حاوره ـ إبراهيم الملا
مع انطلاق الدورة 14 من مهرجان دبي السينمائي الدولي، وتحت شعار «السينما تأتيك»، وبمشاركة 140 فيلماً من 51 دولة، كان هذا اللقاء مع مسعود أمرالله المدير الفني للمهرجان، الذي يمتلك طموحاً عالياً لتطوير آليات عمل المهرجان، واستحداث العديد من البرامج والأفكار التي تجعل السينما النقيّة، بمواصفاتها الاحترافية ومضامينها الإنسانية، في متناول المشاهد المحلي والعربي، وأقرب إليه من أي وقت مضى.
وفي سؤال عن موقع مهرجان دبي السينمائي اليوم على خريطة المهرجانات السينمائية العربية، قال أمر الله: «من الصعب الإجابة عن سؤال يتعلق بموقعنا إذا كنا نعمل داخل الحدث»، مضيفاً: «ورغم ذلك يمكننا القول، إن مهرجان دبي السينمائي أصبح اليوم وبشهادة المشاركين فيه والمتابعين له في المقدمة تماماً، ليس لمجرد أنه مهرجان يستقطب الأفلام ويعرضها على جمهوره متعدد الأذواق والمرجعيات، ولكن لأسباب أخرى تتعلق بالأفكار الخلاقة، والبرامج المبتكرة التي تميز بها المهرجان منذ انطلاقته، التي تم اقتباس بعضها واستنساخها في مهرجانات عربية أخرى»، واستطرد قائلاً: «عندما تكون ملهماً للآخرين، فهذا يعني أيضاً أنك في الصدارة وتمضي في الاتجاه الصحيح».
قفزة نوعية
وعن دعم المهرجان المستمر للأفلام الإماراتية والعربية، وأثر هذا الدعم عليها الآن ومستقبلاً، أوضح أمر الله أن مهرجان دبي السينمائي هو مهرجان دولي شكلاً، ولكنه عربي قلباً وروحاً، وبالتالي، فإن دعمه المستمر للمخرجين الإماراتيين والعرب الموهوبين، قبل وبعد إنتاج أفلامهم، يصب في إطار هذا التوجّه الذي اختاره المهرجان منذ البداية، مضيفاً أن عدداً من الأفلام التي دعمها المهرجان وصلت لترشيحات الأوسكار والعديد منها حاز جوائز مهمة في المهرجانات الإقليمية والدولية، مثل كان وبرلين وفينيسيا.
وقال أمر الله، إن المهرجان ساهم بتحقيق قفزة نوعية للفيلم العربي في السنوات السابقة، وهناك إشارات واضحة بأن هذه القفزة ستصل لمساحات أوسع، وستحقق مفاجآت أكبر على المستوى العالمي خلال المرحلة القادمة.
وأكّد أمر الله أن الفيلم الإماراتي اليوم وبدعم من صندوق «إنجاز» الذي يقدمه المهرجان، إضافة إلى الاستشارات والدعم الفني والمعنوي، أصبح يمتلك الهوية والميزة والبصمة التي تجعله قادراً على التعبير عن ذاته وعن قدرات المشتغلين على إنتاجه من كتاب سيناريو ومخرجين ومنتجين إماراتيين، مشيراً إلى أن مشاركة الفيلم التسجيلي الطويل «آلات حادة» للمخرجة والشاعرة الإماراتية نجوم الغانم في مسابقة المهر العربي، في الدورة الحالية من المهرجان، هي مشاركة تدل وبقوة على مدى التطور الحاصل في المشهد السينمائي المحلي، ومدى قدرة الفيلم الإماراتي على منافسة الأفلام العربية الأكثر عراقة وخبرة في هذا المجال.
