وحيد حامد تحاوره انتصار دردير ويرد على أسئلة «سينماتوغراف»

هل يتعاون مع السبكى؟، وهل يلتقى ومروان حامد بعد «عمارة يعقوبيان»؟،

وهل يحصل على ضمانات رقابية فى أفلامه؟، ومتى يفرج عن فيلم الثورة؟

السينما هى معشوقته التى منحها أجمل وأجرأ أفكاره، فكشفت لنا كثير من المواقف الملتبسة وأضاءت لنا دروب العتمة، وأضافت لحياتنا أبعادا جديدة، وحيد حامد هو أحد عشاق السينما الكبار، بدأها كاتبا وخاضها منتجا فقدم لها عشرات الأفلام الجريئة التى فجرت قضايا عديدة، وكانت بمثابة صرخة مدوية ضد الفساد والارهاب وتغول السلطة، كثيرا ما اصطدمت  أفكاره بالرقابة، لكنها انتصرت فى النهاية، فهو لايقبل أى تنازل فيما يكتب ويؤمن به، وقد منح السينما عمره، ومنحها إبنه الوحيد المخرج الشاب مروان حامد الذى تفتحت مداركه على حب السينما.

وحيد حامد تجربة استثنائية فى السينما المصرية، اذ تبقى أفلامه تعبر بشكل صادق عن هموم وأوجاع المجتمع، وتضعنا فى مواجهة عاشق فريد للكتابة والسينما منذ أول أفلامه «طائر الليل الحزين» وحتى أحدثها «قط وفار».

على طاولة بأحد فنادق الخمس نجوم تتدفق دوما أفكاره، يمنحه النيل المتدفقة مياهه أمامه احساسا باستمرارية الحياة، يحب الكتابة وسط الناس لأنه يكتب عنهم ولهم، يجلس وحيد حامد وأمامه عشرات الأوراق والأقلام وحقيبة جلدية و«آى باد» لايستخدمه فى الكتابة فهو يكتب بخط يده وبطريقة منمقة، قليلا مايشطب، تبدو أفكاره طيعة وهى تعانق الأوراق، كجنين اكتمل نموه وصار يتعجل مصافحة النور، ورغم أنه يعكف على كتابة الجزء الثالث من مسلسل «الجماعة»، لكن السينما هى الحاضرة فى حوار «سينماتوغراف» معه.

– السينما تحتاج لمن يخرجها من عثرتها، هكذا يبادر مستطردا: اذا كانت السينما سلعة، فإن الحالة العامة فى المجتمع تجعل الناس عازفة عنها، فالرواج السينمائى مفقود حاليا، وحين يستعيد المجتمع عافيته، سوف تزدهر السينما ويعود الناس اليها، السينما انعكاس لحالة المجتمع، وقد عرض لى منذ شهور فيلم «قط وفار» فى وقت ملتبس، كانت هناك تهديدات طالت دور العرض السينمائى، وقد تابعت ردود فعل جيدة للفيلم من الجمهور على مواقع التواصل الاجتماع ، ومن نقاد السينما أيضا، وعندى تجربة مختلفة فى فيلم «اضحك الصورة تطلع حلوة » الذى لم يحقق نجاحا تجاريا عند عرضه السينمائى لكنه حين عرض تليفزيونيا حقق نجاحا غير عادى وأصبح أيقونة سينمائية.

– السينما العربية سينما ناهضة لكن بعض النقاد عندنا يعطونها أكثر من حقها لأسباب غير مفهومة بالنسبة لى، فيبالغون فى رؤيتهم، والمبالغة تضر لكن الموضوعية قد تفيدها أكثر، والسينما فى النهاية للناس، الفيلم الناجح هو الذى يستطيع أن يصل برسالته الى الناس.

– بالطبع لا، فهناك أفلام تجارية تحقق رواجا جماهيريا، لكن لاينطبق عليها ما أقوله، أقصد وصول رسالة العمل الفنى للجمهور.

– يعمل بصناعة السينما آلاف من الفنيين والعمال والمساعدين بل وحتى الممثلين، هؤلاء جميعا حين تتوقف الصناعة كيف سيعيشون، أما مسألة جودة الأفلام والذوق العام، فأن فى امكان السبكى أن ينتج أفلاما جيدة، وأنا شخصيا حين كنت رئيسا للجنة تحكيم المهرجان القومى قبل عامين منحنا كلجنة تحكيم جائزتين لأحد أفلام السبكى احداهما للمخرج هادى الباجورى والأخرى للانتاج، وأرى أن الذى ينتج فيلما ضعيفا يستطيع أن ينتج فيلما جيدا، وكان المنتج رمسيس نجيب هو أفضل من يفعل ذلك، فكان ينتج أفلاما لاسماعيل يس وينتج أفلاما لفاتن حمامة، المشكلة أن الغالب فى انتاج السبكى أفلام قليلة التكلفة تعتمد على الموضوعات الشعبية، وأظن أن هذا المخزون  قد انتهى.

– أظنه من الصعب أن يحدث ذلك لسبب بسيط، أننى أتعامل مع سيناريوهات أفلامى معاملة الأب لأبنائه، لاأحب أن يربيه غيرى، لكن السبكية يهيمنون على الفيلم بشروطهم، وأنا أحب أن أضمن لفيلمى ظروف انتاجية جيدة لا أتنازل عنها، وقد دخلت مجال الانتاج لرفضى محاولة عبث بمشهد أكتبه، فقد كتبت مشهدا لفيلم «اللعب مع الكبار» يتضمن ركوب عادل إمام وحسين فهمى «التروماى» وجاءنى المنتج وقال: ما رأيك أن نجعل البطلين يلتقيان على المحطة بدلا من أن يستقلا الترماى توفيرا للنفقات، فقررت انتاج الفيلم لأن عينى ظلت دوما على الصورة السينمائية، فما بالك الآن، فأول شرط لى مع أى منتج هو أن ينفذ رؤيتى كاملة، فلو كتبت أن المشهد يحتاج 100 كومبارس، فلا أقبل تنفيذه بأقل من ذلك.

