افتتاحه لمهرجان أبوظبي السينمائي منطقي ومستحق
“من ألف إلى باء“.. فيلم ميزاته واضحة مثل عيوبه
“سينماتوغراف” ـ أبوظبي: أحمد شوقي
افتتحت بالأمس فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي، بعرض الفيلم الإماراتي “من ألف إلى باء” للمخرج على مصطفى، وهي المرة الأولى التي يفتتح فيها المهرجان بعرض فيلم إماراتي (يشارك في إنتاجه محمد حفظي من مصر وبول بابوجيان من لبنان).
من الواضح تماما أسباب اختيار الفيلم في هذه اللحظة لافتتاح المهرجان، بداية من معادلة إنتاجه التي تضم عدة جهات فاعلة في الوطن العربي، مرورا بحسه الجماهيري الكوميدي المناسب لحفل افتتاح لا يحضره بالضرورة غالبية من السينيفيل، وصولا ـ وهو الأهم ـ لقيمة الخطوة عند هذه اللحظة، بما تثبته من تمكن المهرجانات السينمائية الخليجية من تحريك للمياة الراكدة، وخلق صناعة سينمائية في دول كان البعض يسخر قبل أعوام معدودة من أنها تنظم مهرجانات سينما في بلاد لا تعرف السينما، ليتطور الوضع في زمن قياسي فيمتلك مهرجان أبو ظبي 53 فيلما خليجيا قصيرا يعرضها هذا العام، من ضمنها 37 فيلما لمخرجات نساء.
اختيار الفيلم للافتتاح إذن لا غبار عليه، بل يمكن اعتباره منطقيا ومتوقعا ومستحقا، فاختيار أفلام الافتتاح أمر له حسابات كثيرة ليست فقط فنية، وفيلم “من ألف إلى باء” يبدو صالحا لكل هذه الحسابات. وإذا كانت أسباب الاختيار واضحة، فإن أسباب الإعجاب وعدم الإعجاب بالفيلم أيضا واضحة، فهذا فيلم لا تحتاج لتفكير طويل كي تتمكن من تحديد ما أعجبك ومالم يعجبك فيه.
أول ميزات الفيلم هي طموح التجربة وطزاجة بعض عناصرها، فإذا كانت أفلام الطريق تيمة قليلة التواجد في السينما العربية، فإن صناعة فيلم طريق أبطاله ثلاثة أصدقاء: سوري ومصري وسعودي، هي بالأساس فكرة ذكية تعد بالكثير من المفارقات القائمة على اختلاف الثقافات، فحتى وإن كان الأصدقاء الثلاثة قد نشأوا في دولة الإمارات بما يعنيه هذا من امتلاكهم لثقافة متقاربة، فإن خوضهم الرحلة عبر السعودية والأردن وسوريا ولبنان، هو أيضا صراع يقوم جزء كبير منه على اختلاف الثقافات، لتأتي أفضل لحظات الفيلم عندما تتولد الدراما من هذا الخلاف.
بل دعنا نقفز لأول عيوب الفيلم، ونقول أنها الأجزاء التي يمكن وصفها بالحياد أو العالمية، بمعنى إمكانية وقوعها في أي فيلم طريق تدور أحداثه بأي مكان في العالم، هي أضعف لحظات الفيلم وأكثرها اتباعا للكليشيه، بينما يأتي على النقيض مثلا التتابع الذي يدور في السعودية، بما يحمله من مفارقة بين نشأة الأبطال وتصرفاتهم المتحررة، وبين البلد المحافظ الذي يدخلونه، فالأحداث هنا ـ والكوميديا أيضا ـ أصيلة مرتبطة بزمان الشخصيات ومكانها وتكوينها النفسي، بينما تفتقد لهذه الأصالة في تتابعات أخرى مثل الجزء الخاص بالأردن والشد والجذب مع الفتاتين اللتين قابلهما الأبطال.
عيب آخر في البناء الدرامي هي القفزة الكبيرة في علاقة الشخصيات ببعضها في نهاية الفصل الأول، فالمشاجرة في السعودية تبدأ بشكل مفاجئ جدا، بعد رحلة كانت حتى هذه اللحظة شبه مثالية، لتقرر إحدى الشخصيات فجأة أن تقلب الطاولة وتصرح برأيها، دون أن يكون هناك سبب فعلي لهذا التصعيد (وتأثير الخمر هنا ليس سببا كافيا وإلا كانوا قد شربوا الخمر في بيتهم بالإمارات)، وهي قفزة غير متماشية مع إيقاع باقي الفيلم ولا منطقه الدرامي.
أما آخر المميزات وأهمها في رأيي، فهو تمكن مخرج الفيلم على مصطفى من تحقيق أهدافه، هذا فيلم لا يدعي إطلاقا ما ليس فيه، بل يؤكد كل ما فيه على أن هدف مخرجه كان صناعة عمل جيد الصنع وممتع، وكلاهما هدف تحقق على شريط الفيلم، فالجودة واضحة، حتى اللقطات الجمالية ذات الطابع السياحي هي في الحقيقة لقطات متماشية مع طبيعة الفيلم ومع نظرة الشخصيات التي تخوض العالم الحقيقي لأول مرة. والإمتاع موجود في عمل مسل ومضحك، بل وأعتقد أنه صالح للتوزيع في قاعات العرض المصرية أيضا.
في النهاية “من ألف إلى باء” تجربة سينمائية جادة، لديها الكثير من نقاط القوة وبعض نقاط الضعف، لكنه يبقى فيلما يستحق المشاهدة، والتواجد في افتتاح مهرجان أبو ظبي كذلك.