«سينماتوغراف» ـ مها عبد العظيم
يترأس المخرج الأسترالي المخضرم وأب سلسلة أفلام «ماد ماكس» جورج ميلر لجنة تحكيم الدورة 69 لمهرجان كان، ويثير الجدل بتناقض أسلوبه السينمائي المتأرجح بين أفلام شديدة «الإثارة» وأخرى مدافعة عن الطبيعة فاتخذت شكل الرسوم المتحركة! فمن هو جورج ميلر؟
اختير السينمائي جورج ميلر لترأس لجنة تحكيم مهرجان كان 2016، ليصبح أول أسترالي يحظى بهذا الشرف. ويلي ميلر في هذه المهمة الأخوين الأمريكيين جويل وإيثان كوين.
وقليلا ما أثار رئيس لجنة التحكيم الجدل. فبعد تيم بورتون عام 2008 وشون بان عام 2010، ها هو ميلر يثير النقاش بدوره، فهو من طينة المخرجين غير «الكلاسيكيين» والذين لا إجماع بشأنهم بل أقسام من مناهضين ومحبين وفضوليين. على أي حال، كان قرار اختياره مفاجأة أطلقت ديناميكية الضجة المعتادة، والتي تختلف وجوهها في كل عام، في صفوف متابعي هذا الحدث الثقافي الدولي.
وقد اشتهر المخرج والمنتج ومؤلف السيناريوهات جورج ميلر بسلسلة أفلام التشويق «ماد ماكس» التي فتحت أبواب الشهرة للمثل ميل غيبسون.
وكان ميلر قد عرض السلسلة الأخيرة من فيلمه الأسطورة «ماد ماكس» العام الماضي خارج إطار المسابقة الرسمية للمهرجان العريق. فضمن «الحصص الخاصة»، ظهر «ماد ماكس. فيوري رود» في صياغة جديدة عوض فيها الممثل الكبير ميل غيبسون الذي اقترن اسمه بشخصية السائق الجنوني، بالممثل البريطاني توم هاردي. وأثار ميلر التساؤل حول مصير الإنسانية في حال تدمير الأرض.
وعبر عالم حربي عنيف، برزت المرأة أيضا في أدوار نسوية، فتدور معارك بين النساء على متن دراجات نارية وتضاهي بطولة شارليز ثيرون، صلعاء الرأس في دور «أمازون» مستقبلية، أداء توم هاردي. فتخدع «سيد الحرب» وتهرب مع نسائه اللاتي كان يستعملهن كآلات للإنجاب لتؤمن استمرار سلالته الملكية. ورغم أن «سيد الحرب» صنع بنوك دم وحليب وأسس تقنيات زراعة خارج التراب، فإن النساء يحتفظن بالبذرات لإعادة الحياة على الأرض.
وفي النسخة 69 من مهرجان كان التي ستعقد فعالياتها من11 حتى 22 أيار/ مايو، سيختار ميلر مع الأعضاء الآخرين في لجنة التحكيم الفائزين بجوائز السعفة الذهبية.
وصرح ميلر البالغ من العمر 70 عاما في بيان «إنه لمن دواعي فرحي أن أكون في صلب هذا المهرجان العريق الذي يكشف النقاب عن تحف السينما العالمية وأن أتناقش لساعات مع زملائي في لجنة التحكيم. هذا شرف كبير لي ولن أفوت علي هذه الفرصة مهما حصل ! ».
وأطلق ميلر الجزء الأول من سلسلة «ماد ماكس» سنة 1979 ولقي نجاحا عالميا. وتلاه جزء ثان سنة 1981 ثم ثالث سنة 1985. وكان «فوري رود» الجزء الأخير منها وفاز في شباط/فبراير 2016 بستة جوائز «أوسكار»، أبرزها الديكور والماكياج والصوت.
وأخرج ميلر في جملة أعماله الفيلم الدرامي «لورنزوز أويل» (1992)، وهي قصة حقيقية لكفاح والدين من أجل إنقاذ ابنهما من مرض أعصاب. ويعرف ميلر بشح تصريحاته للصحافة، فبات لغزا للعديد ويحير الجمهور لأن الرجل ذي جاكيت الجلد “الروك” الذي صنع شخصية السائق العنيف يبدو على نقيض ذلك الذي أخرج أيضا الخرافة الغريبة «بايب، خنزير في المدينة» و«هابي فيت» فيلم الرسوم الذي حاز «أوسكار» أحسن فيلم تحريك سنة 2007 وصدر جزء ثان منه سنة 2011 تحت عنوان «هابي فيت 2».
فالخنزير «بايب» يفقد براءته عند الاحتكاك بحيوانات متطورة أكثر منه، وتدافع الرواية عن الطبيعة والعزلة، أما «هابي فيت» فهي قصة طيور بطريق راقصة.
لكن يبدو أن هذه التناقضات الظاهرية تعكس فلسفة للفن والحياة إذ يقول جورج ميلر: «أظن أن صنع السينما أمر مغر جدا، إذ يوظف كل المهارات الإنسانية التي يمكن تصورها: التلحين، الفن، التكنولوجيا، الموسيقى، الحركة والكوريغرافيا… بل يوظف الحياة بأكملها. نحن رهن أفكار الساعة ونعيش في عالم فوضوي. تصلنا كميات كبيرة من المعلومات ونسعى وسط ذلك إلى إيجاد صدى لخلق المعنى. والحكايات هي طريقة لاستخراج شيء ما من هذا السيل. وهو أمر مغر جدا… ».
وربما يكشف مهرجان 2016، خصوصا عبر الجوائز النهائية، عن وجه إضافي من وجوه شخصية ميلر المتقلب، الخشن- الحنون.