فيلم “حتى الغد” للمخرج الإيراني علي أصغري، الذي يقدم صورة مؤثرة عن جيل الألفية، وكيف يعيد اختبار نظام القيم في إيران والبلدان الأخرى، بالإضافة إلى فيلم “كشكش- من دون الريش ما فينا نعيش” للمخرجة ليا نجار، وتدور أحداثه في بيروت الممزقة بسبب النخبة السياسية والمظاهرات المناهضة للحكومة وواحد من أكبر الانفجارات في القرن الحادي والعشرين.