الدوحة ـ «سينماتوغراف»
قدّم أستاذ «قمرة» المخرج التركي نوري بيلج جيلان ندوة تعليمية في النسخة الثانية من قمرة بحضور جمهور غفير من صانعي الأفلام والجمهور.
وجاءت هذه الندوة بعد عرض فيلمه الكلاسيكي “حدث ذات مرة في الأناضول” الفائز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان كان السينمائي. يروي الفيلم قصة تعكس تعقيدات الحياة وتركت الجمهور يحتار في أسئلة لم يجدوا لها جواباً لأن جيلان فضّل عدم الإجابة عليها.
وقال جيلان خلال الندوة :””أنا أملك الأجوبة لكني أفضل أن أخفيها. الأفلام تصبح أكثر عمقاً عندما يلفها غموض ما. أنا أؤمن بأن الجمهور يجب أن يجد الأجوبة بنفسه ويجد الأجوبة لنفسه. أنا لست مدرساَ ولست متأكداً من أي شيىء، وأنا أحاول أن أتعلم”.
لكن هذه الصراحة تخبىء وراءها فكراً حاداً ومنظماً حيث لا يتردد جيلان نفسه عن الإفصاح :”أنا لا أصنع أفلاماً نمطية. اليوم، يتعرض المخرجون لضغوط لصناعة أفلام عن المرأة وغيرها من المواضيع. أنا لا أشعر بهذه الحاجة، وبالنسبة لي، يجب على المخرجين أن يصنعوا أفلاماً عن الحياة وعن القصص التي يشعرون بأنها مهمة لهم”.
عندما بدأ مسيرته المهنية كان جيلان غريباً وغير معروف في السينما التركية. وقال في هذا الصدد :”لم أكن متاكداً ماذا كنت أريد أن أكون. سافرت إلى الهند ونيبال ولندن، وعملت نادلاً. وعندما أجبرت على القيام بالخدمة العسكرية حظيت بفرصة قراءة العديد من الكتب. وعند عودتي إلى لندن، شاهدت العديد من الأفلام، ربما ثلاثة في اليوم. مشاهدة الأفلام كانت أفضل معلم لي والطريقة الأمثل للتعلم عن السينما هي مشاهدة السينما بانتباه”.
وينصح جيلان صانع الأفلام ببدء مسيرته المهنية في هذا المجال باكراً في الحياة لأنه في تلك الفترة “لا تخشى ارتكاب الأخطاء وارتكاب الأخطاء أفضل معلم في هذا المجال”.
جيلان الشغوف بالتصوير، واجه تحدياً في جعل السينما تقدم انعكاساً عميقاً ومركباً عن الحياة. لقد جلبت شعوراً بالروعة لي. فكاميرات الفيديو تجعل من الواقع أكثر سوريالية”.
في السابق اعتاد جيلان التحضير عميقاً لأفلامه، أما اليوم، فيقول بأنه أصبح أكثر عفوية ويحب المفاجآت اللطيفة التي تظهر في اللحظات الأخيرة.
لا يخفي جيلان شغفه بالمونتاج والذي يعبر عنه بقوله “مليىء بالمفاجآت” وتمنح صناعة الأفلام الرقمية الآن حرية تصوير أكثر من قبل. “المونتاج مهم جداً لي وأنا مهووس بالمونتاج. حتى لو كنت صانع أفلام خبير لا يمكنك أن تتنبأ ماذا سيحصل خلال المونتاج. يمكن أن تواصل كتابة السيناريو بينما تقوم بالمونتاج، وعندها يمكن أن تغير الكثير من الأمور. وبما أنني أعرف هذه الحقيقة، أقوم حالياً بتصوير العديد من اللقطات البديلة بمساعدة التكنولوجيا حيث لم يكن بمقدوري القيام بذلك عند استخدام تقنية 35 ملم”.
ترك الأدب الروسي تأثيراً كبيراً على جيلان، ويوضح في هذا الصدد :”كنت بعمر 19 عاماً عندما قرأت رواية “الجريمة والعقاب”، وبعدها لم أجد ما هو أعمق من ذلك. الظروف الإنسانية هي نفسها في كل مكان. لديهم الدوافع والطبيعة نفسها، وكونك صانع أفلام فهذا يعتمد على كيفية نظرتك إلى الحياة. وفي الأدب الروسي، أنظر إلى أوجه التشابه مع روحي الخاصة”. ولهذا كان الحديث عن صناعة الأفلام التي تغذي الروح المهيمنة على ندوته التعليمية.
ولطالما كانت الكتابة تحدياً لجيلان، ويقول فيها: “تعاني وتكافح وهناك لحظات تشعر بأنك لا تذهب إلى أي مكان ولا تحقق أي تقدم. بعد أيام من الكفاح، هناك نص وتنتهي العملية. يتغير السيناريو الذي أضعه مع الوقت، واليوم، أكتب وأتطلع بشغف إلى ما يمكن تصويره”. القاعدة الأساسية للكتابة وفق جيلان، هي أن تضمن بأنها يجب أن تحفزك بعد أن تنتهي منها.
يعتمد جيلان المقاربة الواقعية في صناعة الأفلام، ويصف تجربة التمثيل في فيلمه الخاص بأنها كانت مؤلمة. ويضيف :”كوني مخرج أكون المتحكم بالأمور، ولكن كممثل، لا تملك مستوى السيطرة الذي تريده. مع التكنولوجيا الرقمية، أصبح الأمر أكثر سهولة اليوم ولكني لن أعيد الكرّة”.
تظهر السعفة الذهبية التي فاز بها جيلان بأنه لا يتمسك بأفكار ثابتة حول أي جانب من جوانب صناعة الأفلام. “أحب أن أحظى بمفاجآت لأن الحياة مليئة بالمفاجآت. مع الوقت إنت تتغير كإنسان ويظهر هذا الأمر في أسلوبك. لكن الأمر ليس مبرمجاً وإذا رغبت أستطيع أن أصنع ذات النوع من الأفلام على الدوام، لكن هذا لا يحفزني”.
بالحديث عن التحديات التي واجهته خلال صناعة فيلمه “نوم الشتاء” الفائز بجائزة السعفة الذهبية، قال “نقطة البداية للفيلم كانت قصة عن تشيكوف. كانت الفكرة تدور في رأسي لمدة 15 عاماً ولكني لم أشعر بالثقة كفاية لصناعة الفيلم حتى ذلك الوقت”.
وأضاف :”كتبنا الفيلم في غضون ستة أشهر. كان فيلماً مليئاً بالتحديات مع الكثير من الحوار الفلسفي والعميق وشعرت بالخوف من ذلك. ولكنني بحاجة لشيء أخاف منه في كل فيلم. هذا هو الدافع لي. إذا كنت خائفاً من أمر ما فإنك تعمل بجهد أكبر. عدم وجود الخطر يعني أنك كسول”.
جيلان هو واحد من أساتذة قمرة إلى جانب كاتب السيناريو والمخرج ومنتج أفلام الإندي الأميركية جيمس شانون، الأستاذ الروسي أكسندر سوكروف، الكاتبة والمخرجة اليابانية ناوومي كاواسي، والمرشح لجائزة أوسكار مرتين الوثائقي الأميركي جوشوا أوبنهايمر.