«مَنْدُوب اللَّيْل» فَيَلُم سُعُودِيٌّ يَنْفَس عَنْ غَضَب الْمُهَمَّشِينَ

تمكن من جلب صوت لمن لا صوت لهم

«سينماتوغراف» ـ أسامة عسل

بعد سنوات قليلة من تألق السينما السعودية بفيلم «وجدة» و«المرشحة المثالية» للمخرجة هيفاء المنصور، شهدت المملكة العربية السعودية إصلاحًا كبيرًا مع افتتاح دور السينما، وتقديم المزيد من الدعم لصانعي الأفلام المحليين الذين يتوقون للتعبير عن أفكارهم التي ظلت خامدة لفترة طويلة.

فيلم «مندوب الليل» هو أحد أوائل الأفلام الروائية الطويلة التي جاءت نتيجة لهذه الحقبة الجديدة – بدأت عروضه حالياً عبر منصة «نتفليكس» بعد رحلته مع المهرجانات الدولية وصالات السينما.

ورغم عدم التوقع بتقديم شيء مميز مع أي سينما ناشئة، وخصوصاً من دولة اعتادت منذ فترة طويلة على استهلاك الأفلام بدلاً من صنعها، فإن الفيلم يعد مفاجأة لفكرته ومستواه وتصويره السينمائي، واستطاع مخرجة علي كلثمي، من خلق قصة لافته للانتباه مع شخصية مركزية رائعة ساحرة ومفجعة في نفس الوقت.

وفي رأيي أن الفيلم أكثر نجاحاً كدراسة شخصية وليس فيلم إثارة، فهو يستعير من أفلام مثل «نايت كرولر»، حيث يأخذنا داخل رحلة إلى الحياة الليلية في السعودية كما لم نشهدها من قبل، مع عالم التهريب الذي يعد نتيجة للأحلام المحطمة والضغوط الاقتصادية المروعة وظروف المعيشة الصعبة.

يركز الفيلم على المهمشين الذين يعيشون على الهامش على الرغم من بريق المملكة الذي لطالما تم تقديمه على الشاشة، خاصة في السنوات القليلة الماضية حيث التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الملحوظة في آن واحد.

من الأعلى، يمكنهم رؤية ناطحات السحاب ومراكز التسوق الفاخرة والفنادق الفخمة والمطاعم باهظة الثمن، لكن حياتهم لا تزال تتسم بالحرمان وفرص العمل غير المتناسبة والفرص الضعيفة للتمكن من تسلق السلم الاجتماعي.

هناك غضب خاص ينبعث من الفيلم، وهو غضب معبأ في شكل أسطورة مأساوية كوميدية سوداء، وبينما يركز على قصة مفردة، يتمكن من جلب صوت لمن لا صوت لهم. إنه أمر منعش بشكل خاص لأنه قادم من واحدة من أكثر الدول محافظة في العالم، سواء اجتماعياً أو سياسياً.

وعلى الرغم من أن الفيلم بعيد كل البعد عن التوجيه، لكنه لافت للنظر باعتباره أحد أوائل الأفلام السعودية الجديدة، التي تعتمد على دعم محلي.

فهد (محمد الدوخي) هو موظف في مركز اتصالات يضطر للعمل في وظيفة إضافية ليلاً لتغطية النفقات وكسب الرزق المناسب. وعلى الرغم من عمله لساعات إضافية، إلا أن ذلك لا يكفي لأن الفواتير الطبية لوالده المريض تشكل عبئاً مالياً إضافياً.

ومما يزيد الطين بلة، بعد وقوع حادث في العمل، يجبر على الاستقالة، ليجد نفسه متروكًا لوظيفته الأخرى في الليل، العمل كساعي تطبيق توصيل الطعام (مندوب). وهذا لن يكون كافياً بالتأكيد – وسرعان ما يدرك أنه يجب عليه اللجوء إلى طرق أكثر إبداعًا، وإن كانت غير قانونية، لتغطية النفقات.

عندها يجد فهد نفسه محاصراً في عالم التهريب. وبما أن المشروبات الكحولية لا تزال داخل السعودية محظورة، يلجأ المهربون إلى إنشاء مختبرات منزلية حيث يمكنهم خلط المكونات وإنشاء مشروبات مزيفة ذات مذاق ورائحة مثل المشروبات الحقيقية – ويبدو أن المشترين لا يمانعون لأن الخيارات لا تزال محدودة. وعندما يدخل فهد هذه المنطقة المجهولة بالصدفة، تأخذ حياته منعطفات غير متوقعة – مع عواقب وخيمة..

وفي واحدة من أكثر لحظات الفيلم محورية، يُطلب من فهد تسليم بضع زجاجات من الخمور في حفلة ليلية في مجمع سعودي فخم. عندما يدخل الحفلة، تُظهر لنا الكاميرا كيف يشعر بالإهمال. إنه في اللحظة ولكنه أيضًا بعيد عن أن يكون حاضرًا فيها، يشاهد المراهقين المحتفلين على حلبة الرقص وهم يشربون ويرقصون، ووجوههم متوهجة بالمكياج والعرق. لا يمكن أن يكون أكثر انفصالًا وخوفًا وبعيدًا عن المكان. بطريقة ما، لن يكون جزءًا من هذا العالم أبدًا، حتى لو كان في مركزه لبضع لحظات، يقدم متعة محرمة للضيوف المتلهفين.

يعاني فيلم «مندوب الليل» من بعض العيوب، حيث تبدو مشاهده التشويقية متوقعة بعض الشيء ولا تعطي تأثيرًا كبيرًا كما يجب أن تكون، لكنه ينبض بالحياة في النهاية بفضل الأداء الرائع لمحمد الدوخي، الذي يحمل العمل على كتفيه ويجلب الكثير من الضعف والشفقة إلى شخصية فهد التي نجح في ترجمة صراعها ومعاناتها، وكان بأدائه أكثر إقناعًا ومصداقية.

Exit mobile version