ما من مخرج عربي دخل هوليوود وصار واحداً من العاملين في فلكها خلف الكاميرا، ومنذ كانت هذه المدينة، دخل عرب كثيرون في مجالات الإنتاج نعم، وآخرون في دنيا التوزيع، أو المؤثرات، وحتى في مجال التمثيل، وفي الكتابة، إلا أن الاخراج إستعصى على الجميع في كل الحقب.
لكن حدث هذا الأمر أخيراً.
حصل مع المخرج الرائع هاني أبو أسعد، ابن بيت لحم، الذي قدم أفلاماً مميزة وصلت كلها إلى العالمية أولها: الجنة الآن، وكاد يفوز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالانجليزية، كذلك فيلم «عمر»، وصولاً إلى فيلمه آيدول أو ياطير الطاير (مع محمّد عساف).
نعم فعلها «أبو أسعد» وبات أول مخرج عربي يدخل هوليوود مخرجاً لفيلم من إنتاج فوكس القرن العشرين يحمل عنوان (The Mountain Between Us) (الجبل بيننا) مدته ساعة و43 دقيقة، عرضته الصالات الأميركية لأول مرّة، وحقق مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سبقاً بعرضه في دورته الـ 39 الماضيه.
الفيلم الذي صور في عدد من المناطق الكندية (منها فانكوفر، وكولومبيا البريطانية) مقتبس عن رواية لـ شارلز مارتن، وضع لها النص السينمائي جي. مايلز غودلو، وصاغ السيناريو كريس وايتنر، وهو يتمحور حول شخصين (يلعب الدورين كايت وينسليت، وإدريس ألبا) تتحطم بهما طائرة في منطقة متجلدة وهما لا يعرفان بعضهما قبل الحادث.
سبعة مساعدي مخرج، (ليس بينهم أي اسم عربي، صاغ الموسيقى الألماني رامين جوادي (43 عاماً) وأدارت التصوير الأوسترالية ماندي والكر (45 عاماً) وتولى المونتاج الأميركي لي بيرسي (64 عاماً) والاسم العربي الوحيد بين الممثلين هو وليد زعيتر منتج فيلم «عمر» ولاعب أحد أدواره (ضابط إسرائيلي) إلى جانب اللبناني من طرابلس لي مجذوب (35 عاماً).
حدث سينمائي في سجل السينما العربية، مع وصول «هاني» إلى ستوديوهات ومكاتب الشركة الأميركية العريقة في هوليوود فوكس القرن العشرين التي لا تنتج أي عمل لا يكون على مستوى رفيع ومتقدم وله أهداف واضحة وعميقة، كما أنها لا توزع أي فيلم يطرق أصحابه بابها، ومع ذلك وصل مخرجنا الرائع في فيلم استعان بوجوه كبيرة لها جمهورها ومكانتها.
إنها فرحة عربية سينمائية عامرة جاءت مواكبه لتتويج ابن القدس كامل الباشا بجائزة أفضل ممثّل من مهرجان البندقية السينمائي الدولي في دورته الـ 74 عن الفيلم اللبناني «قضية رقم 23» للمخرج زياد دويري، وبعدها حصدت اللبنانية نادين لبكي جائزة لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي عن فيلمها «كفر ناحوم»، أفراح عالمية مدوية للسينما العربية، في هذا التوقيت بالذات، تجعلنا نتوقف الليلة مع حامل راية العرب في هوليوود هاني أبو أسعد، حيث نحلل ونتأمل أعماله ورؤيته السينمائية.
بلا شك الجوائز مهمه، ولكن كما يقول أبو أسعد: (لا نصنع الأفلام فقط للحصول علي الجوائز، وإنما لإيصال رسالة إلى العالم، وأعتقد أن سبب نجاح فلسطين في خطواتها يكمن فيما تقدمه من قصص إنسانية تحاكي الواقع، وصحيح القضية العربية تهمني، والقضية الفلسطينية جزء من القضية العربية، وعموماً الحدود بين القضايا العربية وضعها المحتل، وأنا متفائل بالمستقبل، لأن الظلم لايدوم).
كلمات تحمل من المعاني والدلالات الكثير، ويوجد في جعبه هاني أبو أسعد المزيد منها، وهذا ما سنحاول في السطور القادمة تسليط الضوء عليه.