القاهرة ـ «سينماتوغراف»
يتشابه ما حدث مع فيلم «ريش» هذا العام، ما تعرضت له بعض الأفلام على مر تاريخ السينما المصرية الأعرق في أفريقيا والمنطقة العربية، بعد أن قدم أول عرض سينمائي بها في يناير عام 1896 وبعد أيام من أول عرض سينمائي على مستوى العالم في ديسمبر 1895.
ونرصد في هذا التقرير أهم الأفلام التي لاقت هجوماً كبيراً من قبل سياسيين وإعلاميين، وأثارت حولها جدلاً واسعاً بعد أن وصفها البعض احتجاجا على ما رأوه من وجهة نظرهم إساءة وتشويه لمصر، ونستعرض ما حدث معها وكيف تشابهت أو اختلفت ردود النظام السياسي والإعلامي تجاهها وقتها.
جاءت قصص هجوم السياسيين الموالين للنظام الحاكم على الأفلام مبكراً، وبالتحديد عام 1938 حيث وشى سياسيون موالون للملك فاروق بفيلم «لاشين» عنده، وأفهموه بأنه هو المقصود بشخصية الحاكم الطاغية في الفيلم.
ويحكي الفيلم الذي أخرجه الألماني فريتز كرامب قصة حاكم غارق في ملذاته، ويترك الحكم لرئيس وزرائه الفاسد، بينما يحاول لاشين قائد الجيش تنبيه الحاكم إلى فساد رئيس الوزراء.
وينجح رئيس الوزراء في حياكة مؤامرة تؤلب الحاكم على لاشين وتدخله السجن، وهنا يثور الشعب على الحاكم ويخلعه من منصبه، وقد رأى كثير من النقاد في قصة الفيلم نبوءة لما حدث في 23 يوليو عام 1952.
وذكر الكاتب الصحفي عزت السعدني في كتابه «100 سنة سينما» أن هيئة الرقابة التابعة لوزارة الداخلية وقتها منعت عرض الفيلم لما رأته فيه من مساس للذات الملكية، واضطر صناع الفيلم لتغيير النهاية وينحاز فيها الحاكم لصوت الشعب الذي يعلن ولاءه له.
وفي عام 1968 جاء فيلم «شئ من الخوف» كأشهر الأعمال التي أثارت جدلاً واسعاً حول الإسقاط الذي أراده صناعه، من كاتب القصة ثروت أباظة والمخرج حسين كمال إلى كاتب السيناريو صبري عزت والحوار للشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي.
وبدأ السياسيون يتحدثون وقتها عن شخصية عتريس الذي يحكم إحدى القرى بالحديد والنار، ويستولي على خيراتها، وكيف أنها إسقاط على الرئيس جمال عبد الناصر.
لكن المختلف هنا هو أن وكيل وزارة الثقافة وقتها -والذي تولى الوزارة فيما بعد- عبد المنعم الصاوي هو الذي قدم تقريراً للوزير يؤكد فيه أن شخصية عتريس قصد بها عبد الناصر، وفؤادة التي تزوجها عنوة وهتفت القرية في ثورتها عليه بأن زواجه منها باطل تمثل مصر.
الناقد الفني رجاء النقاش أكد الرواية في كتابه «مذكرات نجيب محفوظ»، مضيفاً أن الجدل حول الفيلم جعل عبد الناصر يشاهد الفيلم بنفسه ويسمح بعرضه، معلقاً «لو كنا لصوصاً وكنت أنا عتريس فلا نستحق البقاء في الحكم».
وفي عام 1992، تعرض نور الشريف لهجوم شرس على فيلمه «ناجي العلي»، واتهمه إبراهيم سعدة رئيس تحرير أخبار اليوم وقتها- بالخيانة للعبه دور رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذي كان ينتقد مصر، وقد وجهت بعض الصحف لنور الشريف تهمة بحصوله على 3 ملايين دولار من منظمة التحرير الفلسطينية، رغم أن رئيس المنظمة ياسر عرفات قد حضر للقاهرة خصيصاً ليطلب من الرئيس الأسبق حسنى مبارك منع عرض الفيلم لكن مبارك لم يلب طلبه، حسبما ذكر الشريف نفسه في حوار تلفزيوني مع الإعلامي عمرو الليثي.
