ضمن برنامج عروض السينما العالمية
“مباع” صرخة عميقة ضد الإتجار الجنسى بالأطفال
“سينماتوغراف” ـ أبوظبي: خالد محمود
رغم أن الفيلم الأميركى “مباع” الذى شهدت شاشة مهرجان أبوظبى عرضه العربى الأول، ضمن برنامج عروض السينما العالمية، طرح قضيته بشكل مباشر، وهى الإتجار بالأطفال للعمل فى الدعارة، إلا أن واقعيته الشديدة فى ذلك الطرح كانت بمثابة صدمة إنسانية كبرى، توغلت داخل وجدان المشاهد بفضل لغة سينمائية شديدة الثراء بكل مفرداتها، بداية من السيناريو الذى مهد بأسلوب سردى بديع وإيقاع سريع، وكأنه يريدك أن تلهث وراء مصير أبطال حكايته وقضيتهم الكارثية، ومرورا بأداء مفعم بالمشاعر، وصورة قوية فى تعبيرها وهى تنقل واقع درامى قاس لممجوعة من الفتيات والأطفال بشفافية شديدة.
الفيلم المقتبس عن قصة الكاتبة والصحفية الأميركية باتريسيا ماكورميك، والتى حققت أعلى المبيعات فى وقتها واحتلت مقدمة “البست سيلر”، يمثل تجربة من الصعب نسيانها، بل إن مخرجه جيفرى دى براون يدفع بمشاهده للانتقال من عالم كان يظنه خيالا إلى واقع لم يكن يتخيله، فهو يطرح إحدى قصص الأطفال الأليمة الذين وقعوا ضحية الإتجار فيهم وبالتحديد لفتاة نيبالية تدعى “لاكشمي” في الثالثه عشره من عمرها يبيعها اهلها مضطرين فى الهند كي تعمل كخادمة في المنازل بعد وعود بحياة أفضل، لكنها تباع لتعمل في الدعارة في كالكوتيا بالهند، لتمر بعدة مواقف صعبة فى منزل القواد ممتاز وشريكته القوادة يطلق عليه “منزل السعادة”، تحاول النيل من برائتها، ولتواجه هناك واقعاً مختلفاً، تجبر فيه على معاشرة الرجال كل ليلة، ويتم تهديدها بالضرب.
تلك المواقف جسدتها بأقتدار الممثله الصغيرة نيار سايكا، بأدائها المذهل وتعبيراتها المليئة بالدهشة والخوف وحلم كامن وراء عيونها للخلاص، حيث يظهر الفيلم الرعب الذى تعيشه ويعيشه كل من تتعرض لهذا العالم من العبودية واستغلال الجسد، تلك اللحظة التى بدت مع ظهور مصورة صحفية “جيليان انرسن”، والتى تحاول انقاذ لاكشمنى وغيرها من الفتيات بعد شاهدتها فى وراء شباكها أو سجنها تستغيث “ساعدونى” هنا أدركت المصورة التى أتت لعمل موضوعات عن المجتمع الفقير، أن وراء هذه الإستغاثة شئ ما، ربما كارثه كبرى، وأرادت أن تكون جزءا منها.
وهذا ماجعل الأحداث أكثر تشويقا، ولهيبا لمشاعرك، وبالفعل تنجح المصورة فى الإيقاع بالقواد والقوادة، وتحرير الفتيات من الأطفال، وتدخلهم مركز تأهيلى تعليمى خاضع لإحدى المنظمات ليحيوا حياة أخرى، وكم كان مشهد النهاية عظيما، حينما أمسكت الفتاة “لاكشمى” بشمعة وتضعها أمام وجهها لتضئ مستقبل جديد وتلتقط المصورة الصورة لتسجل إبتسامة غابت طويلا وراء دموع وآهات ليلى معذبة، وتظهر فرحة كادت تطوى إلى الأبد.
الشئ المهم فى هذا العمل والذى يحسب لكاتب السيناريو جوزيف كونج والمخرج جيفرى براون الذى شارك فى كتابة السيناريو أيضا، أنه أطلق صرخة سينمائية عميقة مدوية ترتجف معها الروح ويهتز لها الضمير، من أجل الالتفات إلى الإتجار بأطفال أماكن كثيرة من العالم.
الفيلم يعد هو أول عمل روائي طويل للمخرج الأميركي جيفري براون، والذي أكد أن قضية الاتجار في البشر هي التي دفعته للقيام بهذا الفيلم، وقال في حوار مع “يورو نيوز”: (حين بدأت تصوير الفيلم، لم أكن أعلم أن العبودية منتشرة وأن هناك ما بين 20 إلي 30 مليون شخص مستعبد. كنت أعلم أنها قضية، لكنني لم أكن أملك المعلومات. وما دفعني لذلك هو محاولة القيام بشيء ما لمساعدة هؤلاء الأولاد).