منتخب رأس ماله استيعاب الاختلاف
هدف واحد من أجل الفوز.. حكاية أضعف فريق كرة في العالم
سينماتوغراف ـ أبو ظبي: أحمد شوقي
إذا كنت من المهتمين بعالم كرة القدم ومتابعيه، فلابد وأنك ستذكر النتيجة الغريبة التي حدثت في تصفيات كأس العالم 2002، عندما تمكن المنتخب الأسترالي من الفوز على منتخب جزر ساموا الأمريكية بنتيجة 31-0 (نعم، واحد وثلاثون هدفا مقابل لا شيء). النتيجة التي قال المؤرخون أنها الأكبر في تاريخ المباريات الرسمية على مستوى المنتخبات، جعلت منتخب ساموا الأمريكية الأسوأ في تاريخ الكرة، فالفريق لم يسجل سوى هدفين فقط طوال 17 عاما، خسر جميع المباريات التي لعبها خلالها دون تحقيق ولو تعادل وحيد، وظل منذ إطلاق الإتحاد الدولي “فيفا” لتصنيفه الشهري، يقبع في الترتيب الأخير!
من هذه النقطة المثيرة للدهشة والسخرية ينطلق الفيلم التسجيلي البريطاني “هدف واحد من أجل الفوز” للمخرجين مايك بريت وستيف جاميسون، اللذان حملا الكاميرا وسافرا إلى الجزر الواقعة وسط المحيط الهادي، ليتابعا حالة الفريق والجهود التي تبذل من أجل تحسين وضع المنتخب، من قبل رئيس إتحاد الكرة في الجزيرة من جهة، والإتحاد الدولي الذي يرسل المدرب الهولندي توماس رونجين ليدير الفريق فيفاجئه ـ ويفاجئ المشاهدين ـ التفاصيل العجيبة للجزر وفريقها.
عن ساموا الأمريكية
فجزر ساموا الأمريكية (وهي غير جزر ساموا) ليست دولة مستقلة، بل هي مجموعة جزر تابعة للحكومة الأمريكية، ويعتبر الرئيس الأمريكي رسميا هو رئيس الدولة، وإن كانت الجزر تمتلك حكومة مستقلة منتخبة بشرط عدم تأسيس أحزاب. الجزر لا يتجاوز مجموع مساحتها المائتي كيلو متر مربع، وسكانها الـ 65 ألف نسمة يعيشون مهددين بصورة دائمة من قبل أمواج التسونامي التي تجتاح الجزر كلما حدث زلزال في قلب المحيط.
هذا على صعيد الجزر، أما المنتخب نفسه فيمكنك تخيل طبيعة اللاعبين في فريق لم يحقق نتيجة إيجابية من 17 عاما. جميع اللاعبين هواة يمارسون الكرة بجوار وظائف بسيطة أخرى يعيشون منها، الكثير منهم يتطوعون في الجيش الأمريكي باعتباره الفرصة الوحيدة لترك الجزيرة والهجرة لأرض الأحلام، وهو ما يوقف مسيرتهم الكروية في أكثر فترات اللاعب قدرة على العطاء، بالإضافة بالطبع للروح المحبطة المسيطرة على الفريق الذي اعتاد تلقي الهزائم بصورة مذلة، لدرجة أن يخسر بالسبعة وثمانية أهداف من جزر أخرى مثل فانواتو وسولومون!
تجربة إنسانية وجنس ثالث
المدرب الهولندي يتعامل مع اللاعبين بقسوة أتى بها من عالم احتراف لا يرحم لجزيرة هادئة لا تعرف العصبية، بل ويتعامل بنفس الطريقة مع رئيس الإتحاد عندما يتشاجر معه ويخبره أمام اللاعبين أنه مُعين من قبل الفيفا، وبالتالي فهو لا يتبع إلا نفسه ولا يسمع إلا صوت رأسه. ولكنه وضع سرعان ما يتغير عندما يبدأ المدرب رونجين في التعرف على الجمال والبساطة في نفوس اللاعبين والجزر الصغيرة التي ينتمون لها، فيتسلق أعلى قمة في الجزيرة مستمتعا رغم الصعوبة، في مشهد يُعمّد فيه رسميا ليصبح ابنا لعالمه الجديد.
