«كان» الوكالات ـ سينماتوغراف
تشهد نسخة هذا العام من مهرجان «كان» السينمائي الدولي حضوراً كبيراً لأفلام الشرق الأوسط، فمن المنتظر أن ينافس فيلم «االبائع» أحدث أفلام المخرج الإيراني الفائز بجائزة أوسكار أصغر فرهادي، على جائزة «السعفة الذهبية» لهذا العام.
كما ينافس الفيلم المصري «اشتباك» لمخرجه محمد دياب على جائزة «نظرة ما» والذي يصور خلاله انتصار الثورة المصرية وانكسارها، حيث تُمنح هذه الجائزة للأعمال الأكثر تحدياً، وتشارك فيها أيضاً أفلام من إيران وإسرائيل بحسب تقرير نشرته صحيفة New York Times الآميركية.
وفي تصريحات لمجلة «سلايت» الفرنسية، قال ناقد الأفلام والمحرر السابق في مجلة Cahiers du Cinéma جون ميشيل فوردون، «إن حضور أفلام الشرق الأوسط والأفلام العربية كان ضعيفاً خلال الأعوام الأخيرة، وهذا العام يعد من أهم الأعوام بالنسبة لها».
«البائع» الإيراني مرشح للتألق
ويعد الفيلم الإيراني «البائع» أحد الأفلام التي ينتظرها الجميع هذا العام، ويحكي الفيلم قصة زوجين صغيرين من طهران، وهما ممثلان هاويان يلعبان دورين في مسرحية «موت بائع متجول» للكاتب آرثر ميلر.
وكما سبق أن فعل فرهادي في فيلمه «انفصال» الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية في العام 2012، يعود اليوم ليمارس أسلوبه بالضرب على أوتار مختلفة، ليبرز فيلمه بأسلوب سهل وعالمي في ذات الوقت.
يقول المنتج الفرنسي اليكساندر ماليت غاي الذي شارك فرهادي في إنتاج فيلمه الأخير، «ثمة جانب رمزي وآخر أخلاقي، لكن أيضاً ثمة بعدٌ اجتماعي وطبقة اجتماعية وبعد ديني. لم يسبق له أن عارض النظام علانية، ولكنه يفعل ذلك بين السطور، وهذا هو نوع السينما الذي يتبنى نموذجه».
وتدور أحداث فيلم «البائع» حول شخصيتي عماد (شاهاب حسيني) ورنا (ترانه عليدوستي)، حيث انقلبت حياتهما رأساً على عقب بعد أن اضطرا لمغادرة منزلهما بسبب أعمال البناء، بينما يشاركان في التمثيل بمسحرية آرثر ميلر.
وكان على فرهادي أن يعرض قصة الفيلم على الحكومة الإيرانية قبل أن يحصل على التصريح اللازم للتصوير في طهران، لكنه لم يواجه أي عقبات، وذلك وفقاً لما قال ماليت غاي.
وأضيف الفيلم لقائمة الأفلام المتنافسة على جائزة السعفة الذهبية في وقت متأخر عن باقي الأفلام، وذلك بسبب تأخر فرهادي عن الانتهاء من تصوير فيلمه حتى أواخر فبراير/شباط.
ويقول ماليت غاي إنه سجل فيلمه لدى مدير المهرجان تييري فريمو بعد الإعلان مباشرة عن القائمة المبدأية المشاركة في مهرجان كان في منتصف أبريل/نيسان، ويضيف قائلاً إن فيلم «البائع» سيُعرض في 21 مايو/أيار، أي في الأيام الختامية للمهرجان، بيد أنه جذب اهتمام كثير من الشركات في الولايات المتحدة.
Inversion.. فارس إيران الثاني
كما يشارك الفيلم الإيراني Inversion من إخراج بهنام بهزادي للمنافسة على جائزة «نظرة ما». وتدور أحداثه خلال الجو الضبابي المعاصر لطهران، حول قصة نيلوفار (سحر دولت شاهي) وهي امرأة عزباء تبلغ من العمر 30 عاماً تمكث في المدينة وحدها بدلاً من المغادرة مع أمها المريضة التي يخبرها الأطباء أن عليها مغادرة المدنية للحفاظ على سلامة جهازها التنفسي.
وقد كتب بهزادي في إحدى الصحف، «مدينة طهران تعد من أكثر المدن تلوثاً حول العالم، حيث تصل نسبة التلوث إلى ذروتها خلال الأيام التي يحدث خلالها انقلاب حراري. لم يكن لدى نيلوفار الحق أو الفرصة لأن تختار، وقد اعتادت على ألا تمتلك ذلك الأمر. والآن هي في حاجة إلى انقلاب Inversion لكي تذكر نفسها والآخرين أن يحترموا حريتها في الاختيار».
