** عصام زكريا
بقدر ما خدمت ملامح نادية لطفي الجميلة نجوميتها ومسيرتها الفنية، بقدر ما حددت وحدت طبيعة هذه الملامح من مسيرتها وشكلت صورتها وأدوارها والتصورات الشائعة عنها لدى الجمهور.
أول ما يلفت الأنظار إلى نادية لطفي هو بنيانها العظمي القوي والعريض والجسم المستقيم المعتدل التضاريس، على عكس البنيان الضئيل، الهزيل العظام، المنحني للأمام بعض الشيء الذي نجده لدى فاتن حمامة وسعاد حسني ومنى زكي، مثلا.
ينتمي وجه نادية لطفي للبنيان العظمي الكبير والواضح نفسه: جبهة عريضة ناصعة ووجنتان بارزتان وفك قوي، كما أن ملامح هذا الوجه من عيون وأنف وشفاه كبيرة ومرسومة بوضوح أيضا.
ثاني ما يلفت الانتباه هو لون بشرتها الأبيض الأوروبي، وشعرها، عندما كانت تصبغه بالأصفر تبدو كشقراء من أوروبا الشرقية، وعندما تتركه على لونه الكستنائي المموج تبدو إسكندنافية الملامح وتذكرك إلى حد كبير بجولي كريستي في «الدكتور زيفاجو».
لكن وسط ذلك كله تصعد عينا نادية لطفي العسليتان المكحلتان، المزينتان بحاجبين عريضين مقوسين، كما لو كانت ملكة فرعونية قادمة من وراء القرون، ولكن حين تقترب الكاميرا من هاتين العينين، فإنها تنقل ضعفا وخجلا يصعب أن تعبر عنه أي عيون في العالم مثلما تعبر عنه العيون الشرقية، التي استطاعت أن تعبر عن انكسار وانتصار المرأة المصرية، ربما أكثر من أية عيون أخرى في السينما.
في رأيي، لم تستغل طاقات نادية لطفي كما تستحق، وكل تاريخها الفني يضم سبعين فيلما فقط على مدار حوالي ربع قرن من 1959 حتى 1986. ولم يكن هناك عدد كاف أو جيد بشكل كاف من الأفلام التي تستوعب امكانياتها التعبيرية، والتي يمكن أن نراها كأفضل ما يكون مع مخرجين مثل يوسف شاهين وكمال الشيخ وشادي عبد السلام… والثلاثة يجمع بينهم ثقافة ومزاج «أرستقراطي» إذا جاز التعبير.
مع شاهين أشرقت نادية لطفي مثل شمس شتوية ذهبية في «الناصر صلاح الدين» من خلال دور «لويزا» الأوروبية الطيبة التي تقع في غرام محارب عربي. ومع كمال الشيخ تألقت تحت اضاءة الأبيض والأسود التعبيرية المستلهمة من أسلوب الـ«فيلم نوار» التي تعتمد على التباين بين النور والظل، خاصة في فيلم «الخائنة». هنا يبدو جمالها كما لو كان مخلوقا لمثل هذه الإضاءة التعبيرية، ويتأكد ذلك من خلال أفلام أخرى تحمل الأسلوب نفسه مثل «المستحيل» لحسين كمال.
مع شادي عبد السلام الذي ظهرت معه في «المومياء» لدقائق معدودة تتوسط الفيلم، تخفي نادية لطفي جسدها ورأسها تحت عباءة سوداء وقرمزية، لا يبدو منها سوى عينيها ومقدمة وجهها: عينيها الغاويتين الهاربتين تترددان مثل صدى بصري لصورة قلادة عيني حورس الذهبية التي يسرقها شيوخ القبيلة من إحدى المومياوات بعد فصل رقبتها.
«زينة»، الفتاة الصعيدية التي يمتهنها قواد وتاجر آثار وضيع، هي أيضا كنز دنسته أيادي الرجال الأخساء مثلما دنست عيني حورس الذهبية.
من اللافت أن نادية لطفي لم تظهر مع شاهين والشيخ سوى في فيلمين لكل منهما، بجانب الفيلم الوحيد لشادي عبد السلام. في المقابل وصل عدد الأفلام التي عملتها مع حسام الدين مصطفى إلى سبعة، ومع أحمد ضياء الدين إلى ستة، وأربعة مع كل من محمود ذو الفقار وحلمي حليم، وثلاثة مع كل من حسن الإمام وحسين كمال، ثم عملت فيلما أو اثنين مع عدد آخر من المخرجين.
حسام الدين مصطفى رأى في جسدها الجميل وشخصيتها القوية إشكالية المرأة العربية كلها. من «النظارة السوداء» إحسان عبد القدوس إلى «قاع المدينة» و«على ورق سوليفان» يوسف إدريس مرورا بـ« السمان والخريف» نجيب محفوظ لعبت نادية لطفي أطيافا من تصورات الأدباء والمثقفين للمرأة الجديدة. وحين تضيف إلى هذه القائمة «لا تطفئ الشمس» عبد القدوس الذي أخرجه صلاح أبو سيف و«قصر الشوق» محفوظ الذي أخرجه حسن الإمام، و«أبي فوق الشجرة» عبد القدوس الذي أخرجه حسين كمال، أضف إليهم أعمالا مأخوذة عن كتاب من الصف الثاني مثل «المستحيل» لمصطفى محمود و«عدو المرأة» لمحمد التابعي و«غراميات مجنون» لأمينة السعيد… يمكن القول إجمالا إن نادية لطفي هي أكثر ممثلة مصرية ظهرت في أفلام مأخوذة عن أعمال أدبية، أو قام بكتابتها أدباء مباشرة للسينما، وهو أمر لا يرجع فحسب إلى ثقافتها وميولها الشخصية، ولكن أيضا إلى صورة نادية لطفي في عيون هؤلاء المخرجين والكتاب والجمهور عامة.
بالرغم من أن نادية لطفي لعبت أدوارا جريئة جدا بمقاييس السينما العربية، خاصة في أفلام مثل «قصر الشوق»،»قاع المدينة» و«أبي فوق الشجرة»، والثلاثة جسدت فيهما شخصية العاهرة الأليفة لدى صناع السينما المصرية، إلا أنها ظلت بمنأى عن هجمات المتطرفين وشتائم المراهقين التي نالت من معظم «نجمات الإثارة والإغراء»، والسبب في ذلك يعود في تصوري إلى هذه الشخصية القوية المثقفة التي تتمتع بها وتجعلها بمنأى عن المستوى الهابط عموما للوسط الفني والعاملين فيه.