مخرج لتشين هسيانغ.. جدران سجن الواقع الآيلة للسقوط

 
تحولات عابرة في حياة إمرأة تايوانية
“مخرج” لتشين هسيانغ..  جدران سجن الواقع الآيلة للسقوط
أبوظبي ـ “سينماتوغراف”
 
الارتباط بين المدن الصناعية وعنصر الوحدة كان ولا يزال محور اهتمام كثير من صنّاع السينما. المخرج التايواني تشين هسيانغ أحد هؤلاء المهتمّين بهذا الغرض الفني، وفيلمه الأخير “مخرج” ضمن (مسابقة آفاق جديدة) بمهرجان أبوظبي السينمائي يعتمد على رصد حالة مستمرة وشبه دائمة من الوحدة. فهو يرصد التفاصيل الحياتية لسيدة تبلغ الـ 45 من عمرها، وتعمل حائكة ملابس في إحدى الورش الصغيرة في تايبي، عاصمة تايوان.
 
لا يبدو من المَشَاهد الأولى أن هناك علاقة جيدة بين السيدة وابنتها المراهقة. فالأم تكتشف أن هناك شاباً يتصل بها هاتفياً، كما تكتشف أن ابنتها، التى ربما تأخّرت في العودة إلى المنزل ليلاً، كانت تضع رموشاً إصطناعية بشكل غير معتاد على فتاة صغيرة. وبمنتهى الهدوء والتدريج، يكشف المخرج العديد من تفاصيل عالم تلك السيدة الخانق والآيل إلى السقوط.
 
بنية الدراما في الفيلم لا تبدو تقليدية على الإطلاق، فهي لا تعتمد على حدث أو فعل درامي يتسبّب في تغيير الأحداث بشكل كبير. تطور بنية السرد يأتي فقط من مصاحبة الشخصية الرئيسية عبر تفاصيل أيامها بين الصباح والليل، مروراً بالواجبات والفروض كلّها التي تقوم بها. يقدّم المخرج تفاصيل شكلية عديدة، لها دلالتها ورمزيتها الدرامية. ففي المَشَاهد الأولى، نعرف أن هناك مشكلة في باب شقة البطلة، لأن الابنة لا تستطيع بسهولة الخروج من الشقة بسبب هذا العطل. لكن المخرج يستخدم هذا الرمز للربط بينه وبين عنوان الفيلم “خروج”، كأنه يعطي قيمة ميتافيزيقية للحكاية التي يريد سردها، وليس فقط ليضعها ضمن المشاكل العديدة التي تواجهها البطلة في حياتها اليومية. من ضمن تلك المشاكل: تأخّر العادة الشهرية. يُعلمها الطبيب أن السبب كامنٌ في مرورها بأعراض مبكرة لسن اليأس. هذا أيضاً له دلالته الدرامية، فهو يسبّب شعوراً نفسياً بتوقّف الحيوية لدى البطلة. ثم يتمّ الانتقال إلى بعض التفاصيل الأخرى المكمِّلة لهذا العالم الهشّ، منه أن الورشة التي تعمل بها تغلق أبوابها بسبب رغبة ربّ العمل في الانتقال بعمله إلى الصين، حيث فرص العمل أفضل.
 
 
السيناريو يعلمنا، من بعض الجمل الحوارية، أن زوج السيدة يعمل بشكل دائم في شنغهاي، وأن الإبنة تقيم معه، وهي تقضي مع والدتها بضعة أيام في الأسبوع. هذه الحالة من الفراغ الإنساني لا تتحوّل إلاّ عبر ارتباط خفي بين بطلة الفيلم والمريض على السرير المقابل لحماتها في المستشفى. فالبطلة، من ضمن روتينها، تذهب بشكل دوري لزيارة حماتها، التي تستعد للخضوع لعملية جراحية في إحدى قدميها. هذا المريض مُصاب في حادث، وهو غائب عن الوعي. يُصدر أنيناً مستمراً بشكل يُزعج من حوله من المرضى في العنبر. تسبّب هذا الأنين في أن تجرّب بطلة الفيلم تمرير مياه على شفتيه الجافتين، وتنجح التجربة في تهدئته. كأن تلك التجربة تمنح البطلة قيمة إنسانية بعد أن “توقفت الحياة” بشكلها الضمني معها. تبلّل قماشة، وتمسح بها جسده في إحدى الليالي بشكل حسّي. كأن هذا الاقتراب يقرّب البطلة من رؤية ذاتها: فهي تصنع لنفسها فستاناً ربما لم ترتديه منذ زمن بعيد، ثم تضع مكياجاً، وتقرّر أن تتعلّم رقص التانغو كزميلتها في المشغل. ولعل اختيار المخرج لرقص التانغو يدعم تلك الحالة من الحسية التي تهزّ هذا الفراغ الإنساني لدى البطلة. أيضاً نجد أن المخرج يختار في العديد من المَشَاهد أن يضع في شريط الصوت الواقعي جداً خلفية من تلك الموسيقى البديعة. 
 
علاقة السيدة بالمريض لا تتشابه بما حدث في فيلم “تحدّث إليها” (2002) للمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار. فتلك العلاقة لا تمثل في بنية الدراما في “مخرج” غير تحوّل خلال اللحظة الراهنة لحياة السيدة، ومثل أي من التحوّلات العابرة، سرعان ما تتلاشى، وتنغمس البطلة مرّة أخرى في تفاصيل حياتها الهشة.
 
الفيلم حصل على الجائزة الأولى في الدورة الـ 16 لـ”مهرجان تايبي السينمائي” في تايوان، كما حصلت الممثلة تشن تشيانغ ـ تشي على جائزة أفضل ممثلة.
Exit mobile version