الوكالات ـ «سينماتوغراف»
في الوقت الذي يختتم فيه المخرج بيتر جاكسون ملحمة ما يعرف بأفلام «الأرض الوسطى»، يتساءل الكاتب الفني نيكولاس باربر عما إذا كان أخر هذه الأفلام، «ذا هوبيت: أرض الجيوش الخمسة»، يستحق المشاهدة.
يعد الفيلم السادس والأخير من أفلام ما يعرف بـ «الأرض الوسطى» (وهي أرض افتراضية صاغها كاتب الروايات الخيالية «جي آرآر تولكين») هو أقصر هذه الأفلام التي أخرجها بيتر جاكسون في سلسلتين.
إذ بلغت الأفلام الثلاثة الأولى من سلسلة «Lord of the Rings ـ سيد الخواتم» أكثر من ثلاث ساعات لكل فيلم منها، وبلغ الجزءان الأول والثاني من سلسلة «ذا هوبيت» 169 و 161 دقيقة على التوالي.
أما الفيلم الأخير، «ذا هوبيت: معركة الجيوش الخمسة» فتبلغ مدته 144 دقيقة فقط – بما في ذلك عرض الأسماء والحقوق القانونية المطولة للفيلم بشكل يبعث على السخرية. حسناً إن مدة الفيلم على أية حال هي 144 دقيقة حتى عام 2015، عندما يصدر جاكسون النسخة المطوّلة على الأقراص المدمجة ويضيف إليها نصف ساعة أخرى.
إن رواية الكاتب جَي آر آر تولكين، «ذا هوبيت»، هي أقل حجماً من أي مجلد من المجلدات الثلاثة التي تضم رواية «سيد الخواتم».
وفي نهاية فيلم «ذا هوبيت» السابق، والذي كان بعنوان «هلاك التنين سموغ»، يتطرق جاكسون إلى أغلب ما ورد في الرواية تقريبا، ما عدا الصفحات الـ 65 الأخيرة منها. وكان كل ما تبقّى في هذه الصفحات عبارة عن لقطات متعاقبة يقوم فيها التنين «سموغ» بإشعال النار في بلدة تقع على إحدى البحيرات.
وفي لقطات أخرى يقوم بعض الأقزام والجان والبشر بمشاحنات حول من يمكنه أن يحتفظ بذهب التنين؛ ومعركة بين هؤلاء المتشاجرين وجيش يعرف بأنه من أشباه البشر من جنس «الأورك». ليست هناك مادة دسمة لفيلم بطول ساعتين ونصف، فكيف يملأ جاكسون ذلك الوقت الطويل للفيلم؟
الجواب هو أنه يستخدم كل ما يمكنه استخدامه، فهو يدرك على الأرجح أن هذه قد تكون فرصته الأخيرة لاستغلال أسطورة «الأرض الوسطى». فهو يملأ الفيلم بمجموعة من الحركات البهلوانية، والمؤثرات الخاصة التي تبهر العين، وعشرات من الشخصيات، سواء كانت قد ذكرت في رواية تولكين أم لا.
دور لكل الشخصيات
والأكثر من ذلك هو أن جاكسون والمشاركين معه في كتابة سيناريو الفيلم، فران ولش، وفيليبا بوينس، يمنحون الفرصة لكل من هذه الشخصيات كي تلعب دورا في الحبكة الدرامية لتثبت بطولتها في أحداث الفيلم المتشعبة.
لا بأس إذاً إن لم تظهر شخصية الجان «ليغولاس» (ويمثله أورلاندو بلووم) في رواية تولكين من الأساس.
فقد ظهرت شخصية ذلك الجان في الفيلم وهو معلق من قدمية بوطواط عملاق يخفق بجناحيه في السماء، ثم يشترك في مبارزة على جسر ينهار فوق أحد الأودية.
وماذا عن القزم «دَين» (يمثله بلّي كونولّي)؟ كان قليلا ما يذكر في الرواية الأصلية، بينما يظهر في الفيلم وهو يُقسِم بقوة وبلكنة سكان غلاسكو من اسكتلندا بأنه سينتقم، ثم يضرب العديد من أشباه البشر ويناطحهم.
في هذه الأثناء، ينضمّ إلى «غاندولف الرمادي» (يمثله إيان ماكّلين) أصحابه من السحرة في قتال على طريقة فنون الدفاع عن النفس اليابانية والصينية مع مجموعة من فرسان الأشباح المضطربين.
حتى نائب رئيس بلدة البحيرة (يمثله ريان كيج) يُعطى تقريباً نفس وقت الظهور على الشاشة مثله مثل هوبيت نفسه، بيبلو باغينز (ويمثله مارتن فريمان). يمكنك أن تقول ما تشاء عن جاكسون، لكنه بالتأكيد يقدم لمشاهديه ما يستحقونه لقاء ما دفعوه.
يعد فيلم «معركة الجيوش الخمسة» بدون شك إنجاز تقني جبار، حيث ترى شيئاً إعجازياً في كل زاوية من شاشة العرض. الصور المنشأة بالحاسوب هي أفضل بشكل لا حدود له مقارنة بتلك التي ظهرت في ثلاثية «سيد الخواتم».
