تونس ـ «سينماتوغراف»
بعد توقف دام نحو السنة ونصف السنة بسبب كورونا، عاد بريق السينما في تونس بعرض فيلم “مجنون فرح” للمخرجة التونسية ليلى بوزيد ليعيد الحياة والأمل في نفوس عشاق الفن السابع.
ويتناول الفيلم الذي دام عرضه الثلاثاء الماضي ساعة و45 دقيقة وصورت أحداثه في باريس، بطريقة جريئة عقدة الهوية والجسد والصراع مع الذات.
وهذا العمل ناطق باللغة الفرنسية ومدبلج باللهجة العامية التونسية، وهو من بطولة الفنان الفرنسي من أصل مغربي سامي عوطالبالي والممثلة التونسية زبيدة بالحاج عمر.
يروي الفيلم قصة حب نشأت بين فتاة تونسية قادمة حديثا لباريس اسمها فرح لتدرس الأدب في جامعة السوربون وبين شاب خجول من أصول جزائرية يدعى أحمد وهو زميلها في الدراسة.
قصة الشاب والفتاة العربيين يملؤها الحب والرغبة، ولكن المفارقات أيضا، فرغم اتفاقهما اسميا في الأصول العرقية إلا أن شقة الهوية واللغة والثقافة والبيئة باعدت بينهما.
وظفت ليلى بوزيد بالفيلم شعرا من الأدب العربي؛ بما في ذلك الغزل لتبرز قيمة وعراقة شعراء العرب الذين وصل صيتهم إلى جميع أصقاع العالم.
فمن قلب باريس تنبعث أصداء الشعر العربي من عذري وغيره حيث صافح الجمهور أشعار قيس ابن الملوح ومحيي الدين بن عربي وعمر الخيام وأبونواس.
وأبرزت بوزيد تلك الأشعار والقصائد التي تحرر المشاعر من أغلال الجسد حيث فجرت قوة الأحاسيس التي بداخلها قصة حب بين البطلين.
فرح هي شابة تونسية تتلمذت في تونس وعاشت طيلة حياتها في بلد متشبع بالتقاليد، لكنها كانت فتاة متحررة لا تفصل بين الجسد والحب.
فيما كان أحمد شابا مولودا في فرنسا ولم يتعلم الثقافة العربية إلا أنه تلقى تربية محافظة ومنغلقة ترى بأن الجسد ورغباته خطيئة.
فرح لا تخشى أحدا ولا تلقي بالا لعيون ونظرات من يحيطون بها، وأحمد يحسب ألف حساب لكلام الناس وانطباعاتهم عنه. لا مفر إذن من التصادم والتباعد؛ فالشاب ليس لينا ولا يزال أمامه الكثير من الوقت ليفهم لهفة فرح وانجذابها إليه، يريد أن يظل في حبه العذري لها ولا يريد أن يخطو خطوة ولو صغيرة تجاه جسدها.
وفي تصريح لها قالت بوزيد إن هذا الفيلم هو استمرارية لفيلمها الأول “على حلّة عيني” سنة 2015 والذي تناول شخصية فرح تلك الفتاة المتحررة التي كانت تدرس حينها باكالوريا.
وأضافت أن الفيلم صوّر في فرنسا إلا أنها كانت تنتظر بفارغ الصبر مصافحة الجمهور التونسي لتتعرف على انطباعاته.
وأكدت أن اختيارها لعرض الفيلم قبل أيام قرطاج السينمائية بنحو شهر كان مبرمجا قبل تحديد موعد المهرجان واعتبرته فرصة لتشجيع قاعات السينما التي كانت مغلقة بسبب إجراءات مكافحة فايروس كورونا.
وأوضحت أن هذا الفيلم مهم جدا لأنه يطلع الجمهور على الثقافة العربية وأشعارها الضاربة في القدم.
ويقدم الفيلم معالجة جريئة من بوزيد لا نراها في أفلام كثيرة، فهي تقدم لنا سينما خاصة تتحاور فيها الكاميرا مع السيناريو والموسيقى وأداء الممثلين الطبيعي التلقائي لتخرج لنا في النهاية كيانا متكامل الأركان لا نملك إلا الإعجاب بانسجامه وتجانسه وتعبيره بصدق عن رؤية المخرجة.
وسيشارك الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان أيام قرطاج السينمائية التي ستنتظم في الفترة الممتدة بين الثلاثين من أكتوبر والسادس من نوفمبر المقبلين.
وفي تصريح إعلامي لها، إثر عرض الفيلم، وكإجابة عن مدى تقبل المتفرج التونسي لفيلم تطغى عليه الأفكار المتحررة والغربية إن صحّ التعبير، قالت بوزيد إن “العرب المتواجدين في فرنسا ونظرتهم المختلفة لجذورهم العربية، مسألة مغيّبة بعض الشيء”. وأضافت أن الفيلم فيه طرح للشعر العذري والشعر الإباحي العربي والثقافة العربية التي من المهم أن يتعرف عليها المتفرج التونسي.
وأمّا عن مشاركة الفيلم في أيّام قرطاج السينمائية وانطلاق العروض قبل انطلاق المهرجان، فصرّحت بوزيد أن قانون المهرجان لا يمنع الانطلاق في عرض الفيلم.
وقالت بطلة الفيلم زبيدة بالحاج عمر إنّ ما جعلها تشارك في الفيلم هو شخصية فرح العربية الحرة والمتحررة والتي تتحمل مسؤولية اختياراتها بالإضافة إلى أهمية ما يحمله الدور من رمزية ورسالة مباشرة للمتلقي.
وشارك الفيلم في اختتام مهرجان “كان” في أسبوع النقاد، وحاز على جائزة أفضل فيلم وأفضل ممثل في مهرجان الفيلم الفرنكفوني بأنغوليم، وشارك في البرمجة الرسمية لمهرجان لندن السنيمائي، والمهرجان الأفريقي للسينما والتلفزيون في واغادوغو.
ونزل الفيلم للقاعات ابتداء من الأربعاء الماضي ليصافح جمهور الفن السابع، بعد أن أقرّت السلطات التونسية إنهاء حظر التجوّل ليلا وعودة الأنشطة الثقافية.