القاهرة ـ «سينماتوغراف»
اختارت إدارة مهرجان أيام قرطاج السينمائية الوثائقي “مُعايش” أوMy Mohammed Is diffrent، لإيناس مرزوق، للعرض ضمن فعالياته التي تنطلق نهاية أكتوبر الجاري وتستمر حتى السادس من نوفمبر المقبل.
والفيلم الذي يحمل اسمًا عربيًا هو “معايش” فيلم وثائقي طويل، يستعرض صورًا مختلفة للحب والاحتياج والضعف الإنساني من خلال قصص لأجنبيات تزوجن من مصريين أصغر منهن سنًا.
إيناس مرزوق صانعة أفلام تونسية وصحفية تعيش وتعمل في القاهرة، بدأت حياتها المهنية كمساعد مخرج في فيلم “هليوبوليس” لأحمد عبد الله، ومونتيرة لعديد من الأفلام الوثائقية منها “الثورة خبر” للمخرج بسام مرتضى، وكذلك عملت كصحفية فيديو في المصري اليوم ثم ترأست قسم الملتيميديا بصحيفة التحرير.
وسبق للفيلم أن فاز بجائزة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهو فيلمها الوثائقي الثالث بعد “كله إلا كده” و”محمد محمود.. نداهة الثورة”.
ويعرض الفيلم ضمن فعالية “نظرة علي السينما التونسية” في المهرجان التونسي السينمائي الأقدم، الذي انطلقت أولى دوراته في 1966، وأصبح يعقد بصفة سنوية منذ عام 2015 بين شهري أكتوبر ونوفمبر ويحظى بمشاركة سينمائية وفنية عالمية واسعة.
في الوثائقي “معايش” (2020) علاقات تثير أسئلة كثيرة عن دوافعها وشكلها. خصوصيتها محطّ اهتمام المخرجة التونسية المقيمة في مصر إيناس مرزوق، بحثاً وتنقيباً عن نوعيتها وأسبابها وغاياتها، المُصرّح أو المُوحى بها. الأسئلة مشروعة. تكرّر هذا تحوّل إلى ظاهرة غريبة، لربطها بين نساء أوروبيات مرفّهات، اقتربن من الثمانينات، ويعشن في مدينة الأقصر، ورجال أصغر منهنّ بثلاثين عاماً على الأقلّ، فقراء يبحثون عن تأمين العيش لهم ولعائلاتهم.
بُني محور السرد في “محمدي أنا، مختلف” (العنوان بالإنكليزية) على حكايتَي زوجتين أوروبيتين، تعكسان الظاهرة بأفضل تجلّياتها، وشهادة رجل مصري يتوق إلى علاقات مشابهة. الحوارات مع المعنيّين محاولة للغوص في أعماق كلّ واحد على حدة، وسعيٌ إلى فهم دوافعه، وإدراك أغراضه، أكانت مادية أم معنوية.
لمَ يختار المرء؟ الأمر هنا اختيار علاقة كتلك، وكيفية عيشها. هذا ليس يسيراً. بلا شكّ، تطلّب من مرزوق وقتاً لبلوغ ما وصلت إليه. شرح الخصوصيات وتفاصيل علاقات كهذه في مجتمع محافظ يتطلّب الحذر في اختيار ما يُقال، وفي التفكير المتكرّر قبل الاعتراف بما يثير حفيظة الآخر، أي المجتمع المحيط به، وغير المحيط أيضاً، الممثّل بالمُشاهد مثلاً.
في الأقصر السياحية، يلجأ محلّيون إلى وسيلة مريحة للخلاص من الفقر. عبد الرحيم مرشد سياحي، متزوّج وله ولدان، لكنّه مستعدٌ لفعل أي شيء للعثور على امرأة أجنبية ميسورة الحال، تؤمّن له مستقبل العائلة. إنّه ككثيرين غيره، يتواصل مع نساء أجنبيات عبر الإنترنت لإغرائهنّ بالسفر إلى الأقصر. يتّصل بمونيكا، امرأة ألمانية كبيرة السنّ. بعد أشهر رومانسية عبر الإنترنت، تحبّه، وتعده برعايته. تنتقل إلى الأقصر للعيش معه.
