«كان» ـ سينماتوغراف: مها عبد العظيم
من بين 21 فيلما تتنافس فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان جاءت ثلاثة منها بتوقيع ثلاث مخرجات وهن الألمانية مارن آدى بفيلمها «طونى أردمان»، والبريطانية أندريا أرنولد وفيلم «العسل الأمريكى» والفرنسية نيكول غارسيا وفيلم «وجع الحجارة»، ومع بدء العد التنازلى لاسدال الستار على المهرجان تزداد التكهنات والطموحات حول الجوائز وهل يمكن أن تفعلها لجنة التحكيم وتمنح السعفة الذهبية لاحدى المخرجات الثلاث، فتعيد الى الذاكرة المرة الوحيدة التى ذهبت فيه هذه الجائزة لامرأة وكانت من نصيب المخرجة النيوزيلاندية جين كامبيون عام 1993 عن فيلمها «درس البيانو» وما يعزز هذه التكهنات أن النسخة 69 من المهرجان تميزت بلجنة تحكيم مناصفة بين الرجال والنساء.
واذا كان هناك من بين المخرجات الثلاث من يمكنها المنافسة بقوة على الجائزة فقد تكون الألمانية مارن آدى التى هز فيلمها الكروازيت فى حين قوبل فيلما الفرنسية نيكول غارسيا والبريطانية اندريا أرنولد باستقبال فاتر.
وسبق لنيكول غارسيا أن عادت من الكروازيت بخفي حنين بعد أن شاركت بفيلم «الخصم» عام 2002 و«حسب شارلي» عام 2006. وهذه المرة يبدو أن الحظ لن يحالفها أيضا رغم أن الفيلم من تمثيل النجمة صاحبة الأوسكار ماريون كوتيار (في دور غابريال). ففي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تحلم غابريال بقصة حب مطلقة ويدفعها زواجها الفاشل إلى أحضان الضابط أندري. لكن الشريط المقتبس عن رواية «وجع الحجارة» للإيطالية ميلينا أرغوس يبقى سجين أسلوب أكاديمي ضيق.
وإن كانت البريطانية أندريا أرنولد من جهتها قد فازت مرتين بجائزة لجنة التحكيم في كان عام 2006 و2009، فإن صبر الجمهور نفذ في هذه النسخة بعد قرابة الثلاث ساعات التي يستغرقها فيلم «العسل الأمريكي». ويجمع الشريط بين أفلام الرحلة وأفلام المراهقين حيث تتقفى المخرجة طواف مجموعة من الشبان يوزعون المجلات عبر الوسط الغربي الأمريكي الذي تجهله الإعلانات السياحية، وسط قصص حب وجنون.
ومن جهتها تعيد المخرجة مارن آدى بفيلمها الجديد «طوني أردمان» السينما الألمانية إلى المسابقة الرسمية في مهرجان كان بقوة، إذ لاقت هذه القصة عن قسوة الحياة العصرية حيث يقتل العمل أحاسيسنا ويفسد العلاقات بين الناس ترحيبا واسعا.
وكان فيم فنديرز وفولكر شلوندورف آخر المخرجين الكبار الذين رفعوا راية ألمانيا عاليا في سماء الكروازيت، فها هي أعين متابعي الفن السابع تتجه اليوم ملؤها الأمل في الجديد نحو مارن آدى (39 عاما) إحدى ممثلي الجيل الصاعد في السينما الألمانية.
وكانت قد لوحظت موهبة مارن آدى عام 2003 في مهرجان ساندنس بالولايات المتحدة حيث قدمت فيلم تخرجها من مدرسة السينما «الغابة لأشجارها»، ثم تأكد تألقها بإحرازها عام 2009 الدب الفضي في مهرجان برلين عن فيلم «أي شخص آخر».
