فرنسا ـ «سينماتوغراف»: مها عبد العظيم
عادة ما يترقب العالم مهرجان كان ليتابع أخبار المشاهير ومستجدات الساحة السينمائية وأجواء الكروازيت، لكن في كل عام تقريبا يمتزج الربيع الفرنسي بمرارة في العالم العربي الغائب عن المهرجان رغم سينمائييه الكبار ومثقفيه ومحبي الفن السابع..
تمر السنوات والعالم العربي شبه غائب حتى لا نقول غائبا تماما عن أشهر مهرجانات السينما العالمية الذي يعقد كل عام في مدينة كان جنوب فرنسا. وفيه يلتقي عمالقة الفن السابع والوجوه الشابة الصاعدة والواعدة في الميدان، وتختلط فيه جدالات النقاد بأسرار الفنانين، وهناك توزع أوراق اللعبة قواعد السوق. وإن وقع الاختيار أحيانا على أفلام عربية، تعرض عادة خارج المسابقة الرسمية وتبقى عموما محرومة من الجوائز.
لن ينسى محبو السينما بصفة عامة وخصوصا العرب منهم فيلم «المصير» (جائزة لجنة التحكيم) للمخرج المصري الشهير يوسف شاهين والسعفة الذهبية التي نالها عام 1997، في النسخة الخمسين من المهرجان، عن مسيرته المهنية. «أربعون سنة وأنا أنتظر هذه اللحظة» جملة قالها شاهين بعد أن أعلنت الممثلة إيزابيل أدجاني عن الجائزة أمام قاعة وقفت تصفق طويلا لأسطورة السينما العربية.
وباستثناء تلك اللحظة التاريخية، بالكاد لم يفرح العرب في هذا العرس السينمائي سوى في بعض المناسبات القليلة. إذ وجب العودة إلى عام 1975، أي إلى فترة «غابرة» لم يعرفها الجيل الجديد، حتى نكتشف أول سعفة ذهبية أسندت لهذا الجزء المنسي من العالم لتكافئ «وقائع سنوات الجمر»، رائعة الجزائري الأخضر حامينة. وفي القرن الواحد والعشرين فاز فيلم «يد إلهية» للفلسطيني إيليا سليمان (عام 2002) بجائزة لجنة التحكيم. ويمكننا ربما أن نختم هذه القائمة بالسعفة الذهبية التي هزت كان عام 2013 والتي كانت من نصيب الفرنسي التونسي عبد اللطيف كشيش تكريما لفيلمه «حياة أديل» وأهداها المخرج «للشباب الفرنسي» و«أيضا للشباب التونسي» من أجل طموحه إلى العيش بحرية والتعبير بحرية والحب بحرية”.
ها نحن بهذا المثال الأخير على مشارف قضايا الهوية الشائكة والتي تضر بالفن أكثر مما تخدمه. فلن ندخل في غابات الضلال والتحاليل التقريبية ولن نحاول الإجابة عن السؤال «ما هو الفيلم العربي؟» حتى لا نعمق سؤالا ونغرق مسألة تشكو العديد من التعقيدات.
لكن الأمر المحزن المضحك هو أن البحث عن حضور السينما العربية في كان، وبسبب غيابها، عادة ما يقتصر على نبش عبثي في هامش الهوامش، عله اختير فيلم في إحدى أقسام المسابقات الموازية والبديلة، وفي جذور الجذور عن مخرج «يقال إنه ولد في المغرب أو الجزائر» وعن آخر من «أصول عربية» (وإن كان لم يطأ يوما بلاد أجداده)..
فلا مفاجأة إذا سمعت أحد النقاد العرب أو أحد محبي السينما يدافع كلما أمكن عن ما تبقى من كبرياء لحفظ ماء الوجه «طبعا فيه عرب في كان.. فيه سلمى حايك». وتتقمص سلمى حايك دورا في فيلم «حكاية الحكايات» للإيطالي ماتيو غارون المشارك في المسابقة الرسمية لنسخة 2015 من المهرجان. لكن النجمة الهوليودية لم تزر لبنان سوى مرة واحدة وكان ذلك قبل أيام فقط ! وعلى الأرجح أن تكون زيارة دعائية أكثر من كونها عاطفية… ومن الفكاهات الأخرى أن يحيلك من سألته عن السينما العربية، على السينما التركية أو الإيرانية أو الأفريقية.
وأكدت مخرجة تونسية شابة فضلت التحفظ على هويتها «طالما لا توجد لوبيات لتندد بهذه الفضيحة وتجلب النظر حول غياب السينما العربية عن هذا المهرجان، سيستمر الكل في اللامبالاة».
وإلى ذلك فإن أبرز الأفلام العربية الحاضرة في كان في هذه النسخة 68، اختيرت في أقسام على هامش المسابقة الرسمية. وأهمها «أحببن كثيرا» Much Loved للمغربي نبيل عيوش الذي يعرض في إطار «أسبوع المخرجين». ويتناول المخرج، حياة أربع عاهرات من مراكش في خطوة جديدة على مساره الذي تميز ببحث الهوامش الاجتماعية. ولم يلجأ عيوش إلى ممثلات محترفات بل منح الأدوار لبائعات الهوى الأربعة.
والفيلم الطويل الثاني المرتقب يعرض في إطار «أسبوع النقاد» وهو «ديغراديه» Dégradé من إخراج عرب وطرزان (التوأم الفلسطيني محمد وأحمد أبو ناصر).
و«ديغراديه» قصة نساء يضطررن لقضاء المساء في قاعة حلاقة بعد أن اندلعت معركة مسلحة في غزة بين حماس وعائلة من المافيا المحلية… سببها سرقة أسد من حديقة حيوانات غزة ! ويعد الفيلم بأن يكون معالجة للواقع المأسوي في غزة عبر كتابة تراجي-كوميدية، والفيلم من بطولة الممثلة الفلسطينية المعروفة هيام عباس.
ويشار إلى مشاركة ثلاثة مخرجين آخرين «من أصول عربية» ضمن الأفلام القصيرة في قسم «أسبوعي المخرجين» وهم رضا كاتب (وهو من عائلة الكاتب الجزائري الكبير كاتب ياسين) بفيلم «بتشون» والمغربية الفرنسية نورة الحورش بفيلم «بضعة ثواني» وفيصل بوفيلة وهو إنجليزي من أصل مغربي بفيلم «جربوني».
أما المسابقة الرسمية فلم تشمل سوى فيلمين قصيرين عربيين، الأول فيلم صور متحركة بعنوان «موج 98» للمخرج اللبناني إيلي داغر. ويروي قصة تيه وملل عمر في ضاحية بيروت وتتحول إلى مغامرة سريالية. أما الفيلم الثاني فيحمل عنوان «السلام عليك يا مريم» للفلسطيني باسل خليل (ولد وكبر في الناصرة من أب فلسطيني وأم إنجليزية) ويتطرق الفيلم إلى الاضطراب الذي يدخل حياة خمس راهبات بعد وصول عائلة مستوطنين إسرائيليين إلى ديرهن في صحراء الضفة الغربية.