أحزان أغسطس السينمائية..
هوليوود تصنع أساطيرها وتأكل أولادها و«نعومى واتس» لم تنقذ أميرة القلوب
«سينماتوغراف»:أميرة لطفى وميريهان فؤاد
مارلين مونرو، وديانا سبنسر، اسطورتان فى الشهرة والجمال، لم يجمعهما زمان أو مكان، فحين رحلت الأولى فى 5 أغسطس 1962 لم تكن الثانية تتجاوز عامها الأول (مواليد الأول من يوليو 1961)، وبرغم تباعدهما فعليا، فقد جمعت بينهما ملامح عديدة، إذ كانت كل منهما أيقونة للجمال فى عصرها، وطغت شهرتهما على ماعداها، وتربعت كل منهما على العرش، وطاردتهما الأضواء حتى أودت بحياتهما، فاذا كانت مارلين مونرو قد تربعت على عرش الإغراء فى السينما العالمية ولاتزال، فقد كانت ديانا هى أميرة ويلز التى انضمت للأسرة البريطانية الحاكمة بزواجها من الأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا (ابريل 1981)، لكنها توجت أيضا كأميرة للقلوب. كل منهما ظلت أسطورة فى عصرها وبعد رحيلها، جمعهما شهر أغسطس الذى رحلتا فيه، (مارلين فى بداياته وديانا فى31 منه)، وقد غابتا عن دنيانا فى ذروة تألقهما وفى قمة سن النضج الأنثوى عن 36 عامًا فى نهايتين مفجعتين إثر حادثين مأساويين تحولا إلى لغزين يبحثان عن تفسير، فقد اتهمت أجهزة استخباراتية بالتخلص من مارلين وديانا، كلتاهما حققتا مكانة كبيرة فى قلوب محبيهما، لايزال غيابهما يكثف حضورهما الآخاذ، ولاتزالا تستقطبان أجيالا جديدة لم تعش عصرهما لكنها تعلقت بهما، وصارت ذكرى كل منهما تشعل الحنين لدى محبيهما فى كل أنحاء العالم، وتطرح ألف علامة استفهام، كيف يتحول الجمال إلى نقمة؟ ومن وراء اغتيالهما؟
المثير أن السينما العالمية استغلت عشق الجمهور لهما وتبارت فى تقديم أفلام عن حياة كل من مارلين وديانا حققت إقبالا جماهيريا لكنها، افتقدت روح كل منهما وبريقهما اللامع وحضورهما الطاغى.
مارلين.. حكاية لم ترو
هوليوود تأكل أولادها.. هكذا يرى كثير من النقاد.. كيف تصنع مدينة السينما العالمية نجومها وتحولهم إلى أساطير ثم تلتهم حياتهم فى أفلام بحثا عن الإثارة التى تعشقها، مارلين مونرو أو نورماجين التى اتسمت حياتها بكل أشكال الإثارة من طفولتها المعذبة لرحيلها المفجع وما بينهما من نجاح وشهرة واغراء ورجال اقترنوا بها وعشاق لم يطالوها، وأفلام لقيت صدى واسعا، ونظرة السينما الأمريكية لها كدمية شقراء وسلعة استهلاكية فلم تر منها هوليود إلا جسدا جميلا. وجاءت وفاتها كحادث غامض لايزال مجهولا ففى الوقت الذى رجح البعض فيه انتحارها بتناول حبوب مهدئة فقد أكد آخرون أن المخابرات الأمريكية وراء اغتيالها لعلاقتها بالرئيس الأمريكى حينئذ جون كيندى، لترحل مارلين كحلم قصير عابر. تلك النهاية الميلودرامية الفاقعة التى لو جاءت فى فيلم لانصرف عنه الجمهور واعتبره فيلما خياليا فاشلا.
ليس من السهل على أي ممثلة تجسيد دور مارلين في السينما، فاذا اجتهدت فى التقرب من ملامحها فمن أين ستأتى بحضورها المبهج على الشاشة، وبرغم ذلك فقد نهلت هوليوود من حياتها المثيرة ونهايتها الأليمة وجسدتها 192 مرة في أفلام سينمائية وتليفزيونية تأرجحت بين الجيد والردئ كما قدمت مادونا في عام 1984 «الماس أفضل صديق للفتاة» في محاكاة للاستعراض الذي قدمته مارلين فى فيلم «الرجال يفضلون الشقراوات»، وقد تصدرت صورتها شعار مهرجان كان في دورته الخامسة والستين لتزامنه مع ذكرى رحيلها الخمسين ومن بين هذه الأفلام.. «وداعا نورماجين»، حيث لعبت دورها الفنانة ميستي رو وكانت أقرب لها شكلا واقتربت كثيرا من أدائها وتناول الفيلم قصة حياة مارلين قبل أن تصبح نجمة سينمائية ذائعة الصيت، وقدم نورماجين الفتاة الشقراء التي تعيش حياة بائسة في كاليفورنيا وتتعرض للتحرش من الرجال، وتحلم بأن تصبح ممثلة، لكن النقاد هاجموا الفيلم بشكل كبير لأنه انطوى على مبالغات عديدة!.
