«سينماتوغراف» ـ صلاح سرميني
عند الحديث عن السينما، أو الإشارة إليها، يستخدم البعض من الباحثين، وخاصةً أطروحات الماجستير، والدكتوراه، مفردة Cinématographe، وبعد تكرار هذا الاستخدام الخاطئ، ومن خلال الملاحظة، والمتابعة، تبين لي، بأنّ معظم هؤلاء لا يتقنون جيداً اللغات الأساسية: الإنكليزية، أو الفرنسية، ومن أجل كتابة أبحاثهم، يعتمدون على كتبٍ مترجمة إلى العربية، ومعظم المترجمين لا تربطهم علاقة عملٍ فعلية مع السينما، وفي حالاتٍ أخرى، يلجأ كتاب هذه الأبحاث إلى مترجمين محترفين، ولكن لا علاقة لهم بالسينما، ولا يمتلكون أيّ فكرة عن المفردات، والمصطلحات المتخصصة التي يترجمونها، ويضطرون إلى تقديم ترجماتٍ حرفية مدفوعة الأجر، والمترجم الحرفيّ لا يهمّه دقة الكلمة، أو المصطلح، ولا يعنيه الفرق ما بين السينماتوغراف/السينماتوغرافي، والسينما/السينمائي، ولا يهمّه في أيّ مكان يتوّجب عليه استخدام هذه الكلمة، أو تلك، وهكذا يتبنى هذه الترجمات بدون امتلاك القدرة اللغوية للتحقق من صحتها، وأصولها، ومعناها الحقيقي، ويتداولها متفاخراً بها، والأخطر، ينقلها إلى طلبة آخرين، بدورهم لا يتقنون أيّ لغة، وهكذا تنتقل المعارف، والمعلومات الخاطئة من جيلٍ إلى آخر.
ينحدر أصل كلمة Cinématographe من اللغة اليونانية القديمة:
κίνημα / kínēma تعني حركة.
γράφειν / gráphein تعني يكتب.
إذاً، الترجمة الحرفية للكلمة هي: الكتابة بالحركة.
السينما في اللغة العربية مؤنث، بينما السينماتوغراف في اللغة الفرنسية مذكر، ولكن، ما هو الأهم أن الكلمة تشير إلى اسم الآلة التي اخترعها “الأخوين لوميير” والمسجلة رسمياً عام 1895، وهي بالأن ذاته كاميرا تصوير، وجهاز عرض.
في تلك السنة لم توجد السينما بعد بمفهومها الجماهيري كوسيلة ترفيه، أو مكاناً للعرض، والفرجة، ولم تكن أكثر من اكتشافٍ علميّ جديد، ومجهول المستقبل، وكانت الأشرطة الأولى تُعرض في المقاهي، والملاهي، ولم تتحول السينما إلى وسيطٍ فني إلاَ بعد سنوات.
وفي اللغة الفرنسية نقول (Le médium cinématographique)، وتعني الأداة، أو النظام الذي يجمع بين التصوير، والعرض، أو عموم المراحل التي يحتاجها الفيلم من البداية حتى وصوله إلى الجمهور.
حالياً، هل نختلف من أجل تحديد أيّ التسميات هي الأكثر دقة، كما فعلنا مع التسجيلي، والوثائقي، ومن ثمّ يتبين لاحقاً بأنها اختلافات في الترجمة.
المشكلة ليست في الاستخدام الصحيح، أو الخاطئ لكلمة هنا، ومصطلح هناك، ولكن الإشكالية التي يتوّجب الانتباه إليها، والحذر منها هي البحوث السينمائية نفسها، حيث أن معظم من يكتبها لا يمتلك لغة أجنبية أساسية تمكنه من قراءة المصادر بلغتها الأصلية، ويعتمد على ما هو متوفر في المكتبة العربية السينمائية، وهي قليلة أصلاً، وقديمة جداً، ولهذا نجد بأن معظم من كتب بحثوهم الجامعية، توقفت معلوماتهم عند موضوعات بحوثهم.
في قراءاتي باللغة الفرنسية، وماعدا النصوص التاريخية، لم تصادفني كلمة Cinématographe كثيراً، ولكنني هذه الأيام تذكرتها بسبب قراءتي كتاب (السينما التجريبية، تاريخ، وآفاق) للباحث الفرنسي “جان ميتري” الذي صدر عام 1976، وذلك من أجل مراجعة ترجمته العربية التي صدرت في كتاب بنفس العنوان بترجمة السوري “عبد الله عويشق”، ومن المثير للانتباه، أنه وبعد حوالي 30 صفحة من الكتاب لم أعثر على كلمة “سينماتوغراف” إلاّ مرتين للإشارة إلى الاختراع نفسه.
وإذا بحثنا أكثر في المصادر التاريخية لبدايات السينما، سوف ندرك الخطأ الذي يرتكبه البعض في استخدام “السينماتوغراف” بدلاً من “السينما”، حيث أن هؤلاء، ومعظم المهتمين بالشأن السينمائي، ينسون عادةً “توماس أديسون” مخترع الـ kinétographe، وبفضله، يُقال بأنه خلال السنوات من 1891 وحتى 1895 أنجز حوالي 70 فيلماً قصيراً، صورها له “ويليام كينيدي لوري ديسكون”، وكانت تُعرض عن طريق جهاز يُسمّى kinétoscope ، بينما كان “السينماتوغراف” جهاز تصوير، وعرض بالآن ذاته.
إذاً، من المفترض أن يستخدم كتّاب الأبحاث كلمة “الكينيتوغراف” بدلاً من “السينماتوغراف”، ويقولون “تاريخ الكينيتوغراف” بدلاً من “تاريخ السينماتوغراف”، والوسيط الكينيتوغرافي” بدلاً من “الوسيط السينماتوغرافي”، وتندراً، يمكن القول بأن لفظ، وإيقاع كلمة “الكينيتوغراف” أكثر جاذبية، وتجعلنا نعتقد بأن من يقولها، أو يستخدمها أكثر “ثقافة كينيتوغرافية”.