تنافس عربي إسرائيلي محموم
كما يشارك في قسم جائزة «نظرة ما» لهذا العام الفيلم الإسرائيلي «ما وراء الجبال والتلال» قصة وإخراج عيران كوليرين، وتدور أحداثه حول شخص يعاني من أجل العودة إلى حياة المدنية بعد أن قضى 27 عاماً في الجيش.
ويشتهر كوليرين بفيلمه الكوميدي «زيارة الفرقة الموسيقية» من إنتاج العام 2007، والذي فاز بعديد من الجوائز، حيث تدور أحداثه حول فرقة مصرية تقدم حفلاً بأحد المراكز الثقافية العربية في إسرائيل.
أما الفيلم الفلسطيني «أمور شخصية» من إخراج مها الحاج، فيحكي قصة زوجين من فلسطينيّ الداخل يعيشان في مدينة الناصرة، ويشعران بالقلق على حياة ابنهم البكر، الذي يعيش قرب الحدود مع مدينة رام الله.
«اشتباك» يرفع راية المصريين
ويأخذ المخرج المصري محمد دياب، من خلال فيلمه «اشتباك»، المشاهدين في جولة تحكي عن تاريخ مصر الحديث. وقد استوحى الفيلم من تجربته في ميدان التحرير خلال الثورة التي أطاحت بالرئيس المصري محمد حسني مبارك في العام 2011. لكن الوعود التي انتظرها الثوار تبددت مع بدء حكم الرئيس المنتخب السابق محمد مرسي – بحسب مخرج الفيلم -، حيث يقول دياب إنه بكى في اليوم الذي انتُخب فيه محمد مرسي.
وتدور أحداث فيلم «اشتباك» حول لحظات الفوضى التي امتلأ بها في العام 2013 بعد المظاهرات التي أطاحت بمحمد مرسي، وذلك قبل أن يطيح به النظام العسكري الذي يحكم إلى الآن. ويحكي الفيلم قصة 25 مصرياً من كل الأطياف الثورية، بدءاً من الديمقراطيين وحتى الإسلاميين، كلهم اعتقلوا على يد رجال الأمن بعد تلك المظاهرات.
وقال دياب البالغ من العمر 38 عاماً في مقابلة تليفونية «أردت أن أصنع فيلماً عن الثورة، إلا أنني في كل مرة أمتلك الفكرة تتبدد مني الأشياء”. ففي العام 2013 توصل أخوه خالد إلى فكرة أن تدور الأحداث حول مجموعة من المعتقلين الذين يكتبون الفيلم معاً».
وأضاف دياب «بدأنا في محاولة العمل على فيلم يحكي عن صعود الثورة، لكن الحال انتهى بنا بفيلم تدور أحداثه حول انكسار الثورة. حاولنا نقل التجربة الإنسانية لكل شخصية في الفيلم، حتى الشرطة». يوضح دياب الفكرة قائلاً «كل شخص في دائرتي، وكل شخص قابلته في حياتي نصحني بألا أعمل على هذا الفيلم لأنّه سيزعج الجميع».
وكانت أول الأعمال التي أخرجها دياب هو فيلم «678» وتدور أحداثه حول 3 نساء يحيين في القاهرة ويواجهن التحرش الجنسي، وقد بدأ عرضه في السينمات في أعقاب الثورة حيث اُعتبر نبوءة لما حدث. وساعد نجاح الفيلم في مصر أن يجعل من دياب شخصية تلفزيونية خلال الثورة، كما ساعده نجاح الفيلم على تمويل فيلمه الآخير «اشتباك».
ويعد الفيلم إنتاجاً مشتركا بين فرنسا ومصر بالإضافة إلى التمويل القادم من ألمانيا والإمارات، التي ساعد تنامي علاقتها بشبكة المهرجانات على ظهور الأفلام القادمة من العالم العربي. ولا يزال دياب غير متأكد مما إذا كان فيلمه سيُعرض في مصر أم لا، حيث يقول هو والنقاد الآخرون إن الحكومة الحالية في مصر تضيق على حرية التعبير أكثر من عهد الرئيس مبارك، وكثير من المصريين صارو ا أكثر حذراً وخوفاً عند محاولتهم للتظاهر.
يقول دياب «كل الأشخاص خائفون من أن نصير نموذجاً آخر من سوريا أو اليمن، لذا لا يفعل أي شخص أي شيء حيال الأمر».