كان (فرنسا) ـ خاص «سينماتوغراف»
على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، أصبح ستيف ماكوين أحد صانعي الأفلام المفضلين لدى النقاد، لقد صنع عددًا قليلاً من الأعمال السينمائية، لكنه في كل حالة تقريبًا كان يأخذ موضوعًا غير عادياً ليطرحه بمعالجة جديدة تمس العقل والقلب معاً، مثل (الإضراب عن الطعام داخل سجن الجيش الجمهوري الإيرلندي عام 1971 في فيلم «الجوع»، وأهوال العبودية المعقدة في «12 عامًا عبدًا»، وتمرد السياسة والأنوثة في فيلم «الأرامل»، والقمع التاريخي ضد مهاجري الهند الغربية بلندن في «مانغروف».
لذلك عندما أُعلن أن ماكوين سيخرج فيلمه الوثائقي الأول، وأنه سيتناول موضوع الهولوكوست، والتعامل مع ضحايا الاحتلال النازي لأمستردام (المدينة التي يعيش فيها ماكوين الآن)، توقع الجميع أنه سيقدم شكلاً مختلفاً في التفكير، يتناسب مع مهارة ماكوين وخياله وجاذبيته. لكن فيلمه «مدينة محتلة» الذي عرض ضمن مسابقة «نظرة ما» في مهرجان كان السينمائي الـ 76، أقل مستوى مما قدمه سابقاً، خصوصاً أنها المرة الأولى لماكوين في الظهور على الـ «الكروزايت».
استند ماكوين في فيلمه إلى «أطلس مدينة محتلة: أمستردام 1940-1945»، وهو سجل تم بحثه بدقة عن الحياة خلال الحرب العالمية الثانية في أمستردام، وقد جمعته زوجته، الكاتبة والمؤرخة والمخرجة الهولندية بيانكا ستيغر.
يبلغ طول الفيلم الوثائقي أربع ساعات، ويتألف بالكامل تقريبًا من مقاطع وصفية جافة، كل منها حول فقرة طويلة، قرأها الراوي، حيث نستمع إلى قصة مضغوطة لضحية واحدة، أو عدة ضحايا من النظام النازي.
تستغرق كل صورة مصغرة دقيقة أو نحو ذلك للقراءة، وتبدأ كل صورة بتلاوة خط التاريخ للعنوان في أمستردام حيث حدثت قصة الشخص. نسمع بعد ذلك وصفًا موجزًا لمن كانوا وماذا حدث لهم، وهو سجل ينتهي في أغلب الأحيان، مع وصف لموتهم في معسكر اعتقال (على الرغم من أنه ليس وصفًا مثيرًا للذكريات – فإن السطر الأخير سيكون شيئًا ما على غرار «قُتل في أوشفيتز عام 1943»).
أثناء قراءة كل مقطع، يكون مصحوبًا بلقطة غير متقطعة من العنوان نفسه في أمستردام، تم تصويرها خلال الوقت الحاضر، ويبدو أن ماكوين، من الناحية النظرية، يحاول نوعًا من التأمل في التفاعل بين الماضي والحاضر.
الفيلم في الغالب مجموعة قصص مباشرة، وتلاوة جامدة للقسوة والمأساة والرعب الخبيث من التعاون مع (حزب نازي هولندي)، بعدما تم منع اليهود بشكل أساسي من دخول المدينة في عام 1941، وأجبروا على العيش في حي اليهود. الفيلم يستعيد قصصهم. ومع ذلك، فإن «مدينة محتلة» لا يعتبر حقًا تاريخًا شفهيًا يمكن أن يُؤرخ، على الرغم من أننا نسمع الحكايات تُقرأ بصوت عالٍ. إنه أشبه بالاستماع إلى 150 إدخال موسوعة على التوالي. نظرًا لأن الموضوعات ليست فردية إلى حد كبير، ومع الوقت يصبح التكرار مزعج بشكل كبير، وتتشابه القصص مع اختلاف أحداثها.
ينتقل المخرج بين سنوات الاحتلال وسنوات الحاضر ليسجل كيف أصبحت بعض أماكن الاعتقال مقاصد سياحية تؤمها عائلات للتزلج واللهو. المهم هو أن هذا التنويع والانتقال بين فترات مختلفة لا يعفي الفيلم من برودة، ولا يضيف قيمة تذكر، بل يعكس للأسف ترهل العمل على موضوع كان يمكن أن يكون أكثر جاذبية لو تخلى ماكوين عن رغبته في إخراج ملحمة لم تتحقق.
وباختصار كل ما يمكن قوله، أن ماكوين في «مدينة محتلة»، وضع تاريخ بعيد جدًا للحياة خلال الحرب العالمية الثانية، مع صور منفصلة عن الحاضر، وجعلها إستراتيجيته الوحيدة لصناعة هذا الفيلم، الذي يجعلنا نتسائل لمن صنع ماكوين هذا العمل؟، الذي نشعر معه أن التاريخ لا يتطور، بل يذبل، ويصبح أكثر تجريداً، وكأن الحياة قد استنفدت، فأصبحت الصورة لا تمنح جديداً فعلياً تضيفه لما سبق للعديد من الأفلام (روائية ووثائقية) تحدثت في هذا الموضوع.