غيب الموت اليوم الناقد الكبير سمير فريد بعد وطأة متاعب صحية ألمت به فى الفترة الأخيرة، لنفتقد هذا القلم الفريد الذى طالما أمتعنا بكتاباته واكتشافاته السينمائية، لأفلام ومخرجين وكتاب، ليس على مستوى السينما المصرية فحسب بل أنه أحد النقاد القلائل الذى انفتح بنفس القدر على السينما العربية والعالمية.
ولذلك لم يدهشنى هذا الاحتفاء العربى الكبير به فى ندوته خلال دورة مهرجان القاهرة السينمائى الماضى، فقد حضرها سينمائيين من كافة الاقطار العربية، جاءوا قبل موعد انعقاد الندوة بوقت طويل، جلسوا يترقبون ظهوره، ويتحلقون حوله، ويلتقطون الصور معه، وكأنها اختلاس للحظات قبل رحيله، فقد كانت الندوة من أجل مناقشة كتابه «سينما الربيع العربى» الذى صدر ضمن مطبوعات الدورة الـ38 لمهرجان القاهرة السينمائى، وهو الأول فى المكتبة السينمائية الذى يتعرض للأفلام التى أفرزتها هذه الفترة بعد خمس سنوات من اشتعال ثورات الربيع العربى التى انطلقت من تونس وامتدت الى مصر وليبيا واليمن وسوريا.
ورغم أننا نعتقد أن الانتاج السينمائى العربى خلال السنوات الخمس الماضية تأثر سلبا «كما وكيفا» فى دول الثورات، الا أن سمير فريد كشف فى كتابه أن السينما العربية أفرزت فى تلك الفترة أفلاما مهمة مما دفع المهرجانات السينمائية الكبرى فى العالم مثل كان وبرلين وفينيسيا للاحتفاء بهذا الانتاج الذى وإن بدا متعجلا الا أنه يكشف عمق تأثير الثورات العربية، والتى يؤمن بها فريد أشد الايمان ويراهن على أنها ستفرز خلال السنوات القادمة مزيدا من الابداعات السينمائية.
ورغم أن الندوة كانت لمناقشة ماطرحه فريد فى كتابه الا أنها تحولت لمظاهرة حب ووداع للناقد الكبير فكل من تحدثوا حكوا عن عمق تأثيره على مسيرتهم الفنية سواء بكتاباته النقدية التى تناول فيها أفلامهم وتجاربهم الأولى أو بمتابعته المباشرة لأعمالهم وتوجيهه لهم، أو حتى بانتقاده لأعمالهم واستفادتهم من ملاحظاته، الى حد أن المخرج الفلسطينى رشيد مشهراوى كشف عن حرصه على أن يكون سمير فريد أول من يقرأ سيناريوهات أفلامه وأول من يشاهد النسخة الأولى منها، ذلك لأن الناقد الكبير اكتسب ثقافة سينمائية واسعة انطلقت من شغفه الشديد بالسينما ودراسته للنقد بأكاديمية الفنون، ثم كتاباته عنها وحضوره الدائم فى المهرجانات العالمية التى احتفت به كثيرا، فحصل على ميدالية مهرجان كان خلال دورته عام 2000 كما ساند ودعم كثير من المهرجانات العربية فى انطلاقتها الأولى وشارك فى تأسيس بعضها كمهرجان أبوظبى السينمائي.
وحين تولى رئاسة مهرجان القاهرة السينمائى قبل عامين، استطاع سمير فريد أن يضيف له مسابقات جديدة فى أقسام موازية مثل «آفاق السينما العربية» و«أفلام الغد» و«أسبوع النقاد» وقد أتاح من خلالها لنقابة السينمائيين ومعهد السينما وجمعية النقاد لتشارك بقوة فى المهرجان، وهو ماحقق ثراءا لمسابقات القاهرة السينمائى.
وتنوعت كتابات سمير فريد الذى أثرى المكتبة السينمائية بـ55 كتابا مهما، واتسمت كتاباته بالموضوعية وتشجيعه للمواهب الحقيقية ودفعه لها، لذا يبدو غياب مقاله وتباعد كتاباته ملحوظا فى أوساط المهتمين بالسينما والنقد.
تحية عرفان وتقدير ووداع للناقد الكبير رغم كوننا جميعا كنا نترقب عودته واستعادته لصحته وكتاباته ومعاركه وولعه بالسينما التى يعد أحد عشاقها المخلصين.