* إذا كان الفن في رسائله الباقية بداخلنا هو حب الحياة والخير والجمال ورفض القبح في كل أشكاله. فإنه أيضاً تعبير عن محبة العاملين به وتقديرهم لبعضهم البعض بما قد لا يصدقه الكثيرون منا والذين يبحثون عن الجانب الآخر من العمل الفني. أي الكواليس وعلاقات الفنانين ببعضهم البعض.. أقول هذا بمناسبة الندوات التي أقامها مهرجان شرم الشيخ السينمائي الدولي للفنانين الذين كرمهم هذا العام وهم المخرج علي بدرخان والممثل حسن حسني والممثلة ليلي طاهر. وكلهم من كبار نجوم الفن المصري والعربي والعالمي أيضاً بقدر ما أعطوه من فن علي مدي تاريخ ممتد لعقود وما أحدثوه من تأثير عظيم لدي ملايين المشاهدين الذين ذهبوا إلي دور السينما والمسارح لرؤيتهم. ثم أكملوا هذا في البيوت بعد انتشار قنوات الفضاء وخاصة قنوات السينما.. إن لدي هؤلاء النجوم كنز من المعلومات المغلفة برحلة كل منهم في هذا العالم. بعضها يثير الدهشة أو الفضول أو يعيد النظر في الكثير مما قرأناه عن عالم الفن والمنافسة فيه وربما يحتاج لإضافة المزيد من الصفحات لتاريخ السينما في مصر وتاريخ نجومها الكبار مثل حديث علي بدرخان عن علاقته بيوسف شاهين التي بدأت بطالب وأستاذه في معهد السينما إلي أن وصلت لثقة غالية وتعاون نادر في فيلم للأستاذ. ومثل إنقاذ نجم كبير كفريد شوقي لليلي طاهر في أول فيلم لها بعد أن أوشكت علي الغرق في البحر ورعايته لها بعدها. ومثل تلك الرعاية الأبوية النزيهة التي يلجأ إليها الفنانون الآن وغيرهم حين معرفتهم بأن حسن حسني ضمن العاملين وأنه سوف يسهم في دفعهم لأفضل أداء. اعترافات المكرمين في الندوات التي قدمها النقاد الذين كتبوا عنهم في كتالوج المهرجان كصفاء الليثي وسيد سلام وزين خيري وأيضاً روايات ضيوف المهرجان كالنجمات ليلي علوي وإلهام شاهين والنجوم شريف منير وسمير فرج وكمال عبدالعزيز مديرا التصوير السينمائي والمخرج عمر عبدالعزيز والمنتج محمد العدل وغيرهم من ضيوف المهرجان أعادت الدفء والحرارة إلي أهمية وجدوي التكريمات لأجيال المبدعين المصريين في السينما وكل فروع الفن الأخري. وربما نقص التكريم هذا العام وجود مؤلف سينمائي ولكنه أكد أهميته ضد من ينادي بأنه فقد أهميته. خاصة مع رحيل الكثير من المبدعين عن عالمنا. وهي فكرة رفضها المهرجان حين أقام ندوة بمناسبة مرور عشر سنوات علي رحيل يوسف شاهين بمشاركة الفنان سيف عبدالرحمن أحد أبرز تلاميذ ومعاصري شاهين. وعرض ثلاثة من أفلامه كما عرض 3 ألفام لبدرخان وحسن حسني وليلي طاهر. واليوم سيعرض فيلم تسجيلي قصير عن حياة فنانة كبيرة هي سناء جميل كتبته وأخرجته مخرجة واعدة هي روجينا بسالي بعنوان “حكاية سناء” ومعه فيلم قصير لأربع مخرجات جديدات بعنوان “طرف الخيط” في مناسبة يوم المرأة العالمي التي تأتي مع آخر أيام المهرجان في دورته الثانية. وحيث تعلن غداً ـ الجمعة ـ نتائج مسابقتي الفيلم الطويل. والفيلم القصير في حفل الختام للمهرجان الذي سيقام في نفس المكان. قاعة المؤتمرات الباذخة في المدينة وبحضور لجنة تحكيم الفيلم الطويل برئاسة الناقدة السويدية إيفا جايرستام وعضوية المخرج الألماني آندي سيج والمنتج التونسي محمد علي بن حمزة والمخرج المصري مجدي أحمد علي والممثلة رانيا يوسف أما لجنة تحكيم الفيلم القصير فيرأسها الناقد المغربي حمادي كيروم ومعه عضوان المخرج محمود سليمان من مصر والمصور نستور كالنو من اسبانيا وقد شاهدت اللجنة الأولي أحد عشر فيلماً بينما كان عدد الأفلام القصيرة ثمانية عشر فيلماً وعشرة أفلام للمكرمين والمحتفي بهم.
