مخرجون عراقيون يفتحون النار على «سينما المنفى»: التمويل الأجنبي هدية مفخخة لأفلامنا

مابين الهوية وضياعها في الغربة.. جهات تحدد أسماء النجوم وأخرى تشترط اللغة الفرنسية

 

«سينماتوغراف» ـ أســـــامة عســــــــل

الراصد لوضع السينما العراقية الحالية، يجدها حالة خاصة في منطقة الخليج، فرغم إرثها الطويل سينمائيا تعاني بشدة من انعدام المخصصات المالية ما يدفع صناع الأفلام بها إلى اللجوء لفكرة التمويل من جهات خارجية، وهو ما افرزه الواقع السينمائي في العراق من أعمال قدمها مخرجون عراقيون يحملون جوازات سفر أوروبية، ومن ثم أصبحت إشكالية التمويل الأجنبي خصوصا في السينما العراقية تلقي بشباكها حول هوية الفيلم، هذا ما تتناوله «سينماتوغراف» مع ثلاثة مخرجين عراقيين تختلف أعمارهم وخبرتهم وتوجهاتهم، وأيضا أفلامهم التي تئن وجعا من التمويل ومساومات التنازل عن الشكل والمضمون.

يتناول المخرج العراقي قاسم حول المشهد الحالي لصناعة الأفلام العراقية، قائلا: من الصعب في تقديري أن نقول إن الأفلام العراقية تتقدم باتجاه تحقيق مستقبل ثقافي وفكري والسبب يعود إلى عدم وجود القاعدة المادية للإنتاج السينمائي، والتي تحتاج إلى ضخ دائم لاستمرارها وتواصلها والأهم طبعا وجود عملية استقرار، وهما من وجهة نظري عنصران أساسيان في كل تجارب السينما بالعالم، صحيح الوضع السابق قبل سقوط النظام الديكتاتوري كانت تتوافر فيه مقومات الصناعة من أكاديمية لتعليم فن السينما واستوديوهات ومؤسسة سينما تمول وتشرف على كل المراحل وكانت هناك معدات حديثة من كاميرات وأجهزة صوت ومعامل للتحميض والأرشفة، لكنها سخرت لأيدولوجيا تلك الفترة وأفرزت أعمالا متخلفة تروّج لمنظومة الفساد آنذاك، أما حاليا فالأمر لا يعدو عن كونه محاولات ومغامرات فردية قد يتحملها أشخاص أو يلجؤون إلى جهات تمويل ودعم أجنبية تساومهم وتوجه معالجات تلك الأفلام لصالح أغراضها باعتبارها المالكة لتلك الأعمال، وللأسف هذا هو الواقع الحالي للسينما العراقية حيث أقول: دائما عندما تسقط السياسة يسقط النظام وعندما تسقط الثقافة يسقط الوطن.

لقطة من فيلم المغني

هوية الأفلام

وحول هوية الأفلام التي تمول من جهات خارجية ويصنعها مخرجون عراقيون بالخارج، أكد قاسم حول بأن أفلام السينما العراقية لا تحمل هذا الاسم إلا إذا كانت تصنع وتنتج داخل الوطن، فهي ثقافة تنتج في وطنها، فالسينما الأميركية تنتج في أميركا والهندية في الهند والمصرية في مصر، ولا يمكن مثلا أن أنتج سينما عراقية في الدنمارك، لأن إنتاج الفيلم يحتاج إلى واقع مهم، كان تجريبيا أو سرياليا لابد له من واقع وكيف لا والسينما هي بالأساس فن الواقع، وإذا أردت مثلا أن أنتج فيلما عن الأهوار فلن أذهب إلا إلى منطقة الأهوار في العراق، والحالات التي تحدث في الخارج استثنائية وليست قاعدة إنتاج للسينما.

ويضيف قائلا: من خلال تجربتي عندما كنت في العراق أنتجت أعمالا اقتربت من الواقع والحياة العراقية مثل (الحارس) و(لحظات حاسمة) و(الأهوار) و(بيوت في ذلك الذقاق)، وعندما تركت العراق لأسباب قهرية كنت أبحث عن موضوعات فيها كثير من المساومات مع نفسي لإنتاج فيلم خارج العراق واسميه فيلما عراقيا، حتى جاءت تجربة فيلم (المغني) حيث حصلت فيها على دعم خارجي من فرنسا، وذهبت إلى العراق بعد سقوط النظام لتصويره رغم المخاطر ومنها مثلا انفجار الفندق الذي كنت أسكن فيه بعد مغادرتي له بثوان، ولكنني أريد أن أقف أمام هذا التمويل الذي أعتبره غير بريء وللحصول عليه تحدث كثير من المساومات التي قد نوافق على بعضها طواعية لعدم وجود بديل، وأشبه ما يحدث بين المخرج والممول الخارجي بلعبة القط والفأر في أفلام ميكي ماوس، لتمرير تنفيذ الفيلم بأقل الخسائر.