أما في فيلمها الأخير فتتناول آدى العلاقة المعقدة والمشوقة بين والد وابنته، وهو موضوع نادرا ما ورد في السينما، كما أنه نادر أن تصفق القاعة مرتين خلال عرض في كان. وآخرها كانت بعد أن نظمت البطلة إيناس (من تمثيل سندرا هولر) «حفلة عارية» لتوطيد العلاقات بين أعضاء فريقها في العمل.
تعمل إيناس كمستشارة في شركة ألمانية ببوخارست، وتضحي بكل شيء لأجل مهنتها وطموحها في الارتقاء والعمل بشنغهاي. وهي امرأة «حديدية» متوترة لا شيء يثنيها عن هدفها، لا اللهو ولا العائلة ولا الجنس. نكتشفها في الأول في ألمانيا بعيون والدها وينفريد (من تمثيل بيتر سيمونيشك) وهو رجل غريب عجيب شخصيته تجمع بين المهرج والخبير في عالم النفس.. كما ربما هو حال كل أب مع ابنته.
يتقمص سيمونيشك الدور ببراعة قد تقوده إلى إحراز السعفة الذهبية لأفضل ممثل، وربما حتى للثنائي الباهر الذي يكونه مع سندرا هولر التي سبق لها أن أحرزت عام 2006 جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين. الأب ينتابه القلق من وضع إيناس فيحل فجأة ودون سابق إشعار في بوخارست. يتبع ابنته كظلها في حياتها المسطرة المنظمة كالآلة، فيوقعها في مواقف هزلية. لعبة الوالد المفضلة هي تركيب أسنان اصطناعية وشعر مستعار… حتى حين يرافق ابنته إلى موعد عمل بالسفارة الأمريكية!.
وفي المؤتمر الصحفي الذي تلى عرض الفيلم قالت سندرا هولر ذات التجربة الكبيرة في المسرح الدرامي إن الأصعب في هذا الفيلم “كان توليد الفكاهة وفي آن إذكاء المواجهة مع الأب ووجب تبليغ ذلك عبر تمثيل مبطن”. وأضاف سيمونيشك من جهته أن “هذا النوع من الهزل مختلف عن الأشكال الأخرى على غرار مسرحيات فيدو مثلا”، ووصف مهمة الجمع بين الفكاهة والتراجيديا في الفيلم بالـ “خطيرة لكن ناجحة”.
عبر عيون وينفريد، نكتشف قسوة العالم الذي تدور فيه إيناس حيث لا وقت للأكل أو النوم أو الترويح عن النفس، ولا وقت للحب ولا للصدق. كل ما هو خارج عن العمل زائد وزائف، فحياة المستشارة الناجحة التي تنتزع أكبر الصفقات وتسحق منافسيها، تنتهي ليلا مع تناول بعض الكوكايين وممارسة الجنس السادي.
تجن إيناس بأفعال الزائر الغريب، ومع الغضب والخوف والعار والضحك، يعيد لها والدها تدريجيا طعم الحياة التي سرقها منها نظام عالمنا الرأسمالي المعولم. فالفيلم يبسط خلفية مهمة تتناول ظروف عمال النفط في رومانيا ونرى عبرها إشارة إلى المجتمعات الناشئة تحت سطوة السوق وبطش الشركات المتعددة الجنسيات، عبرها مجاز عن استغلال الإنسان للإنسان وعن العمر الذي يمر دون أن نهتم بما هو أساسي.
من هو طوني أردمان؟ هي الشخصية التي ابتكرها الأب ليعيد الخفة والبسمة لابنته. طوني أردمان هو لا أحد، هو نسخة عن الأب، والأب أيضا ليس حقيقيا، فهو ممثل، وزيف الزيف هو الحقيقة. طوني أردمان هو حقيقة السينما التي تحاول أن تحفظ شيئا من الوقت الذي لا يرحم فيجري ويفقدنا إنسانيتنا بسيلانه.
ولا تكتفي مارن آدى بالإخراج فهي أيضا منتجة ناجحة فتدعم مشاريع ذات قيمة عالية على غرار “تابو” و”ألف ليلة وليلة” للبرتغالي ميغيل غوميس.