نتائج جوائز هذه الدورة تؤكد أن السينما الخليجية سيطرت
ـ تأخرنا في فتح التسجيل لأسباب مالية وإعادة الحسابات ومراجعة الاستراتيجية
ـ 75% من المهرجان قائم على الرعاة وإذا تغيروا أو انسحب أحدهم تحدث مشكلة
ـ تعرضنا لمساوامات من «ذيب» ورفضنا «قط» البطوط فذهبا إلي مهرجان أبوظبي
ـ كان من الصعب الاستمرار في مسابقة «الأسيوي الأفريقي»، وجمهور بعض أفلامها اثنان فقط
ـ كلمة الناقد محمد رضا رئيس لجنه تحكيم المهر الاماراتي فيها نوع من القسوة على السينمائيين الإماراتيين
ـ كثرة الجوائز تفسد ولا أسباب مادية وراء الغائها بل رفعنا قيمة الرئيسية فيها
ـ سنركز من العام المقبل على تواجد الفيلم العربي في الصالات السينمائية
«سينماتوغراف»: د. أمل الجمل ـ دبي
بعد مجموعة من التعديلات وإعادة الهيكلة – منها إلغاء مسابقة المهر الأسيوي الأفريقي، وضم الفيلم الروائي والوثائقي في مسابقة واحدة – فاجأ مهرجان دبي السينمائي الدولي الحادي عشر (10- 17 ديسمبر) الحضور قبيل الختام بإلغاء عدد من الجوائز. التقت «سينماتوغراف» المدير الفني للمهرجان مسعود أمر الله لتعرف رأيه في بعض الشائعات التي لاحقت المهرجان، وكان هذا الحوار الذي قدم خلاله ما يشبه كشف حساب عن الدورة الأخيرة:
ـ ماهي مبررات إلغاء تلك الجوائز خصوصاً أن المهرجان عندما بدأ كان يمنح جوائز للتصوير والموسيقى والمونتاج، ثم في الأربع سنوات الأخيرة أُضيفت جوائز أحسن ممثل وممثلة ومخرج؟.
مسعود: أعتقد أحيانا أن كثرة الجوائز تفسد. وهذه السنة ركزنا على الجوائز الرئيسية. جعلنا الجوائز للفيلم كفيلم، ورفعنا قيمة الجائزة المادية. وقلنا سنشاهد ردة الفعل، إيجابية أم سلبية؟ لكن عموما هذه السنة أخذنا فورمات جديدة في المهرجان كله، وهذا كان من بين الأشياء التي نختبرها.
ـ لكن أليس هذا اختبارا ينتقص من قيمة العناصر الأخرى في العمل؟ فالمهرجانات الدولية الكبرى «كان، برلين، فينيسيا» بدأوا بالجوائز الرئيسية ثم أضافوا التمثيل والإخراج والتصوير، ثم مر عدد من السنوات قبل أن يضيفوا أحسن موسيقى وأحسن ديكور، فالمفروض أن «دبي السينمائي» يخطو للأمام؟.
مسعود: لو تأملتي تتر نهاية الفيلم، مدته 3 أو 4 دقائق تجدينه مليء بالأسماء. إذا فيه انتقاص من الكل. عندنا في التجربة الإماراتية هناك إماراتي وحيد يعمل أرت دايركتور، وحتى في الكتالوج لا نكتب الأرت دايركتور، وهو دائما يقول أن هناك انتقاصا من عمله لأنه يظل يبني عمله لمدة شهور ثم لا نكتب اسمه. فذلك طبيعي لأن الأسماء كثيرة والتخصصات كثيرة والعمل جماعي، وكلما دخلنا في التفاصيل سنضيع أكثر وأكثر.
ـ لكن هناك عناصر أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في الفيلم، رغم أنه أحيانا في بعض الأفلام يتم الاستغناء عن الموسيقى لكنها تظل استثناء.
مسعود: الإضاءة أساسية. لون الصورة أساسي. كل العناصر أساسية. أنا أعتبر الفيلم وحدة متكاملة. أيضاً هناك بعض المهرجانات تمنح فقط جائزة أفضل فيلم، لكن نحن قدمنا جائزة أفضل فيلم وجائزة لجنة التحكيم. وربما من باب التجريب أيضاً تعمدنا الخلط ما بين الوثائقي والروائي، وهو أمر منذ سنوات أتحدث فيه، علينا أن نتعامل مع السينما كسينما «لا وثائقي ولا روائي». وهذه السنة جاءتني الجرأة لتحقيق ذلك واختباره في دبي.
ـ ربما الغاء الجوائز جاء أيضاً لأسباب مادية؟
مسعود: بالعكس، فنحن رفعنا قيمة الجوائز.
ـ رفعتم قيمة كل جائزة، لكن الإجمالي لم يعادل ما كان يتم إنفاقه على الجوائز كلها والتي تم إلغاء الكثير منها هذه الدورة؟
مسعود: لم تعادل بسبب عدم وجود مسابقة الفيلم الآسيوي الأفريقي، لكن في مسابقة المهر العربي تعادل.