وحول اختيار شعار «السينما تأتيك» لوصف طبيعة التواصل مع أفلام الدورة الحالية من المهرجان، أوضح أمر الله أن المهرجان وفي كل دورة جديدة من دوراته المتعاقبة يعمل على تقريب مفهوم السينما إلى الجمهور وإلى المهتمين بالمحتوى البصري المتداخل واللصيق بحياتنا اليومية، خصوصاً مع سيادة الثورة التكنولوجية المعتمدة أساساً على النمط التفاعلي المرئي والمسموع، وبالتالي، كما أشار أمر الله فإن المهرجان يستثمر هذا النمط المنتشر من أجل إيصال الأعمال السينمائية المميزة إلى جمهوره في أماكن وجوده، سواء في المراكز التجارية التي تحتضن عروض المهرجان والمتوافرة على وسائل فرجة متطورة، أو من خلال العروض المجانية على الشاطئ، وكذلك من خلال الترويج الناجح لأفلام المهرجان على منصات التواصل المختلفة لاستقطاب أكبر شريحة ممكنة من الجمهور وربطه بآخر النتاجات السينمائية المحلية والعربية والعالمية، عن طريق العرض المباشر لهذه النتاجات، أو عن طريق تقديم المعلومة والخبر والتغطية الصحفية والمتابعة النقدية لهذه النتاجات الجديدة.
برامج وفعاليات
وعن البرامج والفعاليات التي راهن عليها المهرجان سابقاً، ويحاول تكريسها وتطويرها في الدورة الحاليّة، أشار أمر الله إلى تواصل عروض برنامج (الواقع الافتراضي) الذي شهد تفاعلاً مميزاً من زوار وضيوف المهرجان في الدورة السابقة، إضافة إلى برامج (التجربة الافتراضية) و(الواقع المعزّز) و(الذكاء الاصطناعي) التي تم استحداثها في هذه الدورة باعتبارها صيغاً متقدمة للعرض البصري، حيث يجد المشاهد نفسه متداخلاً مع فضاء العرض ومشاركاً في أحداثه، وكأنه جزء من العمل الدرامي أو المشهد المصوّر الذي يقدمه هذا النوع من العروض الخاصة جداً، والتي ما زالت تختبر ذاتها، وما زالت مفتوحة على آفاق ومنافذ أوسع وأكثر إدهاشاً خلال السنوات القادمة.
ولفت أمر الله إلى أن المهرجان في دورته الجديدة، ومن خلال سوق دبي السينمائي منح فرصة المشاركة لمؤسسات الإنتاج التلفزيوني باعتبار أن المحتوى البصري في زمننا الراهن أصبح محتوى شاملاً، وأن تقنية تصوير وإخراج الكثير من المسلسلات باتت شبيهة بتقنيات السينما، وتبعاً لذلك كما أشار، يحرص المهرجان على استقطاب الشركات التي تقدم المحتوى الشامل، وخلق روابط ومجالات تعاون بين المخرجين السينمائيين الشباب وبين المنتجين في التلفزيونات المحلية والعربية، وصولاً إلى هدف أكبر وهو تقديم محتوى بصري قريب من الشكل السينمائي على شاشات التلفزيون، وفي ذات الوقت يتميز هذا المحتوى بجودته العالية، وبشروطه القياسية المحكمة التي لا تقبل التنازل عن هذه الجودة.
عروض أولى
وصف أمر الله المهرجان بأنه متنوع وضخم، ويقدم عروضاً تشاهد للمرة الأولى في المنطقة، مشيراً إلى أن الدورة الجديدة تتضمن 50 فيلماً في عرض عالمي أول، وواحداً وثمانين فيلماً في عرض أول بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يعني أن تسعين بالمائة من عروض المهرجان تُشاهد للمرة الأولى على الشاشة الفضية في هذه المنطقة الممتدة جغرافياً، مضيفاً أن دبي السينمائي هو الوحيد الذي يتضمن سوقاً هائلاً لبيع الأفلام وعقد الصفقات وتبادل المشاريع بين صنَّاع السينما من منتجين وموزعين ومخرجين وتقنيين ومديري مهرجانات وغيرهم، وهناك أيضاً العديد من ورش العمل والمحاضرات والندوات التخصصية أثناء إقامة المهرجان، كما يقدم المهرجان ندوة مهمة يشارك بها رئيس أكاديمية الأوسكار، وهو أيضاً مدير تصوير مهم، وسيقدم ورشة عمل حول تقنيات التصوير السينمائي.