جلسة نقاشية على هامش “حوارات في السينما”
مخرجو المهجر يناقشون مشكلات صناعتهم
أبوظبي ـ “سينماتوغراف”
عقدت مساء أمس في قصر الإمارات الجلسة النقاشية “الروح تتوق إلى الوطن- صناعة الأفلام العربية في المهجر” ضمن سلسلة “حوارات في السينما” والبرنامج الخاص الذي يخصصه المهرجان هذا العام بعرضه أفلاماً لمخرجين من المهجر، وذلك بمشاركة كل من عبدالرحمن سيساكو من موريتانيا، هشام زمان من كردستان العراق، سمير نصر من مصر، وكريم طريدية من الجزائر، وأدار الندوة مدير انتشال التميمي مدير صندوق “سند” والبرمجة العربية في المهرجان .
تطرقت الجلسة النقاشية لعدد من المحاور الأساسية حول البدايات، وكيفية صناعة الأفلام في المهجر، والصعوبات الإنتاجية، وأثر هوية صانع الفيلم في صناعته، وأوضح المخرج هشام زمان أنه غادر كردستان العراق وهو في العاشرة من عمره إلى النرويج برفقة أسرته، وعاش خلال فترة حياته الكثير من التنقلات التي لم يكن له يد فيها، سوى أنها غيرت في داخله الكثير، وأشار إلى أن هذه التنقلات كان لها أثرها الإيجابي والسلبي عليه كمخرج، فهو حين يكون في النرويج يعتبرونه نرويجياً، بينما حين يعود إلى بلاده يعتبرونه كردياً، وهو هنا في أبوظبي السينمائي مخرج من الشرق الأوسط، وهذه النقطة الإيجابية التي يشير لها المخرج في إحساسه بانتمائه للمحيط في كل مكان يحط فيه، ولكنه يشير في الوقت ذاته أن التنقلات الكثيرة لم يكن لها إجابات في طفولته، وهذا ما حاول يبحث عنه في أفلامه حين بدأ الصناعة، ويقول زمان :”قمت بإخراج معظم أفلامي في هولندا رغم أن جذوري في كردستان العراق، وهذا ما جعلني أنفذ بعض الأفلام هناك لكن ليس لافتقاد المكان ولأنني كردي بل لأنه ضروري لسرد الحكاية” .
أما سمير نصر الذي ولد لأب مصري وأم ألمانية، فإن تأثير السينما المصرية كان واضحاً على توجهه السينمائي بحسب قوله في طفولته، حيث عاش شبابه بمصر إلا أنه اضطر للانتقال لدراسة الاقتصاد في المانيا، لكنه اكتشف عدم قدرته على الاستمرار في دراسته بسبب حبه لصناعة الأفلام، ولكنه لم يكن يشعر بالغربة في ألمانيا لذلك كان من الطبيعي أن يبدأ صناعة الأفلام عنها، فقام بسلسلة أفلام وثائقية تنتمي في موضوعاتها لألمانيا حين دراسته في المعهد وبعدها، ولكن أحداث 11 سبتمبر شكلت نقطة تحول يقول عنها: “كانت نقطة فاصلة في حياتي وما أقدمه من سينما، حيث بدأ الألمان ينظرون إلي على أنني عربي مسلم إرهابي رغم جنسيتي الألمانية، وهنا بدأ سؤال الهوية يراودني، رغم أن علاقتي بمصر وسينمائييها لم تنقطع، وصنعت حينها فيلماً ينتقد المجتمع الألماني في قضية حساسة في فيلم “أضرار لاحقة” الذي يناقش قضية جزائري وزوجته الألمانية يعيشون حياة مضطربة بعد الأحداث، وبعد هذا العمل عرض علي أن أخرج فيلماً عن إرهابيين عرب من قبل جهة ألمانية فرفضت ذلك”، وأوضح نصر أن السينما المصرية بحاجة كبيرة للأعمال الجادة، ومن هنا جاء قراره بتحويل رواية “شرف” لصنع الله إبراهيم لفيلم سيتم البدء به السنة المقبلة .
