«واحد تاني» لأحمد حلمي.. يسقط في فخ التكرار والإيحاءات الجنسية

«سينماتوغراف» ـ منى حسين

حاول أحمد حلمي في فيلمه الجديد “واحد تاني” استثمار نجاحه السابق فوقع في فخ التكرار والتشويه، من حيث الاعتماد على تعدد دوره، ففيلم “كده رضا” قام على ثلاثة أشخاص توائم استخدموا اسماً واحداً يتحركون بموجبه، واعتمد على المفارقات التي تحدثها هذه الثيمة، وحققت وقتها نجاحاً لأن فكرتها كانت واضحة وجرى استثمار عناصرها بصورة جيدة.

بينما في فيلم “واحد تاني” وجسّد فيه حلمي دور شخص واحد يتحول إلى شخصين، يوما يصبح فيه اسمه مصطفى واليوم الآخر يصبح أكس، وهما شخصان متناقضان في أشياء كثيرة، الأول طيب وخامل وهادئ، والثاني قوي ونشط وشرير.

تصلح توليفة اللعب على التناقضات في خلق عالم مليء بالإثارة والكوميديا والضحك، غير أن الطريقة التي قدمت بها حملت قدرا كبيرا من الارتباك الظاهر في الحوار، إذا يبدو أن المؤلف هيثم دبور وكأنه قد وضع البذرة وترك السيناريو لآخرين، ولم يتمكن من القبض على زمام الأمور، بينما استغرق في الإيحاءات الجنسية من دون رابط بينها.

وحشد مخرج الفيلم محمد شاكر خضير كتيبة من الممثلين وضيوف الشرف، أبرزهم روبي وأحمد مالك وعمرو عبدالجليل وسيد رجب ونسرين أمين وعمرو وهبة، مع مساحات متفاوتة لدور كل منهم لا تمكّنه من الكشف عن مواهبه بشكل كامل، وحاول أن يمنح كل فنان وفنانة مساحة محدودة أحيانا للحركة والتعبير عن المضمون الرئيسي للفيلم من دون أن تكون كافية لتظهر القدرات الحقيقية.

تقوم فكرة الفيلم حول طبيب يخترع “كبسولة” تعيد النشاط للإنسان، ويقوم أحمد حلمي بتجريبها على نفسه كي يتخلص من خموله ويعود إلى نشاطه المألوف لأصدقائه، وتوضع هذه الكبسولة أسفل الظهر، وجرى توظيف المكان لاستخدامه على أنها توضع في مكان حساس بجسم الإنسان، مع التشبيه بينها وبين “اللبوسة” التي تمنح للأطفال لتخفيض درجة الحرارة عند ارتفاعها.

حملت الكثير من المشاهد إيحاءات بهذا المعني لاستجلاب الضحك وتاه مكان الكبسولة الحقيقي ليحل محله مكان آخر ينطوي على إسقاطات جنسية، تم اللجوء إليها أيضا عندما يتم التفرقة بين شعر كل من مصطفى وأكس، فالأول “نائم” والثاني منتصب.

واستغرق الفيلم في النكات التي كادت تقترب من تحويله إلى فيلم “بورنو” في شكل لا تتجاوز فيه الكوميديا بضع ضحكات سخيفة أحيانا وتاهت الفكرة وسط الاستطرادات المتكررة، والتي حشرت فيه مشاهد بلا مبرر أو سياق درامي يستدعي ذلك.

جرى توظيف دور الفنان عمرو عبدالجليل الذي يقوم بدور شقيقين توأم بطريقة درامية غير موفقة، ربما تم اللجوء إليه أيضا للاستعانة بفكرة التوأمة التي يبدو أن أحمد حلمي سوف يدمنها، فالشقيقان القط والزنط بكل ما حملاه من شر لم يضيفا للعمل شيئا، وكانا مستهلكين عندما استغرقا في أجواء العصابات والمطاردات في سياق آخر بعيد عن العمود الفقري للفيلم.

وجاء دور الفنانة روبي مرتبكا أيضا وقريب الشبه من دور منة شلبي في فيلم “كده رضا” عندما لجأت إلى اللعب على الشخصيتين مصطفى وأكس، كما فعلت شلبي مع الأشقاء الثلاثة بعد أن اكتشفت حيلتهم، ولم تفلح روبي في التعبير عن مواهبها المتعددة التي تمتلكها، وكأنها جاءت لأداء مهمة محددة تتمثل في وجود عنصر نسائي جذاب.

