كان (فرنسا) ـ خاص «سينماتوغراف»
فيلم « Anatomy of a Fall ـ تشريح السقوط» للمخرجة جوستين ترييت، التي تعد واحدة من سبع مخرجات تتنافسن على السعفة الذهبية لمسابقة مهرجان كان السينمائي هذا العام في دورته الـ 76، يمكن اعتباره من نوعية الفيلم الأميركي Gone Girl ولكن في الاتجاه المعاكس، يموت كاتب محبط لأسباب مشبوهة، تاركًا وراءه أدلة تورط زوجته (ساندرا هولر)، ويتخذ أسلوبًا شبه وثائقيًا، يستغرق ساعتين ونصف للتنقيب عن أسرار هذين الزوجين، وهو دليل على أن الأفلام الفرنسية الأكثر إثارة للاهتمام اليوم يتم إخراجها من قبل النساء.
تقع أحداث الفيلم في مكان ما في جبال الألب الفرنسية، ويبدأ بعد مقدمة قصيرة، باكتشاف جثة هامدة في الثلج خارج منزل عائلي بعيد. القتيل هو صموئيل، كاتب يبلغ من العمر أربعين عامًا. زوجته ساندرا (هولر، التي تلعب دوراً مهما مع المخرج جوناثان جليزر في فيلم «منطقة الاهتمام»، وهو أيضاً في المسابقة) هي روائية كذلك، ويبدو أنها صُدمت عندما وجدته مع ابنهما (الأعمى نتيجة حادث مرور عبر الطريق عندما كان في الرابعة من عمره، وهو الآن يبلغ 11 عامًا)، والذي يعيش في مأزق متوتر يجعله مهووساً بمحاولة فهم ما حدث، هل الوفاة نتيجة انتحار، يشير الفيلم ثنائي اللغة (نصف الإنجليزية) في البداية بقوة إلى هذا الاتجاه – لكن تظهر قسوة رهيبة لما يلي، حيث يتم إحضار زوجته الحزينة إلى المحكمة ومحاكمتها بتهمة قتله.
هولر، النجمة البارزة لفيلم «توني إردمان» (فيلم كان يجب أن يفوز بالسعفة، أو على الأقل أفضل ممثلة، في مهرجان كان عام 2016)، تلعب دور «ساندرا» باقتدار، تلك الكاتبة الأكثر نجاحًا بكثير مما كان عليه زوجها في أي وقت مضى، لكنها أصبحت غارقة في التحقيق وبطيئة في إدراك خطورة ما يحدث، لكونها متأكدة تمامًا من براءتها، لكن التهافت المجنون لكاميرات وسائل الإعلام خارج قاعة المحكمة يجعل هذه المخاطر واضحة تمامًا للمشاهدين.
هل قفز صموئيل من النافذة العلوية للمنزل؟، أم سقط؟، وهل دفعته ساندرا؟، تثير هذه الأسئلة التوتر الشديد لمشاهد الفيلم داخل المحاكمة، وتدعو ساندرا صديقة قديمة كانت على علاقة معها، فينسينت (سوان أرلاود)، للدفاع عنها، لكن يبدو أن الاختيار يأتي بنتائج عكسية – لإصرارها على التعبير عن نفسها باللغة الإنجليزية على المنصة، وما يزيد الأمر ارتباكاً، روايات ساندرا المستوحاة كلها بشكل كبير من حياتها، والتي تستخدم ضدها كدليل خلال استجوابها، ويمتد الإحساس بالغموض إلى علاقة ساندرا بمحاميتها، التي جاءت لمساعدتها ولديها دوافع خفية، أو على الأقل مشاعر غير معلنة خاصة بها.
«تشريح السقوط» فيلم إثارة فكري من العيار الثقيل، تم تجميعه بدقة، ونجحت مخرجته جوستين ترييت التي كتبت السيناريو مع آرثر هراري في تعميقه، لدرجة أنه يحبس الأنفاس باستمرار، مع تنقلاته عبر مراحله المختلفة.
كل شيء في هذا الفيلم مهم تمامًا وله دلالاته، بما في ذلك العلاقة التي تربط ساندرا بمحاميتها، والحماس البغيض للمدعي العام (أنطوان رينارتز)، ولمحات ما يدور داخل عقل الابن لما قد حدث، ونظريات خبراء بقع الدم، ومحتويات روايات ساندرا، وعدم قدرة صموئيل على إنهاء رواياته، وأهمية الجنس في علاقتهما، وكذلك التفاصيل القانونية الدقيقة، واستكشاف حياة الآخرين داخل قاعة المحكمة.
ببراعة رائعة، ترسم جوستين ترييت صورة مبهرة للغاية تصور الخط غير الواضح بين نظريات التلاعب والطبيعة المعقدة للغاية للقضية، لضمان المصداقية وإمكانية الوصول إلى نهج واقعي يكشف الفاصل بين الحقيقة والخيال، وكذلك نظرة الآخرين وتأثير الصور على الغرائز، كل هذا وأكثر يتم فض تشابكه من خلال فيلم ساحر دقيق بقدر ما هو قوي.