ويشير نصر إلى أبرز الصعوبات التي تواجه المخرج في المهجر قائلاً: “البحث عن منتج لفيلم هو من الأمور غاية في الصعوبة، ويزيدها صعوبة حين لا يجد المخرج منتجاً في البلد الذي يحمل جنسيته لأنه سيناقش فيلماً يعود لثقافته الأم، وهذا ما حدث معي حتى بعد نجاح فيلمي “بذور الشك”، حيث لم أجد منتجاً لفيلم “شرف”، فلا جهات الإنتاج المصرية تنتج لي بسبب الظروف وبسبب أنني لست على علاقة قوية بهم كما ان الجهات الألمانية لن تنتج فيلماً يتحدث عن البيئة المصرية، ولم أجد سبيلاً سوى التوجه للإنتاج المشترك” .
وبخليط من الثقافات عاش عبدالرحمن سيساكو الذي يعرض له فيلما “هيرماكونو” و”تومبكتو” في المهرجان، الذي ولد في مالي لأب موريتاني وعاش في فرنسا ودرس السينما في موسكو، ومع ذلك تناقش أفلامه خصوصية إفريقية عربية، حيث صور “تمبكتو” في موريتانيا، ومن هنا يشير سيساكو إلى أن حياة الفنان ما هي إلا خليط ثقافات وتؤثر فيه العوامل المختلفة، ففي العام 1986 سافر برفقة أسرته إلى فرنسا وعاش هناك، وأثر هذا في عمله لكنه وجهه للتأثير في المشاهد وليس للبحث عن هويته الذاتية في تلك الأفلام، فلم تكن هماً كبيراً يحمله بحسب قوله . ويتفق سيساكو مع سابقه حول قضية الإنتاج، مشيراً إلى أن التمويل هو الذي يحكم طبيعة العمل، وهذا ما عاناه حين دخول الإنتاج الفرنسي لأفلامه، حيث تتحكم بالموضوعات وطريقة طرحها، لذلك فكر سيساكو بإنتاج أفلام غير مكلفة حتى لا يتحكم رأس المال في طريقة عرضها للمشاهد، ذلك أن الغرب هو المصدر الوحيد لتمويل أفلام مخرجي المهجر .
هذا ما عاناه المخرج كريم طريدية الجزائري الهولندي، الذي قدم فيلم “حكاية قريتي” الذي يسرد فيه العلاقات والهموم التي عاشها جده ووالده عن قصة حقيقية في قريته، بينما يقدم فيلمه “العورس البولندية” في المهرجان، حيث يعيش الفيلم مشاهديه في قصة فتاة تهرب من خاطفيها عبر الريف الهولندي، ويشير طريدية قائلاً: “كانت مشكلتي في أنني وبعد أن حصلت على المنتج لفيلمي بعد “العروس البولندية” واتممت إعداده، فوجئت بهروبه إلى إسبانيا” .
ويضيف قائلاً حول بدايته: “أول أفلامي تحدث عن المهاجرين فأشار لي البعض بأهمية التطرق لموضوعات طبيعية بعيدا عن المهاجرين، وحين فعلت قالوا لي لماذا لا تتحدث عن دولتك الجزائر، وهنا اود التوضيح أن ضياع الهوية هو ما كنت أفكر فيه حين يشاهد البعض أفلامي وموضوعاتها، خاصة وأن والدتي كانت تخشى ضياع هويتي، وفعلاً بدأت بالتفكير بصناعة فيلم “أحلامي” في الجزائر وعنها، وكان كل تفكيري بأنه سيكون أفضل فيلم في العالم بل وسيحقق أحلامي، وحين بدأت في الأسابيع الاولى من إعداده في الجزائر بدأت أشك أنه سيكون فيلماً مقبولاً، وفي المراحل النهائية له كنت أعتقد بأنني لن أستطيع إنهاءه، وهنا عرفت أنني لم أشعر باندماجي مع البيئة والنظام ولم أشعر بانتمائي للجزائر وأشعر بالوحدة والغربة، بل وكنت أفتقد هولندا وكل ما فيها، وهذا لم يكن يعني لي سوى عدم قدرتي على صناعة فيلم هناك، لكن بعدها تأكدت أنني لم أتأقلم مع البيئة، وأن شعوري تجاه الإنسانية قادني إلى صناعة فيلم عن التطرف الذي قتل صديقي في الجزائر في العام ،1994 وعبرت فيه عن كل مشاعري، وسيكون فيلمي التالي في الجزائر” .