نجلاء فتحي.. قلوبنا معك يا ذات الوجه الصبوح

ناصر عراق يكتب لـ سينماتوغراف»:

ندعو لها بالسلامة..

كان الله في عون السيدة نجلاء فتحي.. الفنانة المتميزة.. ذات الوجه الصبوح والروح الجريئة.. تلك التي هلت علينا قبل أربعين عامًا فأسعدتنا وأمتعتنا، وظلت الجماهير تترقب أفلامها وتبتهج بها من قرن إلى آخر!

زوجها الإعلامي الكبير حمدي قنديل يعلن مؤخرًا – عبر تغريداته – أنها تعرضت لالتهاب في الكبد  أثناء علاجها من المرض الجلدي النادر الذي تسلل إلى جسدها الرقيق قبل عام، واضطرت – كما قال لي الأستاذ حمدي منذ خمسة أشهر – إلى الذهاب إلى أوروبا لتتلقى العلاج في العاصمة السويسرية زيورخ!

تعالوا نطل سريعًا على التجربة الثرية لنجلاء فتحي مع دنيا السينما والأفلام.

المراهقة الشقية

في 14 سبتمبر من عام 1966 كتب اسم نجلاء فتحي للمرة الأولى بخط الرقعة الجميل بوصفها وجها جديدا في مقدمة فيلم (الأصدقاء الثلاثة) للمخرج أحمد ضياء الدين، فلفتت انتباه الجمهور بوجهها المشرق وشقاوتها المحببة، لكن المقادير سرعان ما لقنت الملايين درسا قاسيا بعد أقل من عام، إذ هوت مطرقة يونيو 1967 على رؤوس المصريين فخلخلت توازنهم النفسي لفترة، وربما نسوا صاحبة الوجه الجديد التي ظهرت العام الماضي، لذا ما إن استرد المصريون روحهم المعنوية حتى تذكروا نجلاء عندما شاهدوا اسمها يقفز إلى المقدمة لتتقاسم البطولة مع حسن يوسف في فيلم (أفراح) للمخرج أحمد بدرخان والذي عرض في أول يوم من أيام عام 1968.

في خمس سنوات فقط تصدرت نجلاء فتحي بطولة أكثر من 25 فيلمًا، وهو رقم كبير إذا علمت ان الإنتاج السينمائي المصري تراجع بعد الهزيمة بشكل لافت. (عرضت السينما 44 فيلما جديدا عام 1969، في حين أنتجت 68 فيلما في 1954، وكان عدد المصريين 21 مليون نسمة فقط، بينما في 1969 بلغ عددنا أكثر من 30 مليون نسمة). هذا يعني أن الجمهور استقبل نجلاء بحفاوة، ومضى يتنقل من دار عرض إلى أخرى بحثا عن أفلامها، ولعل وجهها الصبوح وبراءتها الظاهرة هما ما دفعا جمهور تلك الأيام إلى الافتتان بها، وبأفلامها، حتى يتخفف من الأحزان التي تراكمت في صدره جراء هزيمة 1967.

في أفلامها الأولى تأرجحت نجلاء بين أدوار الفتاة المراهقة الشقية خفيفة الظل، وبين الفتاة الرومانسية الحالمة، أو تلك التي انتباها غرور شديد لأنها تعرف إمكاناتها الأنثوية السخية وجمالها الطاغي مثل (المراية/ 1970)، (عاشقة نفسها/ 1972).

المرأة الرومانسية

طوال سبعينيات القرن الماضي أبدعت نجلاء فتحي في أداء دور المرأة الرومانسية التي تتعرض لمصائب الزمن، لكنها لا تفقد أبدا حلمها في الحياة الناعمة مع حبيب القلب، وقد برعت في تقمص شخصيات قدمتها سيدة الشاشة فاتن حمامة في الخمسينيات من قبل مثل (حب وكبرياء/ 1972) عن (ارحم دموعي/ 1953)، و(اذكريني/ 1978) عن (بين الأطلال/ 1959).

كذلك قدمت (رحلة النسيان/ 1978)، وغيرها من الأفلام الرقيقة التي تتعارض مع الأجواء الاجتماعية والسياسية الساخنة التي شهدتها حقبة السبعينيات في مصر، وقد استثمر صناع السينما وجهها المشرق ونظرات عينيها الهادئة لينجزوا أفلامًا بعضها مغرق في أجواء الأحزان الرومانسية، حتى يتسنى للناس أن تنفصل مؤقتا عن واقعها الاجتماعي المأزوم، وتعيش ساعتين من الحلم الجميل الذي تسكبه في أرواحهم نجلاء فتحي.

مرحلة الإدهاش

عند عرض فيلم (المرأة الحديدية/ 1987) للمخرج عبد اللطيف زكي اكتشف الجمهور أنهم أمام نجمة من طراز فريد، فقد توارى الجمال خلف مهارات التمثيل، واختفت الرقة وراء نيران الانتقام التي تشتعل في صدر امرأة قتلوا زوجها وهو بجوارها في السرير، وتجلى وجه نجلاء جامدا صامدا.. يخفى شتى الانفعلات من مكر وخبث وإغراء حتى تصل إلى الهدف الأسمى وهو الانتقام ممن قتلوا زوجها.

ثم نأتي إلى تحفتها الخالدة، وأعني (أحلام هند وكاميليا/ 1988) للمخرج محمد خان، لنقف مشدوهين أمام هذا الاداء الآسر لأكثر نجماتنا جمالا.. إنها هنا خادمة.. وزوجة لرجل جلف.. وتعول شقيقها المدمن.. يا الله ما أجملها في هذا الدور الاستثنائي، حيث تألقت نجلاء بشكل غير مسبوق، ونسي الناس جمالها الفتان، وتعاطفوا مع هذه الخادمة المقهورة، لكنها تملك إرادة من حديد لمواجهة الحياة والفوز بملذاتها المشروعة.

الآن ترقد السيدة نجلاء فتحي في المستشفى تتكالب عليها الأمراض، وليس أمامنا سوى أن نقول لها: قلوبنا معك في هذه المحنة سيدتي الجميلة، ونحن واثقون أنك قادرة على تجاوزها بإذن الله، وبرعاية الزوج الوفي الأستاذ حمدي قنديل.

سلامتك يا ست الكل.

 

 

 

Exit mobile version