ـ مهرجان دبي تأخر هذا العام في فتح باب التسجيل فهل كان ذلك لأسباب مادية؟ ومدى تأثير هذا على اختيار الأفلام ونوعيتها التي اعتبرها رغم كُثرتها أقل من مستوى دورة العام الماضي؟
مسعود: صحيح تأخرنا في هذه الدورة لأسباب عديدة بعضها مالي، أو لمراجعة الاستراتيجية، وإعادة الحسابات. والأفلام التي شاركت في هذه الدورة سمعت كلاما كثيرا من اليسار واليمين أنها أفلام ضعيفة. نحن كمهرجان دورنا مختلف عن دور الناقد، فواجبنا تقديم هذا الإنتاج ، وهذا هو الإنتاج العربي في هذا العام، ربما فيلمان أو ثلاثة التي كنا نريدها وراحت لمهرجان آخر، فهذه الأفلام الثلاثة ليست كل السوق، فنحن نشاهد الطويل والقصير، وأعتقد أن الأفلام التي قدمناها في المهرجان كانت رهان على تقديم شيء مغاير في السينما العربية، وربما كان اختيارنا في السنوات الأخيرة تقديم نوعية الأفلام التي تميل إلى التجريب في السينما، ويكون تقبلها صعبا كثيراً. هذه الدورة بالذات هناك خلل في مكان ما في تفسير الأفلام، وفي إعطاء الحق والشرعية لأفلام مغايرة أن تكون موجودة.
ـ لكن تأخير فتح باب التسجيل منح المهرجانات الأخرى – حتى من دون أن تكون في موضع المنافسة – أن تقتنص أهم الأفلام العالمية والتي عرضت بأهم المهرجانات الدولية الكبرى، فهذا أثر بشكل أو بأخر على اختياراتكم، أليس كذلك؟
مسعود: نحن عندما نبرمج نضع في اعتبارنا بالدرجة الأولى السينما العربية، وعندما التقط مهرجان دبي القفاز وقرر عمل مسابقة عربية لم يكن هناك أي مهرجان في الوطن العربي يعمل مسابقة عربية أو يبدي بها أي اهتمام، نحن لازلنا نسير على هذا المبدأ، أما السينما العالمية فهى بحر مفتوح ومنه يمكن أن تنتقي ما تشاءين، وفلسفتنا أن نأخذ أفلاما قليلة من المهرجانات الكبرى، ونعتمد على اكتشاف نحن نريده، جميل أن تحضر فيلما عالميا مهما من مهرجان دولي لكن هذا ليس هدفنا ولن يكون هدفنا أبدا في دبي.
ـ وفي مجال السينما العربية.. ألم يسبقكم مهرجان أبو ظبي في الحصول على حق عرض الأفلام العربية نتيجة التأخير، مثلما حدث مع فيلم «القط» و«ذيب»؟
مسعود: فيلم «القط» لابراهيم البطوط تقدم لإنتاج إنجاز وللأسف لم يُقبل فذهب إلي أبوظبي وأخذه. و«ذيب» مثلاً تقدم لإنجاز منذ عدة سنوات ولاحظنا مساومات في منطقة ما فتركناه.
ـ لكن ذيب تم دعمه من أبوظبي إلى جانب مؤسسة الدوحة للأفلام.
مسعود: قبل دعمه من أبو ظبي، قبل سنتين ونصف، نحن نعرف أين سيذهب. صحيح هناك أفلام ذهبت لمهرجانات أخرى وفي كل سنة يفلت منا فيلمان ثلاثة لكن هذا أمر طبيعي جداً ويحدث. لكن أيضاً حدث شيء مهم العام الماضي، أنه نتيجة وجود أفلام قوية ومهمة منها مثلاً سبعة أفلام حائزة على أوسكار فرغت بعض صالات الأفلام الوثائقية من الجمهور، فلأول مرة اكتشفنا أن الشيء الإيجابي يصبح أمرا سلبيا. لذلك فكرنا أن نعطي الفرصة للأفلام الأخرى وفي دمج الوثائقي مع الروائي. لأنه مثلاً كنا نعرض فيلما وثائقيا مهما من أندونيسيا ونجد في الصالة اثنين فقط، فهناك نوعية معينة من الأفلام الكل يريد مشاهدتها، لكن ماذا عن الفيلم الآسيوي الأفريقي الذي حصلنا على حق عرضه العالمي الأول ثم نجد اثنين فقط في الصالة؟ فكان التفكير أن نقلل من عدد الأفلام ونعطيها مساحات جيدة وفي نفس الوقت نملأ القاعات.
