ـ محمد جابر
بعد سنوات من ضعف الإنتاج السينمائي للسينما المصرية، عادت الصناعة تتحرّك من جديد في العامين الماضيين. والميزة الأساسية التي تمنحها زيادة الإنتاج، وعدد الأفلام السنوية، هي وجود تجارب وأفكار ورؤى فنية طازجة نتيجة لحصول مخرجين جدد على فرصة لأعمالهم، من بين هؤلاء المخرج روماني سعد، الذي أتى من خلفية تسجيلية ناجحة إلى حد ما، ليقدم أول فيلم روائي له “ممنوع الاقتراب أو التصوير”، ولكن، مع الأسف، لم يستفد من الفرصة، لا على المستوى الفني ولا المستوى التجاري، ليستمر عجز هذا الحراك في مصر، عن تقديم شيء مختلف وجديد بشكل حقيقي.
سعد يتحرَّكُ بفكرةٍ طازجة ومُبشّرة، وتحمل الكثير من الكوميديا السوداء، إذ يدور فيلمه عن أسرة أرستقراطية تكسب قضية نزاع على ملكية إحدى الفلل الكبرى في حلوان، والتي يتواجد داخلها “قسم شرطة حلوان”. ومع عودة الأسرة للمكان، ورفض الشرطة إخلاءه، يتحول الأمر لشراكة بينهما في الملكية، وسط محاولات كل طرف لطرد الطرف الآخر.
تلك البداية كان يمكنها أن تحمل فيضاً من الأفكار الجديدة والمبتكرة، خصوصاً مع تحرُّكها بعيداً عن الواقع بدرجة أو درجتين، وبالتالي يمكن الذهاب بعيداً في بعض المناطق الكوميدية أو الفكرية أو حتى الفانتازية التي يحتملُهَا الفيلم، كأن تمتد الشراكة إلى دخول الأسرة في إدارة السجن مثلاً، أو تناول أكثر عمقاً لفكرة العلاقة بين المدني وغير المدني في الوقت الحالي. وحتى على أبسط مستوى تعامل كوميدي ذكي يعملُ على التفاعل بين بعض القضايا أو الشكاوى من مواطنين يأتون إلى القسم، ويتفاجأون بوجود مواطنين آخرين يعيشون حياتهم اليومية هناك، ولكن أيّاً من هذا لم يحدث.
الفيلم لا يتجاوز أبداً حدود المفارقة التي تحدث في الدقائق العشر الأولى. السطح الكوميدي والبعد الأول من الفكرة التي يمكن تلخيصها في سطرين فقط. بعد ذلك، يلقي بتلك الفكرة وأبعادها المختلفة جانباً، ونشاهد عالمين منفصلين تقريباً، أحدهما عالم الأسرة التي تقودها سيدة متسلطة ذات شخصية قوية، مع الدخول في تفاصيل لها علاقة بطبيعة علاقاتهم داخل هذا الإطار الأسري. أما الجانب الآخر فهو ضباط الشرطة، ومحاولة استخدام بعض الممثلين الكوميديانات (كبيومي فؤاد الذي لا زال العنصر الدائم في أي فيلم كوميدي مصري خلال الوقت الحالي) من أجل تمرير صورة “ضابط الشرطة القاسي خفيف الدم”.
وبين هذين العالمين لا توجد صلة وتداخل إلا في مشاهد مراقبة من بعيد من جانب الأسرة لبعض مظالم المواطنين الذين يأتون إلى القسم، ويحدث ذلك بصورة تقريرية غير متفاعلة، أو في جانب كاريكاتيري مزعج في تطور العلاقة من الرفض إلى القبول بين الأسرة والقسم.
ولكن مع ذلك، فإن أكثر ما يعيب الفيلم ليس فقط في الفرصة المهدورة أو ضعف الجانب الكوميدي واعتماده على اجتهادات بعض الممثلين أو في انفصال عالمي الفيلم إلى حد بعيد، ولكن الأهم من كل هذا، هو شعورك أنك تشاهد “اسكتشات” منفصلة ومحددة وشخصيات مكررة جداً دون أي مجهود يذكر من المخرج أو الممثلين لمنحها أي قدر من المصداقية. لا توجد حكاية أو قصة تسيطر على اهتمامك أثناء متابعة الفيلم، ولكن تنقلات بدون رابط أو تأثير ويمكن حذف فصول كاملة دون الشعور بمشكلة، كما أن طبيعة الأحداث والمشاكل والتفاصيل والحوارات نفسها تحمل شيئاً تلفزيونياً رتيباً جداً.