وفي تاريخ السينما، لم يكن أي تنين بهذا الشكل المذهل بحجم وقوة التنين سموغ (بصوت الفنان بينيديكت كمبرباتش). ليست الوحوش هي فقط المذهلة، ولكن أيضاً كل تلك العناية والاهتمام التي أعطيت لأدق التفاصيل الخاصة بدروع الشخصيات والأسلحة وتصافيف الشعر. لم تهتم أعمال سينمائية كثيرة مثلاً بالنقش على طرفي شارب أحد الأقزام.
مع ذلك، إن كان اهتمامك ينصبّ على زينة شارب وسط لقطة تدور فيها معركة حياة أو موت على أوجها، فذلك يدل على أن الفيلم الذي تشاهده ليس آسراً.
الإرهاق من المعارك
نعم إن الفيلم قد نجح من عدة أوجه، إلا أن تلك علامة على أن الفيلم لا يجعلك تصدق أو تتعاطف مع شخصياته الظاهرة على الشاشة. ذلك بالضبط ما أحسست به تجاه «معركة الجيوش الخمسة».
إن كنت تحب مشاهد تم صنعها من خلال أجهزة الكمبيوتر لمقاتلين يهاجمون بعضهم بعضا، فلن تشكو من أي شيء. أما إذا لم تكن من محبّي هذه اللقطات، فإن القتال المتواصل سيذهلك بعد قرابة ساعة أو نحو ذلك. ولكن عندما ترى لقطة تظهر فصل رأس أحد أشباه البشر في الفيلم، فإنك ستكتفي بذلك القدر.
إن فيلم «معركة الجيوش الخمسة» هو في الأساس معركة واحدة طويلة، كما يدل على ذلك عنوانه. إذ يواصل جاكسون ارتحاله بين مواقع مختلفة حيث تنشغل الشخصيات المتنوعة بتلويح سيوفها المصممة بدقة.
غير أن جميع هذه المناوشات ليست إلا أوجهاً مختلفة لنفس الموضوع؛ أي أنها جميعاً اشتباكات يدوية بين الأخيار والأشرار. ليس هناك تطور في السرد القصصي لكي يعطي الفيلم زخماً، ولا أي التباس أخلاقي لكي نشغل أذهاننا به، وليست هناك أسئلة تدور حول حصيلة قطع كل تلك الرؤوس.
وكما في باقي أفلام «الأرض الوسطى»، الجمال يعني الفضيلة، والقبح يعني الشر. ومثلما يبدو الأنذال مخيفين، فمن السهل جداً قتلهم. في أحد المشاهد، يقذف بيلبو ثلاثة أحجار، واحدا تلو الأخر، وفي كل مرة يصيب أحد العمالقة من أشباه البشر بين عينيه ليخرّ صريعاً.
أشرك جاكسون العديد من أمثال أيرول فلين من ذوي الآذان المدببة واستخدم تجهيزات معمارية رائعة في الفيلم. ومع ذلك، يظل هناك في الفيلم نفس المنوال من سير الأحداث الذي نجده في الصفحات الـ 65 الأخيرة من رواية تولكين.
وهذه وسيلة أخرى لنقول إن الفيلم لا يحوي أبداً الكثير من الأحداث. وبالتالي فإن قرار تجزئة الرواية إلى ثلاثة أفلام طويلة يبدو أمرا ذا إشكالية هنا أكثر من أي وقت مضى. إذ يفتقد فيلم «معركة الجيوش الخمسة» إلى أية قصة تروى فيه، ليعطي إحساساً بما يمثله بالفعل الجزء الثالث من أي فيلم، بدل أن يكون فيلماً بحد ذاته.
هناك القليل جداً من التطورات في شخصيات الفيلم لأن جاكسون وفريقه يفترضون أننا نعرف مسبقاً جميع الشخصيات. كما يوجد إدراك بسيط بأننا وصلنا إلى نهاية رحلة ملحمية، فما لم تعاود مشاهدة أفلام هوبيت مؤخراً على الأقراص المدمجة، لن يكون باستطاعتك أن تتذكر ما شملته تلك الرحلة.
لماذا إذاً لم يعمد جاكسون إلى عمل فيلم واحد مقنِع من أفلام ذا هوبيت، كما كان قراره في البداية؟ السبب، حسب قوله، أنه أراد من جميع أفلام «الأرض الوسطى» أن يكون لها تأثير مشترك، لتشكل ملحمة واحدة مترامية الأطراف.
فقد نُشرت رواية تولكين «ذا هوبيت» قبل رواية «سيد الخواتم» بسبعة عشر عاماً، وكانت أقصر، ومفعمة بالحيوية، وتناسب الأطفال. لكن جاكسون كان متحمساً كي يجعل تعديله لرواية ذا هوبيت فيلماً يمثل مقدمة لثلاثيته «الخواتم». لذلك تأكد من احتوائه على نبرة خطيرة، ووزناً مهيباً، إضافة إلى إدخال العديد من شخصياته الرئيسية وصراعاتها.
وبالنظر إليه من هذه الزاوية، فإن «معركة الجيوش الخمسة» هو عمل سينمائي موفق لأنه يقف كجسر مزخرف ما بين كل من «ذا هوبيت» و«سيد الخواتم». أما كفيلم قائم بذاته، فإنه ليس مقنِعاً جداً. وبالنسبة لكونه معدلا سينمائياً من رواية تولكين الفاتنة، فإنه ليس إلا صورة زائفة عن الرواية.