وعرض فيلم ناجي العلي الذي أخرجه عاطف الطيب وكتب السيناريو له بشير الديك -طالتهم تهم الخيانة بدورهم- في مهرجان القاهرة السينمائي عام 1992، لكنه منع من العرض في المهرجان القومي للسينما الذي تشرف عليه وزارة الثقافة ورفع من دور العرض.
وفي منحى أكثر مأساوية، اتخذ الهجوم على فيلم «زائر الفجر» ومنعه من العرض عام 1973، دخول مخرجه الشاب ممدوح شكري في حالة من الاكتئاب الحاد، تطورت إلى مرض غامض أودي بحياته.
وحاولت منتجة الفيلم وبطلته ماجدة الخطيب مقابلة الرئيس أنور السادات لشرح فكرة الفيلم، وأنه لا يقدم إسقاطا على الواقع كما كتبت بعض الأقلام ذلك، إلا أن طلبها قوبل بالرفض.
برر النقاد ذلك الرفض بأن الفيلم صريح في انتقاده للنظام، وجاءت بالحوار جمل لا تخطئها عين مثل «البلد ريحتها فاحت» و«حاميها حراميها»، ومن اسم الفيلم «زائر الفجر» يتضح أنه يتحدث عن الاعتقالات التعسفية التي سادت خلال الفترة التي يتحدث عنها الفيلم (عام 1970).
«مش معقول» جملة صرخ بها فهمي الكاشف رمز رجال الأعمال الفاسدين في فيلم «الغول» (فريد شوقي) بعد أن ضربه الصحفي عادل (عادل إمام) بساطور في رأسه فأرداه قتيلاً لتحقيق العدالة من وجهة نظره.
وربطت بعض الأقلام والمتابعين للشأن العام بين تلك النهاية ومشهد اغتيال الرئيس أنور السادات، حيث نطق الرئيس الراحل بنفس الكلمة «مش معقول» وهو يتلقى الرصاصات في كتفه وصدره.
سارعت الرقابة على المصنفات الفنية بمنع الفيلم من العرض بناء على تقرير للجنة شكلتها توصلت إلى أن الفيلم تظاهرة سياسية تعادي نظام الحكم والمؤسسات القضائية، وتشجع على الثورة الدموية ضد أصحاب رؤوس الأموال.
لدرجة أن مؤلف الفيلم وحيد حامد صرح خلال لقاء تلفزيوني أن صدامه الأكبر مع الرقابة كان في فيلم الغول بسبب الحديث عن دعوة الفيلم لقيام ثورة بالبلد.
لكن النقاد الفنيين رأوا في تقرير الرقابة أنها شطحت بخيالها لترى إسقاطات بعيدة تماما عما قصده صناع الفيلم، حتى تدخل وزير الثقافة ومنح الفيلم الموافقة وعودته لدور العرض.
ويحكي الفيلم قصة رجل أعمال يستغل نفوذه وأمواله لإنقاذ ابنه الذي قتل أحد الموسيقيين البسطاء دعسا بسيارته، ونجح بالفعل في تبرئته؛ الأمر الذي جعل بطل الفيلم يكفر بعدالة القضاء ويقرر تنفيذ العدالة بنفسه وقتل الفاسد.
كما أن هناك عدة أفلام أثارت جدلاً داخل المجتمع، منها فيلم «خيانة شرعية» عام 2006 للمخرج خالد يوسف، حيث أجبر الهجوم على الفيلم من كتاب ومشايخ -وأنه لا توجد خيانة شرعية- المخرج على تغيير اسم الفيلم إلى «خيانة مشروعة».
وتكرر الأمر كذلك مع فيلم «بحب السيما» الذي يحكي قصة رجل مسيحي متزمت، وهاجمت الفيلم لجنة المصنفات الكنسية التابعة للجنة التعليم والإيمان والتشريع بالمجمع المقدس لبطريركية الأقباط الأرثوذكس عام 2004، ولكن فاروق حسني وزير الثقافة وقتها سمح بعرض الفيلم.