يختلف الأمر مع سيرانا (79 عاماً). جاءت إلى الأقصر وقرّرت منح نفسها فرصة حياة جديدة. يمكنها الآن إعادة إحياء شبابها، بعد زواجها بحمدي، الذي يصغرها بثلاثين عاماً. تحبّه بجنون، وتريد تمضية الوقت معه، والتمتّع بالحياة. برأيها، هو ليس كالآخرين، كخالد مثلاً، الذي يبحث عن الغنى، ويستغلّ “الحبّ” للحصول عليه. خالد تزوّج ماريا (79 عاماً. يبدو أنهنّ توقفن جميعهنّ عند هذا العمر)، قبل أن يجد زوجة مصرية تنجب له أطفالاً، وتعمل معه في محل بيع التذكارات السياحية، الذي أنشأته وتعاونت معه على إدارته. لكنّه انصرف عنها بعض الشيء.
عبر لقاءات مطوّلة تتوازى ونقل الحياة اليومية ومشاعر زوجين تتقاطع حياة أحدهما مع الآخر، تتجلّى نظرة نادرة وأمينة عن هذه العلاقات التي “تتراوح بين البزنس والشاعرية”، كتعريف الفيلم بنفسه.
“البزنس” واضح: “لا أرخص منّي في السوق، وخاصة مع فارق السن”، يقول عبده بإخلاص وصدق. لكنّ الفيلم غير مُقنع بالشاعرية، أقلّه من جهة الرجال. يُمكن تصديق عبده، عندما يشرح خطط الشباب “الآخرين” لبداية علاقة مع عجوز أوروبية، من “تمثيل الحبّ عليها، ووضع قناع من البراءة لتحقيق مكسب سريع”. لكن محاولته الخروج من هذا الإطار، والقول إنّه “بريء لطيف”، تستدعي بعض التأمل. كما يتبدّى الفرق في معاملة الرجل لزوجتيه، المصرية والأوروبية. هنا يسود عالمان مختلفان: الشاعرية واللطف والتفهم لجهة واحدة فقط: المموّلة. في حالات كهذه، تبدو النساء أكثر إخلاصاً في التعبير عن مشاعرهنّ ودوافعهنّ، من التوق إلى الحب والخوف من الوحدة، كما في صدقهنّ مع أنفسهنّ ومع الآخر، إذْ يتطرّقن إلى أكثر المواضيع حساسية، كممارسة الجنس، ومواجهة نظرة المجتمع، وقبول امرأة أوروبية أنْ تكون عنصراً فعّالاً في نظام تعدّد الزوجات.
ساعات طويلة من التسجيل اختُصرت بـ70 دقيقة. المونتاج ركّز على سرد مشاعر سيرانا وماريا وأحوالهما، وعلى الفروقات الثقافية بين المحبّين، في علاقة غريبة، ورؤية وإن كانت نادرة وصادقة لهذه العلاقات، فهي تطمس الحدود أحياناً بين ما هو كائن حقاً، والمُعبَّر عنه بالكلام. لا يخلو الفيلم من إثارةٍ، رغم أنّ هذا ليس هدفه الأهمّ، وإنْ يكن الفضول المبعث الأول لمشاهدته، فإيناس مرزوق موفّقة في أسلوب معالجتها، بجذبها انتباه المُشاهد حتى اللحظة الأخيرة، ليكون حراً في النهاية في قبول ما كشفته له أو رفضه، من دون إغفال محاولات واضحة في السيناريو لجعل المُشاهد يتأمّل في ما يجري، ويُلقي عليه نظرته المسبقة، المستنكرة أو الساخرة، ولو لوقتٍ.