بقلم : انتصار دردير
حين تتجاوز السينما الرؤية القاصرة التى تحيلها كوسيلة للمتعة والتسلية فقط، تصبح أداة تنوير مهمة، فيما تطرحه وتثيره من قضايا، فتنطلق من محليتها الضيقة الى آفاق أرحب وأوسع، ومن هذا المنطلق حقق الفيلم اليمنى «نجوم بنت العاشرة ومطلقة» صدى واسع فى كل المهرجانات الدولية التى شارك بها، ولايزال يحقق نجاحا حيث يعرض فى صالات السينما بالسويد حاليا، ويلقى اقبالا جماهيريا واحتفاءا نقديا كبيرا.
يروى الفيلم قصة حقيقية لطفلة يمنية لم تتجاوز العاشرة من عمرها صارت صاحبة أشهر وأغرب قضية طلاق، وأذكر أننى قرأت عنها للمرة الأولى من خلال مقال للكاتب الكبير ابراهيم سعدة، الذى فجر الواقعة على صفحات أخبار اليوم فقد اثار انتباهه الكتاب الذى أصدرته الفرنسية دلفين مينوى عام 2009، وعرضت من خلاله قضية الطفلة نجود، التى أجبرها والدها على الزواج برجل يتجاوز ثلاثة أضعاف عمرها وتعرضت لاعتداء بدنى ونفسى على مدى شهرين من الزواج، مما دفعها للهرب وطلب الطلاق، وساندتها فى قضيتها المحامية الشابة شذا ناصر التى كرست جهودها لابراء ذمة الطفلة الصغيرة من زواج لايوافق القانون ولا الشريعة الاسلامية.
وكانت قضية نجود قد هزت العالم بأسره وتم ترجمة الكتاب الى أكثر من 16 لغة، وتعاطف مع الطفلة شخصيات عالمية مثل هيلارى كلينتون ونيكول كيدمان، وهذا الكتاب تحول الى فيلم أخرجته اليمنية خديجة السلامى، وقد طاف كثير من مهرجانات العالم وحاز تعاطف بقضية بطلته وفاز بجوائز عديدة.
فى المشاهد الأولى من الفيلم الذي صور سرا داخل اليمن ليكون نتاجه عملا سينمائيا شديد الرهافه خلال 99 دقيقة، تبدأ الأحداث بمشهد «نجوم» وهي تهرب من منزل والدها قاصدة المحكمة، تحمل عروستها الصغيرة وتتخفى فى جلباب أسود لايخفى ملامحها الطفولية.
وداخل المحكمة تتابع النساء اللاتى يشكين للقاضى حجم الظلم الواقع عليهن من أزواجهن، فى اشارة إلي أن الهم يبقى واحدا للمرأة فى مجتمع ذكورى لايرحم، وينتهى العمل بالمحكمة وتخلو القاعة عليها فتلفت نظر القاضى ليسألها ما الذى أبقاها فتخبره ببراءة أنها تريد الطلاق، ويسألها فى دهشة كيف لطفلة فى سنك أن تتزوج، ويأخذها الى بيته، وتتبنى زوجته المحامية قضية الطفلة.
وعن طريق «الفلاش باك» تستعيد الصغيرة حياتها مع أسرتها الفقيرة التى تسكن أعالى الجبال وتضطر للنزوح من القرية بعد اغتصاب شقيقتها التى تكبرها، ويتقدم شاب من قبيلة أخرى للزواج بالطفلة، ويرحب الأب ليتخلص من شبح مصير شقيقتها، وبينما تلعب الصغيرة بعروستها يحملونها الى بلدة العريس، فتتعرض لصدمة قاسية منذ الليلة الأولى لزفافها وتصاب بإنهيار نفسى، وتسعى للتخلص من حياتها، فيضربها الزوج بقسوة وبتحريض من أمه التى تنهر الطفلة لعدم قدرتها على الوفاء بواجباتها كزوجة، وفى المحكمة تنجح المحامية فى تحويلها لقضية رأى عام، ويتدخل شيخ القبيلة لاقناع الزوج بتطلقيها، لتحصل «نجود» على حريتها.
المثير أن مخرجة الفيلم خديجة السلامى عاشت التجربة نفسها بكل تفاصيلها المؤلمة حين تم تزويجها وهى فى الحادية عشرة من عمرها، وكادت تقدم على الانتحار مثل بطلتها ليتم طلاقها بعد ثلاثة أسابيع، لذلك كانت أكثر المتحمسين لتقديم العمل.
لن تكون «نجود» الأولى أو الأخيرة فى ظل ثنائية الفقر والجهل، وليس أدل على ذلك سوى حالات زواج القاصرات التى لاتزال تجرى فى قرى ونجوع مصر.