لوس أنجلوس ـ «سينماتوغراف»
تمثل دورات الحياة والعمر موضوعاً مهماً في فيلم (باربي، Barbie)، التي تصادف في لحظة مثيرة داخل الأحداث امرأة مسنة في محطة للحافلات، وتقول لها ببساطة: “أنت جميلة”. تهمس الكلمات بنوع من الاحترام، وكأنها تلفظ حقيقة كونية عن معجزة الشيخوخة، لا يتم تحديد مدى الخبرة التي اكتسبناها في الحياة من خلال عدد الوظائف التي عملنا بها ولكن مع كل يوم نستيقظ فيه، إنه تذكير بأن باربي يافعة إلى الأبد ولكنها أيضاً أكبر سناً من العديد منا.
هنا تكمن قوة المخرجة غريتا غيرويغ، أن تأخذ أيقونة أنوثة لا تشيخ وتذكرنا أنه بقدر ما قامت هذه الدمية بالتأثير علينا، سنواصل التأثير عليها بدورنا إلى الأبد. هناك فهم عميق في هذا الفيلم بأن النسوية الرأسمالية التي يمثلها الفيلم معيبة بطبيعتها، لن تجد النساء التحرر من خلال النجاح المهني وحده، وليس عندما تزدهر أنظمة بأكملها على إخضاعهن.
وبالمثل، فإن فيلم غيرويغ يثير التساؤل حول المدى الذي يحرزه “تمثيل الفئات” كوسيلة للتقدم الاجتماعي. صحيح أن باربيات “باربي لاند” يشغلن كل الوظائف التي يمكن أن يتخيلها المرء، لكن الذي يجلس في مجلس الإدارة يتخذ هو كل قرار بشأنهن؟، لذلك دعونا نغوص أعمق قليلاً في تأثير عالم باربي.
يأخذنا الفيلم في جولة مليئة بالمنعطفات والمنحنيات المؤثرة بقدر ما هي مسلية، مما يجعله ينافس على لقب أفضل فيلم لهذا الصيف، فهو صورة مؤثرة للانتقال الصعب للإناث من مرحلة فتاة إلى كونها امرأة. إنه احتفال قوي بالأنوثة، وتناقضاتها، وأفراحها، وإحباطاتها، وحدودها، وحرياتها.
تضفي غيرويغ روحاً نابضة بالحياة على السيناريو (الذي شاركت في كتابته مع زوجها وشريكها بالحياة المهنية أيضاً نواه باومباخ)، حيث يقدمان هذه المرأة الجميلة المثالية باللون الوردي بعين محبة وفي نفس الوقت ناقدة لما أصبحت ترمز إليه.
يضم الفيلم نجوماً رائعين: إيسا راي، وهاري نيف، وسيمو ليو، ونكوتي غاتوا، وألكسندرا شيب، وزملاؤهم والذين يضفون ما يكفي من الاختلافات على شخصيات باربي وكين المتعددة، لمنع باربي لاند من أن تصبح عالماً من الأشخاص المستنسخين.
يبرز رايان غوسلينغ بشكل خاص، حيث يتمكن بطريقة ما من تحويل حبكة فرعية تتلخص في “كين يكتشف التحيز الجنسي” إلى شيء يتيح لنا التعاطف مع صديق باربي الأبدي. إن حماقته البريئة تستجر تعاطفنا تجاهه لدرجة جعلتنا نتألم عندما يكتشف التحيزات التي ابتلي بها المجتمع.
مارغو روبي هي نجمة الفيلم بالطبع. إنه الدور الذي ولدت من أجله، والتي تتساوى جاذبيتها الهائلة مع الدمية الأكثر شهرة في العالم. تضفي روبي على أدائها طبقة من التفاؤل الساذج الذي تمزقه حقائق العالم الواقعي ببطء (وهو مكان يتم التعامل معه على أنه اسم علم في النص وعلى لوحة إعلانية). إن مشاهدة ذلك محزن للغاية. ومثلما كان الحال مع كين، تكتشف باربي طبقات جديدة من الوعي بالذات. ليس هناك شك في أن روبي تستحق الحصول على جوائز بفضل التوازن المذهل لأدائها الذي تقدمه، خصوصاً عندما نكتشف أن السخافة والحماقة هي مجرد قشرة خارجية لفيلم أعمق بكثير.
إن خيار فيلم باربي بالسماح للعالم الخيالي بالتسرب إلى العالم الحقيقي أمر يثير الإلهام. نعم، هذا هو الواقع الذي نعرفه: مليء بالأشخاص المستهجنين والقسوة ودعاوى الشركات، لكنه لا يتعمق أكثر من اللازم بالواقع لدرجة قد تخنق المتعة، وتمثل مكاتب شركة ماتيل الشبيهة بالمتاهة مثالاً على ذلك، ويبرزها شخصية الرئيس التنفيذي المضحكة (ويل فيريل). حتى “البوابة” من العالم الحقيقي إلى باربي لاند تلتزم بهذا المرح وتقدم طريقة غامضة للوصول إلى أي من العالمين بطريقة طفولية، ولكنها مقبولة من قبل أولئك الموجودين في العالم الحقيقي كشيء عادي.
يقدم فيلم باربي رسالة حب لأيقونة ثقافية طويل الأمد، ويذكرنا بأن هناك أماناً في الطفولة سنخسره دائماً. إنه عمل سينمائي مليء بمشاعر الحنين للماضي وبالتالي بالمشاعر الحلوة والمرة في آن واحد، حيث يطرح سؤالاً مهماً: لماذا نضع مثل هذا الضغط على أنفسنا ونعيش في قلق أو ندم؟، ثم يخبرنا من خلال رسائل ودلالات بأن الشعور بالراحة مهم مع معرفتنا بأننا لسنا أول من يشعر بهذا الضغط والخوف.