خلال يوم الأحد طفا على السطح نبأ استقالة ماجدة واصف من رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي، وزاد آخرون فتداولوا نبأ استقالة كل الفريق العامل في المهرجان، فما الذي حدث على وجه التحديد؟
كتب مجدي الطيب مدير الإعلام في مهرجان القاهرة على صفحته الفيسبوكية أن السيدة ماجدة واصف كانت أعلمت وزير الثقافة قبل انطلاق المهرجان، بأن هذه الدورة هي الأخيرة لها رئيسة للمهرجان، وبأن الوزير قرر لسبب ما إعلان قبوله لهذه الاستقالة حتى قبل أن تنتهي الدورة 39 .
الحقيقة أني لا أتعامل مع منشور الأستاذ مجدي الطيب بإعتباره ناطقاً باسم المهرجان، فرفعة أخلاق الرجل تجعله بمنأى عن أي حسابات أو ولاءات مهما كانت، فما الذي حدث إذن حتى تستعجل وزارة الثقافة الإعلان عن إنهاء مهمة ماجدة واصف في مهرجان القاهرة السينمائي؟، هل أراد الوزير أن يسبقها ويقطع الطريق أمام رئيسة المهرجان حتى لا تظهر بمظهر الفارس المغوار الذي يغادر ساحة الحرب بإرادته؟.
من الواضح أن حفل افتتاح الدورة 93 كان القطرة التي أفاضت الكأس، فقد أعلن المنظمون عن انطلاق الحفل في السابعة ليلاً ولكن الحفل لم ينطلق سوى في العاشرة أي بتأخير ثلاث ساعات كاملة وكنت رأيت بعيني الوزير في قصر المؤتمرات المنارة الذي احتضن الحفل منذ الساعة الثامنة ليلاً، طبعا لم يكلف المنظمون أنفسهم عناء الاعتذار للمدعوين وكأن التاخير شيء عادي.. الأغرب أني سمعت بعض المنظمين يروجون لإشادة النجوم بحسن التنظيم ؟.
ويتردد أن وزير الثقافة الكاتب الصحفي حلمي النمنم لم يستسغ كل هذا التأخير كما إنزعجت الوزارة من تأخر وصول دعوات حفل الإفتتاح إلى كثير من وجوه الفن والسينما.
أمر آخر أزعج وزارة الثقافة المصرية هو تعاقد رئيسة المهرجان ماجدة واصف دون تنسيق مع الوزارة مع قنوات DMC، التي بدت وكأنها إستحوذت على المهرجان فصارت هي الآمر الناهي، بل إن الأمر بلغ حد سابقة لم تحدث في أي مهرجان سينمائي حتى في بلاد الواق واق حين صعد ممثل شركة راعية في المهرجان ليلقي خطاباً طويلاً عريضاً في حفل الافتتاح أخذ حيزاً لم يتمتع به وزير الثقافة نفسه.
ومهما يكن من أمر فقد كان واضحاً أن أيام ماجدة واصف باتت معدودة على رأس المهرجان سواء بادرت هي بالاستقالة أو لا .
صحيح أن السيدة واصف ناقدة لها تاريخها ولكن التاريخ ليس الجواد الرابح دائماً ولا يمكن للشرعية أن تكون وليدة الماضي فموغابي حكم زيمبابوي طيلة عقود ولكن حين حل موعد الرحيل لم يخجل أحد من تاريخه.. وقيل له «الباب أمامك».
كان واضحاً أن التنظيم ليس في أفضل حالاته في هذه الدورة، ولا أحد حتى من المنظمين كان يملك الإجابة لماذا تأخر إعداد شارات (بادجات) الاعتماد إلى اليوم الثاني من المهرجان ولماذا تم الإستغناء عن نقاط حجز التذاكر الأربعة التي كانت مركزة أمام مسرح الهناجر بدار الأوبرا..
لنكن واضحين، المهرجان يحتاج إلى تغيير شيء ما وأسهل شيء هو تغيير الإدارة، أما الحديث عن استقلالية المهرجان فأراه ضرباً من الترف، فوزارة الثقافة هي الجهة المانحة ولن تقبل أبداً أن يخرج المهرجان من تحت عباءتها بشكل كلي
لنكن واقعيين، من يدفع للأوركسترا يملك الموسيقى والداعون إلى استقلالية المهرجانات التي تصرف عليها الدولة من أموال دافعي الضرائب عليهم أن يجدوا بأنفسهم مصادر التمويل أو يبادروا بتنظيم مهرجانات مستقلة إذ لا شيء يفسر التمسك بتلابيب مهرجانات الدولة رغم كل ما يقال عنها من فساد وسوء تنظيم..
من السهل الحديث عن استقلالية التظاهرات الثقافية ولكن الاستقلالية ليست شعارات فقط، تريد لمهرجان ما أن يكون مستقلاً؟ (مستقلاً عن ماذا؟ الحكومة؟ الممولون؟ المصالح الشخصية للمنظمين؟).
ثم كيف يمكن إقناع وزارة الثقافة في تونس أو مصر أو بلاد الواق واق بأن تعطيك الأموال لتفعل بها ما تشاء باسم الاستقلالية ؟.
ما فاجأني حقاً هو ما يقوله البعض عن دورة 2014 وكيف أن سمير فريد رحمه الله ألقى بالمهرجان في أحضان وزارة الثقافة.. وكيف كان جزاؤه؟!
ما قيل في حق الرجل بعد وفاته عيب، لماذا لم يقل هذا والرجل بيننا؟، أنا كنت واحداً من الحاضرين في تلك الدورة الاستثنائية وقدمت محاضرة عن أيام قرطاج السينمائية بدعوة من سمير فريد نفسه، كانت الدورة فريدة في تنظيمها والإقبال الجماهيري على عروضها غير أن وزير الثقافة إرتأى لسبب ما أن يرسل لجنة تدقيق للمهرجان خلال انتظامه.
تصرف لم يرق لسمير فريد فقرر الاستقالة وهو ما تم، ورغم محاولات إقناعه بالتراجع بعد أن أنهت لجنة التفقد عملها بالتصديق على حسن التصرف المالي في المهرجان، فإن سمير فريد طوى الصفحة بشكل نهائي .
في كل الحالات فإن مهرجان القاهرة فيه كفاءات شابة في الإدارة تواصل عملها بعيداً عن الأخذ والرد حتى نهاية الدورة 39، ودون أن أقحم نفسي في ما يتجاوزني فقد حان الوقت لمنح الثقة في جيل الشباب من المنظمين وليس شرطاً أن يكون رئيس المهرجان ممن ولد زمن الملك فاروق..
فمهرجان القاهرة المدعو إلى أن يتجمل يحتاج إلى أياد قوية تعيد صياغة البنيان على قواعد صحيحة حتى يكون المهرجان العريق مواكباً لعصره.