يحتار المشاهد لفيلم “واحد تاني” في الشخصية التي قامت بها الفنانة نسرين أمين، فهي ممرضة في عيادة الطبيب الذي قام بتركيب الكبسولة في جسم مصطفى وجسده الفنان سيد رجب، وفتاة ليل أيضا، حيث تحولت علاقتها للتناوب بين مصطفى وأكس، ما أدى إلى ضياع الخط الدرامي لدورها الذي أصبح مبهما وعصيا على الفهم.

ينطبق أيضاً هذا التيه على دور الفنان أحمد مالك وجاء تكراراً لأدوار سابقة تتمثل في شخصية الفتى الثري المدلل ويعيش حياته بحريّة، فبعد أن أخبر مصطفى على طريق الكبسولة التي تمنحه الحيوية ربطت بينهما علاقة مصالح أملا في الاستفادة من نشاطه المفرط الجديد.

كان يمكن توظيف هذه المفارقة التي خلقها تحول مصطفى إلى أكس، والعكس، في نسج خيوط فنية ثرية لكن ما حدث أن الخيوط تاهت تماما ولم يعد المشاهد قادرا على فك ألغازها، حيث تداخلت وتشابكت بصورة أصبحت صعبة الفهم، وتشعبت بطريقة سريعة لأنها جرت وراء استجلاب الضحك الذي تحوّل إلى هدف في حد ذاته.

انتظر الجمهور من الفنان أحمد حلمي عملا يعيد إليه البسمة التي تنطلق من وجود فكرة متماسكة، لكن ما تضمنه فيلم “واحد تاتي” شخص آخر لا يتناسب مع الموهبة التي يتمتع بها، ويخشى البعض من النقاد أن يكون الفنان المصري استهلك ما في جعبته من أفكار وكوميديا، وسقط في المنطقة الحمراء التي يقبع فيها الآن فنان مثل محمد سعد الذي ظل يكرر شخصية اللمبي الشهيرة حتى فقدت بريقها.

يتمتع أحمد حلمي ببصيرة فنية عالية جعلته يظل في مقدمة الفنانين الذين يجيدون تجديد جلدهم وأدوارهم، لكن عودته إلى استدعاء فيلم “كده رضا” في فيلمه “واحد تاني” تثير الشكوك والمخاوف، لأنه دخل إلى منطقة لم يكن التجديد حليفه فيها، بما يجعل هذا العمل يندرج ضمن أقل الأعمال جودة في السلسلة الطويلة التي قدمها على مدار عقدين، ومعظمها حققت نجاحات مذهلة.

وإذا قيس نجاح الفيلم بشباك التذاكر والقول بأن ازدحام قاعات العرض يكفي لتأكيد أنه جذب عقول الجماهير، فهو مقياس غير دقيق، فالمقارنة تقاس عندما يكون هناك عدد من الأفلام المتنافسة، وفي موسم رمضان السينمائي لم يتم طرح سوى فيلمين هما “العنكبوت” و”الزومبي” بجوار “واحد تاني”، وجرى تصوير الأول ببطولة لأحمد السقا ومنى زكي منذ ثلاثة أعوام وتأجل عرضه بسبب انتشار فايروس كورونا، والثاني يضم أبطال مسرح مصر ويعتمدون على كوميديا الموقف بلا هدف.

وضع فيلم حلمي في مقارنة مع هذين الفيلمين يجعله في مصاف أفلام موسم رمضان هذه الأيام التي تشهد إقبالاً على دور العرض بعد الخروج من وجبة الدراما الدسمة التي قدمت طوال شهر رمضان، ولذلك فالمعيار أكثر دقة في الأسبوعين الثاني والثالث من طرح الفيلم، خاصة إذا أخذنا معيار عدد التذاكر المباعة كمقياس للنجاح.

من الناحية الفنية، تعرض فيلم “واحد تاني” لقصور في الفكرة والسيناريو وكان يجب معالجة الثغرات التي قللت من قيمته، وعلى الأقل توفير الحبكة اللازمة التي تستوجبها الأفلام التي تعتمد على شخصيات متعددة للبطل.

في حالة أحمد حلمي بالذات كان عليه أن يتحاشى المساحة التي تقوده إلى الربط المباشر بين فيلمه الجديد “واحد تاني” وفيلمه القديم “كده رضا”، وهو المحظور الذي أدى إلى وضعه في خانة من دأب على استهلاك أدواره، وعليه أن يجد عملاً يعيده بقوة إلى جمهوره، لأنه من الفنانين المتميزين الذين يحسنون اختياراتهم ويتعلمون من أخطائهم.

Exit mobile version