ـ رئيس لجنة تحكيم المهر الإماراتي والقصير الناقد السينمائي محمد رضا قبل توزيع الجوائز أشاد في كلمته بمستوى الأفلام القصيرة لكنه أكد على ضعف مستوى أفلام المهر الإماراتي، وأن المستوى العام لم يكن جيدا، وناشد صناع الأفلام رفع سقف طموحاتهم، فما رأيك؟
مسعود: أعتقد أنه كان في ذلك نوع من القسوة. حتى المخرجون الإماراتيون لم يحبوها. كان من الممكن أن تقال بشكل آخر، لكن هذا رأيه في النهاية. النقاد العرب في المهرجانات الدولية لا يكتبون عن المهرجان وتنظيمه إنما يكتبون عن الأفلام، لكنهم في المهرجانات العربية يكتبون عن تنظيم المهرجان، فلماذا المهرجانات الدولية بالخارج جميلة لهذه الدرجة بحيث لا يُكتب عنها، ولماذا نحن سيئون لهذه الدرجة بحيث كلما فعلنا شيئا يُكتب عن التنظيم والمهرجان والاختيار. نحن كمهرجان نعكس ما هو موجود، دورنا الفرز في مكان ما. الفيلم مكتمل الشروط السينمائية ومكتمل المحتوى أضعه في المهرجان، ما هو موجود أقدمه للجمهور هذا دوري. ودور الناقد أن يكتب عن الأفلام، سواء أعجبته أم لا، فيها نقاط ضعف أو قوة؟ دوري هو الفرز الأول، ودور الناقد تحقيق التوعية بهذا الفيلم. المهرجانات مرآة تعكس ما هو موجود، وليست مسئولة عن مستوى الإنتاج العام أو توجهاته. نحن نعمل في محيط زمني 6 أشهر، واخترنا الفيلم الإماراتي المتاح في هذا الفترة الزمنية، شاهدت 50 أو 60 فيلما أي اخترنا من الموجود.
ـ كان يوجد أفلام إماراتية بعضها حصد جوائز في مسابقة المهر الطويل والقصير، فعلى أي أساس تم الاختيار لتنافس في هاتين المسابقتين، ولماذا لم تدخل مسابقة المهر الإماراتي؟
مسعود: نتائج الجوائز هذه الدورة تقول إن السينما الخليجية سيطرت في مكان ما بفوز «سماء قريبة» لنجوم الغانم، و«انا نجوم بنت العاشرة ومطلقة» لخديجة السلامي. في أحد الأعوام كان فيلم «حمامة» في مسابقة الوثائقي، لو وضعت فيلم نجوم الغانم «سماء قريبة» في المهر الإماراتي سأشعر بأني هضمتها حقها، فاليوم هى حصلت على أكبر جائزة في المهرجان جائزة أفضل فيلم غير روائي.
ـ لكن نجوم الغانم شاركت العام الماضي بفيلمها داخل مسابقة المهر الإماراتي
مسعود: صحيح، لكن بالعام الماضي كان يشارك بنفس المسابقة مخرجون لهم تجربة طويلة نسبيا وكان من بينهم الأسماء الأهم في التجربة الإماراتية مثل نائلة الخاجة وعلي مصطفى، فكان يمكن أن تنافس معهم، أما هذا العام فإذا جعلت فيلم نجوم، ووليد الشحي «دلافين» داخل المهر الإماراتي كأنني حسمت النتيجة للجنة التحكيم، لأن المشاركين أغلبهم طلاب فكيف أقضي على فرصتهم، لابد أن أعطي للطلاب مجالا وأملا.
ـ مهرجان دبي يعتمد على الرعاة ويكاد يختفي الدور الحكومي، ألا تثاوركم الهواجس، فإذا اختفى الرعاة بين يوم وليلة سيختفي المهرجان؟
مسعود: نموذج دبي مختلف عن المهرجانات الأخرى. فهو تقريباً بنسبة 75% قائم على الرعاة. وإذا تغيروا أو انسحب أحدهم يصير عندنا مشكلة، لكن هذه طبيعة دبي في كل شيء، أنها تعتمد على الرعاة.
ـ هل توجد مشاريع جديدة خاصة بالدورة القادمة من المهرجان؟
مسعود: هذه الدورة قمنا بمبادرة التوزيع التي تعتبر أيضاً من المشاريع التي نبادر ونقوم بها وتصير مهمتك مشكلتك فيما بعد، خاصة مع وجود أفلام عربية جيدة جدا ويمكن أن تصل للجمهور لكنها لا تحظى بفرص العرض في صالات السينما. فالتوزيع إشكالية كبيرة تواجه الفيلم العربي أكبر من إشكالية الإنتاج، فمثلاً فيلم «عمر» لهاني أبو أسعد بدأ من مهرجان «كان» وعرض في افتتاح مهرجان دبي ورشح للأوسكار وإلى اليوم لم يعرض في الصالات. إذن هناك إشكالية ما. لذلك اتفقنا مع خمسة موزعين من العالم العربي كل واحد منهم يقوم على الأقل باختيار فيلم عربي يعرضه من المهرجان ويقوم بتوزيعه.
ـ وليس شرطا أن يكون هذا الفيلم مدعوما من برنامج إنجاز؟
مسعود: لا، ليس شرطاً، فقط يختار الفيلم من ذوقه الخاص الذي يجد فيه شيئا يمكن أن يعرضه في صالاته السينمائية. هناك خمسة موزعين وافقوا، وأعتقد أننا سنمضى في هذا الاتجاه بشكل أقوى لكي نوسعه، وندرسه لنعرف أين كانت السلبيات. كذلك السنة القادمة سنركز بشكل مكثف على تواجد الفيلم العربي في الصالات السينمائية.