– اطلاقا لم تستهونى، لكن هناك أفلاما وجدتنى مدفوعا لانتاجها وهى تحديدا: طيور الظلام، النوم فى العسل،  المنسى، سوق المتعة، اضحك .. الصورة تطلع حلوة، الى جانب اللعب مع الكبار، وكان كل همى أن يظهر كل فيلم كعمل فنى متكامل وأن أنفق ميزانية الفيلم على الفيلم وأكتفى بأجرى كمؤلف، لذلك لم  أكسب ماديا من أفلامى.

– هذا وجه آخر للانتاج، فقد عطلنى عن الكتابة، ثم الضرائب التى تتعامل مع الناس من منطلق أنهم متهربون بطبيعتهم، ومهما سعيت لاثبات العكس لن يصدقوا ، لذلك أوقفت نشاط شركة الانتاج.

– حقيقة الأمر أنه ظلت لأفلامى حماية، وهى متاحة لكل الناس وأعنى بها قانون الرقابة نفسه فهو منصف جدا للمبدعين، ومن يدرس قانون حق المؤلف يعرف يأخذ حقه، فالرقابة وفقا للقانون ليس من سلطتها تعديل السينارية والمادة 7 من قانون حق المؤلف تقول أن المؤلف هو صاحب الحق الوحيد فى مصنفه الفنى ولايجوز لغيره التدخل بالحذف أو الاضافة، واذا رفضت الرقابة العمل فهناك لجنة تظلمات وهناك محاكم، لكن المشكلة أن بعض المؤلفين لديهم استعداد دوما للتنازل و«نفسهم قصير» فى الدفاع عن أعمالهم وربما كان جهلهم بالقانون سبب ذلك.

– فى «الغول» كتبت الرقابة تقريرا كاد يحيلنى الى حبل المشنقة، ولم أتاجر فى أى يوم بموقف الرقابة كما يفعل البعض، أما «البرئ» فهو من أكثر الأفلام التى تعرضت لمجزرة، ولم يكن ذلك بفعل الرقابة فقد أجازته كاملا السيدة نعيمة حمدى مدير الرقابة فى ذلك الوقت، لكن الفيلم تعرض لوشاية من أحدهم قدم شكوى للأجهزة الامنية وتحدد يوما لكى يشاهده وزير الداخلية اللواء أحمد رشدى والمشير أبو غزالة وزيرالدفاع وفاروق حسنى وزير الثقافة، وخشى المنتج صفوت غطاس من رفض الفيلم، فقام بنفسه بحذف لقطات ومشاهد، وكان لديه مايبرر ذلك وهو رغبته فى عرض الفيلم خوفا على فلوسه، وطبعا كان معه حق لأن المنتج حين يدفع تمويلا لعمل يريد أن يسترده بسرعة، وهذا الفيلم كان من الأفلام شديدة الجرأة، وأفلامى لايمكن أن تساندها حكومة.. فهل هناك حكومة توافق على فيلم يكشف عوراتها ويهاجمها.

– طوال عمرى أستفيد برأى النقاد، سواء كان معى أم ضدى، والناقد يكتب وجهة نظره وقد تكون صحيحة أولا، وقد يعجب الفيلم أحد النقاد ولا يعجب الآخر، ولم يحدث طوال عمرى أن عاتبت ناقد لهجومه أوشكرت آخر لمدحه فيلمى، فقد تعلمت الاستفادة من الأراء التى مع أو ضد الفيلم لكن يبقى العنصر الأهم عندى فى  مدى استقبال الجمهور الواعى للفيلم.

– لست أنا من إختار مروان ليخرج «عمارة يعقوبيان» بل إختاره عماد أديب منتج الفيلم، وانا أفضل أن يغرد ابنى فى أى سرب يلائمه، وأتعامل معه مثل تعاملى مع أى مخرج، فاذا وجدت نصا يناسبه فقد أعرضه عليه وهو من حقه أن يقبل أو يرفض، وهناك مشروعات اتفقنا عليها وحال إنشغالى دون إتمامها فنفذها مع آخرين.

– كلما سأنى أحدهم عن رأيي فى الفيلم أقول شهادتى مجروحة فكيف أقيم إبنى، لكننى فى الحقيقة كنت سعيدا للغاية بنجاحه، وسعيدا أكثر لكونه محل احترام وتقدير من العاملين فى الوسط الفنى الذين يشيدون بأخلاقه وموهبته.

– ليس عندى أفكار أغلق عليها أدراج مكتبى، بالعكس ففى هذه الأيام المرتبكة التى نعيشها يجب اذا كان لدى أى أحد شئ طيب ان يدفع به الى الساحة، ليستفيد منه الناس.

– حينما تتضح الأمور كلها سأكتب عن هذا الحدث الكبير، فمع كل يوم يمضى تتكشف وقائع كنا نجهلها، لذا فالتمهل ضرورة لتكوين رؤية ثاقبة، أما التسرع فى تناولها عبر أفلام فهى مثل «رغوة الصابون» سرعان ما تنقشع ولايبقى شيئا منها فى الذاكرة.

 

 

 

Exit mobile version