وفى فيلم «حكاية لم تروَ» جسدت دورها كاترين هيكس واقتربت كثيرا منها شكلا وروحا في فيلم تليفزيوني صور حياة مارلين منذ أن كانت طفلة في ملجأ أيتام، إلى دخولها عالم الدعاية، ثم تربعها كأيقونة للجمال في الخمسينات، وقصص زواجها الأربعة وانفصالها وحياتها الدرامية، وصولا إلى وفاتها الغامضة.
كما جسدت سوزان جريفث دور مارلين في فيلم تليفزيوني بعنوان «مارلين وأنا» وكانت تشبهها كثيرا، حيث يتناول الفيلم قصة حياة مارلين المزدوجة بين عملها كممثلة وعشاقها الكُثر. وفي الفيلم الكوميدي «أسبوعى مع مارلين»، عن الأسبوع الذي قضاه مساعد المخرج كولن كلارك مع مارلين في فيلم «فتاة الاستعراض» الذى أنتج عام 1957، جسدت دورها ميشيل وليامز، ربما لم تقترب منها شكلا سوى بشعرها الأشقر، ولكنها عكست كثيرا من شخصيتها المعقدة. يستعرض الفيلم مارلين بصورتها النمطية الممثلة الحسناء التي تغوي الرجال، وقد رُشحت بطلته لأوسكار أفضل ممثلة عام 2011، ونالت جائزة الجولدن جلوب عن نفس الفئة.
ديانا أميرة القلوب
الأميرة ديانا التى استحوذت على قلوب الملايين من محبيها فى سائر أنحاء العالم بجمالها الهادئ منذ زواج الأحلام بالأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا فى يوليو1981 والذى تابعه نحو 750 مليون مشاهدًا، لكن سرعان ما تبدد الحلم الوردى وتحولت حياتها فى القصر الملكى إلى جحيم انتهى بطلاقها في أغسطس 1996، وظلت تبحث عن الحب فى قصص عديدة وشهد نفق آلما بباريس نهايتها الأليمة فى حادث سيارة أودى بحياتها وصديقها دودى الفايد ابن الملياردير المصرى محمد الفايد الذى ربطتها به علاقة حب وتردد أنهما كانا يخططان للزواج، لتدفع حياتها ثمنا لشهرتها بعد مطاردة المصورين (بابا رتزى) لهما، واتهم البعض المخابرات البريطانية بأنها كانت وراء تدبير الحادث رفضا لزواج ديانا من مسلم، وهو ماحاول محمد الفايد تأكيده فى القضية التى رفعها أمام المحاكم الفرنسية و رغم خسارته لها إلا أنه يؤكد أن أدلة عديدة تؤكد تورط أجهزة الاستخبارات فى اغتيالها وابنه.
وقد كانت حياة أميرة القلوب مثار عديد من الأفلام ومنها فيلم «ديانا» أحد الأفلام الذى لاقى نقدا قاسيا ولم يكن بمستوى طموحات عشاقها الذين انتظروا مشاهدة فيلم جيد عنها، لكنهم أصيبوا بخيبة أمل، ربما لكونها بلغت درجة من القداسة لدى محبيها جعلت أى محاولة لتقليدها – حتى لو كانت متقنة – تلقى نقدا قاسيا.
فيلم «ديانا» الذى عرض عام 2013 مأخوذ عن كتاب كيت سنيل «ديانا.. حبها الأخير» (Diana: Her Last Love)، وقد كتب له السيناريو ستيفن جيفريفز، وأخرجه الألماني أوليفر هيرشبيجل مخرج فيلم «السقوط Downfall» الذي تناول تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة هتلر، أما فيلم (ديانا)، فهو من بطولة الممثلة الاسترالية الأصل والبريطانية المولد نعومي واتس والممثل البريطانى نيفين أندروز بطل المسلسل التلفزيوني (Lost)، في دور حبيبها جراح القلب الباكستاني حسنات خان، ويستعرض الفيلم العامين الأخيرين من حياة أميرة ويلز، حتى وفاتها في حادث سيارة، وقد قوبل الفيلم بعاصفة من الاحتجاج وكانت أكثر الانتقادات التي وجهت للسيناريو، فالصورة الإخراجية لم تكن سيئة ولم تخل من المشاهد الذكية وخاصة مشهد البداية وربطه بمشهد الختام.
بدأ الفيلم بمشهد في عام 1997 يُظهر ديانا وهي متوترة وقلقة وكأنها تنتظر شيئاً ما. ثم تسير في رواق الفندق الطويل بين الغرف تتبعها الكاميرا بينما مرافقيها في انتظارها. تتوقف ديانا فجأة وتتلفت للوراء وكأنها نسيت شيئاً ما، عند هذه اللحظة.. وهي في مواجهة الكاميرا، تعود الكاميرا إلى الوراء وكأنها تدعو ديانا للرجوع معها، لكن ديانا تستأنف السير إلى المصعد برفقة من معها، يترك هذا المشهد المتفرج في حيرة من أمره ليقفز إلى المَشاهد التالية بدءا من عام 1995 حتى تنتهي إلى عام 1997 مجدداً فيتم استئناف مشهد البدء مع بعض الإضافات التي تحل لغز مشهد البداية فيعرف المشاهد أن سبب قلق وتوتر ديانا هو ترقبها مكالمة تليفونية من خان بعد انفصالهما، بينما توقفها والتفاتها للوراء يرجع إلى اعتقادها بأنها سمعت رنين التليفون مما يرجح بأن المتصل هو خان، لكن ديانا تواصل السير نحو المصعد ليدرك المشاهد إن دودى الفايد هو أحد مرافقي ديانا في خروجهما الأخير قبل أن يلقيا حتفهما في أحد أنفاق باريس.