ومن ضمن التعايش مع عالمه الجديد استيعاب وجود لاعب/ لاعبة من الفافافيني في الفريق، والفافافيني هم الجنس الثالث في جزر ساموا، الذين يعيشون نصف الوقت كرجال ونصفه كنساء، فهم رجال تشريحيا، لكن ملابسهم وصوتهم وحركاتهم نسائية تماما. وهو الجنس الذي تحتضنه الجزيرة دون مشكلات منذ سنوات طويلة، بل ويعتبر أصحابه من المميزين والمحبوبين اجتماعيا بين الأهالي، على عكس الوضع حتى في دول أوروبية اعترفت منذ سنوات بالحريات الجنسية لكن المتحولين جنسيا لا زالوا يعانون فيها من رفض مجتمعي.
الكل في الفريق يحب جايا سايلوا، اللاعبة المتحولة جنسيا التي تلعب مع الرجال بحكم تكوين جسدها الأصلي، والتي تحلم بخلاف تحقيق أول فوز، في أن ترتدي فستانا من تصميم بيت أزياء عالمي تسير به على السجادة الحمراء!
استيعاب يؤدي لنصر
يستوعب المدرب رونجين هذا الاختلاف الثقافي الموجود في فريقه، والذي يعكس روح التوافق المسيطرة على أهالي الجزر. حياتهم بسيطة ومشاكلهم صغيرة ولا يحبون أن يشغلوا أنفسهم بصراعات لا طائل منها، فهم مهددون دائما بالفناء في موجة تسونامي مفاجئة، أو بخسارة الأحباء بين يوم وليلة بالهجرة، وبالتالي لا داعي لإضاعة الوقت في الكراهية والفرقة.
ينطلق رونجين من هذا الاستيعاب، بل ويراهن عليه لحظة الجد باختيار جايا لتكون في التشكيل الأساسي الذي يلعب تصفيات كأس العالم، حتى يتحقق الحلم بالانتصار أخيرا على منتخب تونجا بنتيجة 2-1، بل وتكون جايا هي من ينقذ الفريق بإخراج كرة من على خط المرمى في اللحظات الأخيرة كانت كفيلة بإضاعة الفوز الذي طال انتظاره كثيرا جدا.
ساموا الأمريكية تعادلت في المباراة التالية، ثم خسرت بهدف في اللحظات الأخيرة من جارتها ساموا التي اعتادت قديما سحق الجارة بنتائج ضخمة، ليخرج الفريق من التصفيات لأول مرة مرفوع الرأس بما حققه لاعبيه، ويقفز تصنيفه في الاتحاد الدولي ثلاثين مركزا للأمام ليغادر القاع الذي قبع فيه لسنوات وسنوات.
نهاية من خارج الفيلم
الفيلم ينتهي على الطريقة الأنسب دراميا، بالنجاح في تحقيق الانتصار الأول والخروج بشرف، بما يوحي بفريق له مستقبل سيتقدم نحو الأفضل. لكن مالا يذكره المخرجان أن ما حدث على أرض الواقع هو عودة الخسائر الكبيرة لساموا من جديد، صحيح أنها لم تصل أبدا لاستقبال ثلاثين هدف، لكن المنتخب ظل على الوضع الطبيعي لدولة بهذا الحجم وهذه الظروف. والأهم بالنسبة لمشاهد مثلي يحب الكرة وكذلك السينما، هو ما يحمله هذا الفريق من صور للبساطة والتآخي واستيعاب الاختلاف، فهو نموذج أهم بكثير من الفوز في أي مباراة.