* ومن زاوية أخري. فقد أضاف المهرجان في هذه الدورة الثانية له والذي تقيمه مؤسسة “نون” للثقافة والفنون ويرأسه الكاتب الصحفي جمال ذايدة وأضاف احتفالاً مهماً بالسينما الأمريكية المستقلة التي اختارها المدير الفني للمهرجان هذا العام الناقد أسامة عبدالفتاح بديلاً عن تكريم أحد نجوم السينما العالمية وحسناً فعل. فقد حضرت أحد ممثلي هذه السينما وهي المخرجة والمنتجة إيزي تشان التي سردت تجربتها مع صناعة الأفلام بعد رحلة طويلة من العمل بدأتها بتأليف وإخراج المسرحيات قبل أن تلتحق بكلية فنون السينما بجامعة جنوب كاليفورنيا وتذهب إلي عالم الدعاية والإعلانات وتتفوق وتدفعها حالتها الشخصية لكونها عائلة أسرتها إلي التفكير في صناعة فيلم عن المرأة التي تعول الأسرة في أمريكا. وتتحول إلي رائدة للسينما المستقلة بفضل هذا الفيلم “التحول الكبير” الذي عرضه المهرجان وعرض معه فيلمين آخرين. وقد قدمت تشان عرضاً راقياً يصلح لكل الحالمين بصناعة الأفلام بعيداً عن الشركات والمنتجين وشروطهم الصعبة من خلال عشرة خطوات تحتاج إلي مقال خاص لاحقاً.
* وللمرة الثانية يضيف المهرجان شباب السينما القادم إلي برنامجه من خلال عروض خاصة لأفلام طلبة وطالبات معهد السينما. وعددها 16 فيلماً تعبر عن الكثير من الطموحات والأفكار الطازجة والغائبة عن الأفلام التي يصنعها السينمائيون الآن. وأيضاً أفلام أخري لشباب الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا. وهي عشرة أفلام صنعها الشباب فرادي وجماعات. وثائقية. وأغلب صناعها من الفتيات عكس الحال في أفلام معهد السينما التي أخرج الشباب أغلبها. وقد اندمج هؤلاء القادمون للسينما الجديدة في ورشة للتصوير السينمائي أقامها المهرجان وكان مدرسها هو كمال عبدالعزيز مدير التصوير السينمائي الكبير الذي صور أكثر من 70 فيلماً روائياً ووثائقياً وإضافة إلي تدريسه للإحساس الضوئي والكاميرات الديجيتال والعدسات والإضاءة فإن الدراسة كانت أكثر جمالاً مع معرض للتصوير الفوتوغرافي للطلبة والطالبات أنفسهم في نفس القاعة لتصبح اللوحات وسائل إيضاح مؤكدة.. والحقيقة أن أي مناسبة فنية تقام بدون وجود الشباب والإشارة إلي أهمية هذا الوجود ودعمه تفقدنا التجانس الجميل ما بين الأجيال في عالم الفن الساحر.. ولهذا يصبح الشباب جزءاً مهماً من هذا المهرجان في المدينة الساحرة شرم الشيخ.