والحقيقة أن فكرة الفيلم تدور حول حسنات خان الطبيب الباكستانى الذى ربطتها به قصة حب، أكثر من كونه عن ديانا فاقترح بعض النقاد تهكماً اطلاق اسم حسنات خان على الفيلم، بل أن خان نفسه هاجم الفيلم لتناوله شخصيته بشكل مسئ، ولم يلق الفيلم قبولا لدى النقاد ولا الجمهور، فقد علقت جريدة « الديلى تلجراف» على الفيلم بأنه سيء لدرجة غير مألوفة، أما بيتر برادشو في« الجارديان» فقد منح الفيلم نجمة من أصل خمسة وشبه انهيار الفيلم بـ «حادث سيارة سينمائية»، أما جوشوا روثكوبث من «تايم آوت نيويورك» فقد وصف أداء نعومي بأنه استثنائي ومنح الفيلم 3 نجمات. وكذلك فعل نيجيل أندروز في الفاينانشيال تايمز الذي استثمر التشابه بين الاسم الثاني لنعومي واتس Watts مع وحدة قياس الطاقة ليقول «مرة أخرى تزودنا واتس بالطاقة»، لكنه اعتبر أداءها الرائع فردي أو معزول عن بقية عناصر الفيلم التي لم يستحسنها.
جيم شيمبري في «AW3 » امتدح أداء نعومي وقال إنه مثير للإعجاب لكنه علق على الفيلم قائلاً : كان بإمكانه تقديم نصف ساعة أخرى لوضع اللحم في العظم لهذه الفصول الناقصة من قصة حياتها مؤكدا أنه كان بالإمكان إضافة أحداث من سيرة ديانا الذاتية للفيلم. ورغم انتقاد فيونوالا هاليجان في Screen Daily للنص فقد أكدت أن الأداء الرائع لواتس لا ينبغي بخسه، ومنح ديفيد إدواردز الفيلم نجمة من أصل خمسة ووصفه في صحيفة «ميرور» بأنه «رديء ومحاولة كئيبة لاستعراض حياة أميرة أسرت القلوب والعيون وتصف الأميرة وكأنها كيس حزين وحيد»، أما عن نجم الفيلم فقال عنه نافين أندروز «كأنه عثر على الدور مصادفة» في إشارة إلى عدم جدارته بالدور وإلى إهمال اختيار الممثلين، فيما نعومي واتس لم تُظهر إلا القليل من ديانا الحقيقية وفيما عدا تسريحة الشعر فإنها لا تشبهها ولا تبدو مثل أميرة ويلز على الاطلاق.
وكتب الناقد بيتر برادشو، في صحيفة «ذا جارديان»: مسكينة الأميرة ديانا. فبعد 16 سنة من ذلك اليوم المروع من عام 1997، ماتت مرة ثانية بطريقة فظيعة.
إلى جانب هذا الفيلم فقد استعرض أحد الأفلام الوثائقية حياة ديانا، وهو من إنتاج الإذاعة البريطانية bbc التى أعلنت عن عرضه في يناير 2015، لكن الفيلم لم يعرض بضغوط تعرضت لها الإذاعة البريطانية من الأمير تشارلز الذى رأى فيه تشويها للعائلة المالكة، إذ يروى الفيلم الأحداث التى جرت بعد وفاة ديانا ويؤكد أن العائلة المالكة اضطرت للاستعانة بخبراء لتحسين صورتها أمام الرأى العام البريطانى الذى اعتبرها مسئولة بشكل مباشر عما جرى لديانا.
الإثارة.. مستمرة
والآن ورغم مرور 53 عاما على رحيل مارلين ستظل حياتها المثيرة تجذب هوليوود لتقدمها فى أفلام عديدة ربما تكشف الستار عن لغز مصرعها، وبعد 18 عاما من حادث ديانا المأساوى الذى أودى بحياتها، لايزال هناك من يبحث حقيقة ما جرى في النفق الباريسي، فإغلاق ملف القضية فى المحاكم الفرنسية لم يغلق الجدل حول ملابسات الحادث الذى لايزال يكتنفه الغموض والاثارة، ولا تزال الأسطورتان ملء السمع والبصر، فقد وصل الهوس بهما الى أقصى مداه، وتشهد صالات المزادات الكبرى سباقا محموما بين عشاقهما الذين يتسابقون لاقتناء أى من مقتنياتهما ويدفعون الملايين مقابل ذلك.