قاسم حول

مآسي التمويل

ويسترسل المخرج العراقي في توضيح مآسي التمويل الأجنبي قائلا: هذا التمويل الذي يشبه الهدية المفخخة يأتي غالبا منقوصا وليس كاملا إلا استثناءات نادرة، وعندما نريد أن نكمل دعم الفيلم من جهات أخرى يكون لها اشتراطات، فمثلا هناك جهات في فرنسا تشترط أن يكون العمل ناطقا بالفرنسية أو تحدد أسماء بعينها نجوما للفيلم، وبالتالي أرى أن المزيد من المساومات والاشتراطات تسبب خللا في ثقافة الفيلم وهويته، والتجارب في العالم العربي لمثل تلك النوعية من التمويلات تؤكد ذلك وتدينه، وتجربتي أيضا في فيلم (المغني) تندرج في هذا الجانب حيث حصلت على التمويل ناقصا ومن خلال اسمي وخبرتي وصداقاتي وعلاقاتي في العراق، أكملت الناقص في شكل خدمات لوجستية مجانية للأماكن والقصور والطائرات والسفن وموكب الحاكم وبعض الإكسسوارات مثل الملابس والأسلحة وأشياء أخرى.

قتيبة الجنابي

هموم المغتربين

ويتناول المخرج والمصور الفوتوغرافي والسينمائي المقيم في لندن قتيبة الجنابي في اغلب أعماله السينمائية هموم المغتربين العراقيين، ومعاناتهم مع المهجر، أو المنفى كما يفضل أن يسميه، فقد كانت هنغاريا أولى محطات المهجر التي عاش فيها عقدا كاملا، ودرس فن التصوير الفوتوغرافي، وأنجز أطروحته عن المخيمات الفلسطينية، إذ كانت قضية اللاجئين الفلسطينيين تثيره، بعدها التحق بمعهد الفيلم السينمائي في بودابست لمتابعة دراسته للفنون السينمائية، وحصل منه على شهادة الدكتوراه في علم الجمال السينمائي. يقول قتيبة الجنابي إن العراق حاليا لا يوجد به سينما متميزة والأمر لا يخرج عن كونه محاولات تعتمد على المغامرة والحس الفردي، وعلى الرغم من ابتعادي عن العراق إلاّ أنني حريص على متابعة الأفلام العراقية، وأرى أن فن السينما مهمل في العراق، وهذا هو سبب قلة وضعف بعض الأفلام العراقية المحرومة من التمويل وإذا ما توفر لها الدعم المالي، فسوف تتخلص من الإطار الإقليمي لتصل إلى العالمية كما حصل مع الفيلم الإيراني.

لقطة من فيلم الرحيل من بغداد

سينما المنفى

وحول تجربة تمويله فيلمه الروائي الطويل (الرحيل من بغداد)، يؤكد قتيبة الجنابي قائلا: إن الفيلم من نوعية ما يطلق عليه (أفلام الطريق) وهو مغامرة أنتجت عبر قروض شخصية من البنوك ومن دعم شقيقي سعد داود الجنابي، إلى جانب المساعدة المعنوية واللوجستية التي قدمت على مستويات متعددة من قبل أصدقاء مثل مسعود أمر الله المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي وزملاء وجاليات عراقية، وقد صور في كل من بغداد ودبي وهنغاريا وبريطانيا، وتبلغ مدته الزمنية ساعة ونصف الساعة، ويعتبر من الأفلام العراقية الروائية التي نفذت في المنفى والتي يمكن أن نطلق عليها (سينما المنفى) لأنها تعبر عن العراقيين خارج الوطن. وتحدث الجنابي عن مبدأ التمويل الأجنبي للأفلام من قبل بعض الجهات قائلا: أنا للأسف لا أعرف أيا منها ولا أستطيع أن أدخل في مساومات معهم، ومشكلتي الحقيقية تكمن في أنني لا أمتلك أي مصدر مالي لتمويل مشاريعي الخاصة، ولهذا أضطر لاتباع مبدأ التمويل الذاتي القائم على إمكانيات مادية ضعيفة وغير مشجعة تماماً الأمر الذي يجعلني أتأخر كثيراً في الإنجاز، ومن دون هذا الدعم المادي لا يمكن للسينما أن تستمر.

حيدر رشيد

 

مرحلة حساسة

أما حيدر رشيد المخرج العراقي الشاب (في منتصف العشرينات) فينتمي إلى جيل عراقي صاغت الغربة ملامح تكوينه من أب عراقي وأم إيطالية، يقف حائراً أمام الهوية والوطن المفتقد في فيلمه (المحنة)، ووجد في الكاميرا نوعاً من حل يجوب بها مدن الغربة (روما، نيويورك، لندن) علّه يرسم شكل محنته، ويعلق حيدر رشيد على جهات التمويل الخارجي للأفلام قائلا: إنها تنظر إلى المجتمعات العربية نظرة استشراقية بحتة، وبالتالي هم يريدون الصورة التي في بالهم وهذا شيء خطير لا يجعلنا نقدم رسائل الأفلام التي نطمح لها ويحصرنا ذلك في زاوية معينة لا تعرض الشكل الحقيقي للوطن بل الصورة المغلوطة التي يريدون أن يروجوا لها في عيون الغرب.

لقطة من فيلم المحنة
Exit mobile version