ـ انتصار دردير
غيب الموت المخرج الكبير محمد خان فجر اليوم بينما كان يستعد لبدء تصوير احدث أفلامه “بنات روزا” الذى كتبته زوجته وسام سليمان واختار لبطولته غادة عادل، لتفقد السينما المصرية أحد مخرجيها الكبار وأحد عشاقها كاتبا ومخرجا وممثلا ومنتجا، ظل يعمل حتى آخر انفاسه وقد قال فى آخر حواراته لسينماتوغراف (لو ابتعدت عن السينما اموت).
أثرى مكتبتها بـ24 فيلما كانت بحق مرآة صادقة لهموم المجتمع المصرى خلال حقبة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضى، وقد شكل محمد خان مع عاطف الطيب وداوود عبد السيد وخيرى بشارة موجة الواقعية الجديدة فى السينما المصرية التى غرقت فى بحر الواقع لتصوره بكل أخطائه وخطاياه وتحقق صدمة لمشاهديها، فخرجت كاميراتها الى الشوارع تلتقط التفاصيل المؤلمة الصادمة، وواجهت أفلامهم هجوما كبيرا من فرط واقعيتها واتهم مخرجيها مرارا بأنهم يسيئون الى المجتمع.
محمد خان المولود فى مصر لأب باكستانى وأم مصرية فى 26 اكتوبر 1942 رفض تماما فكرة الابتعاد عن مصر بعد ان انهى دراسته للسينما فى لندن عاد اليها لتكون حاضرة فى كل أفلامه برغم انها لم تمنحه جنسيتها الا منذ عامين فقط، وظل يعامل على أنه أجنبى برغم مصريته الشديدة.
خان صاحب المسيرة السينمائية الطويلة التى بدأت اواخر سبعينات القرن الماضى وتأكد اتجاهه السينمائى مع بداية الثمانينات، فرغم نجاح اول أفلامه “ضربة شمس” 1978 الذى لعب بطولته نور الشريف أمام نورا وليلى فوزى، والذى لفت الانظار لموهبة خان السينمائية وقدم بعده فيلمى “الرغبة” 1979 عن رواية “جاتسبى العظيم” وبطولة نور الشريف ومديحة كامل، و”الثار” 1980 لمحمود يس ويسرا.
انطلاقة الثمانينات
الا أن بدايته الأقوى والتى المحت لتميز موهبته جاءت من خلال فيلم “طائر على الطريق” الذى كتب قصته مع بشير الديك ولعب بطولته احمد زكى وفريد شوقى وآثار الحكيم وحقق الفيلم نجاحا جماهيريا عند عرضه فى 14 ديسمبر 1981 وفاز بجائزة لجنة التحكيم فى مهرجان نانت للقارات الثلاث، وتلاه فى نفس العام فيلمه البديع “موعد على العشاء” الذى كتبه بشير الديك ولعبت بطولته النجمة الكبيرة سعاد حسنى أمام أحمد زكى وحسين فهمى وجاء عرضه قبل شهر واحد من عرض “طائر على الطريق” ليضع الفيلمان مخرجهما فى قائمة الموهوبين الجدد من مخرجى السينما المصرية.
وتوالت نجاحاته الكبيرة فقدم فى 1982 “نص ارنب” الذي كتبه بشير الديك ولعب بطولته محمود عبد العزيز وسعيد صالح ويحيي الفخرانى امام هالة صدقى، ثم جاء فيلمه “الحريف “1983 من بطولة النجم عادل امام وفردوس عبد الحميد والذى فاز عنه بجائزة أحسن مخرج من جمعية الفيلم 1985
وجاء فيلمه “خرج ولم يعد” 1984 ليرصد تحولات المدينة بكل تناقضاتها وقسوتها التى ضاق بها بطلها فيغادرها الى الريف، وهناك يعيد اكتشاف ذاته ويقرر البقاء به وعدم العودة الى المدينة، وقد لعب بطولته يحى الفخرانى وليلى علوى وفريد شوقى وقد فاز الفيلم بجائزة التانيت الفضى من مهرجان قرطاج فى نفس العام.
وتتوالى أفلامه فيخرج ثلاثة أفلام خلال عام 1986 وهى “مشوار عمر” لفاروق الفيشاوى ومديحة كامل، “يوسف وزينب” لفاروق الفيشاوى أيضا وليلى علوى، و”عودة مواطن” ليحيى الفخرانى ومرفت أمين، وهو الفيلم الذى يتعرض فيه لسفر بطله للخارج ثم عودته ليجد أن كل شئ تغير فى المجتمع فيشعر بغربة شديدة.
زوجة رجل مهم وأحلام هند
وفى عام 1987 يحقق خان انطلاقة سينمائية كبيرة بفيلمه الجرئ “زوجة رجل مهم” مع المؤلف رؤوف توفيق والفنان أحمد ذكى ومرفت أمين، ورغم الضجة التى آثارها والمعوقات الرقابية التى صادفها الا انه تم عرض الفيلم بدون حذف بموافقات امنية ليكون اول فيلم يتعرض لتجاوزات الشرطة فى احداث 18 و19 يناير، وحصل به على جائزة السيف الفضى لمهرجان دمشق السينمائى ثم يواصل خان رحلته مع المهمشين فى المجتمع من خلال فيلم “أحلام هند وكاميليا” لنجلاء فتحى وعايدة رياض وأحمد ذكى ويتعرض من خلاله لحياة خادمتين وأحلامهما البسيطة التى لا تتحقق، وخلال فترة التسعينات يقدم مع نجلاء فتحى كممثلة ومنتجة فيلمه “سوبر ماركت” 1990 الذى حصل على جوائز عدة من جمعية الفيلم ومهرجان المركز الكاثوليكى، وفى 1991 يقدم “فارس المدينة” بطولة محمود حميدة ولوسى، ثم “الغرقانة” مع نبيلة عبيد ومحمود حميدة أيضا، و”مستر كاراتيه” الذى يجمعه مجددا برؤوف توفيق كمؤلف وأحمد زكى كممثل، و”يوم حار جدا “مع شيريهان ومحمد فؤاد ومحمود حميدة.
أيام السادات
وفى تجربة مثيرة لدراما السيرة الذاتية يقدم خان فيلمه “أيام السادات” 2001 مع أحمد زكى وميرفت أمين ومنى زكى ويكشف فيه عن تفاصيل وأحداث من حياة الرئيس الراحل ورغم الخلافات التى نشبت بينه وبين الفنان لأحمد زكى خلال فترة التصوير الا ان الفيلم نجح جماهيريا ونقديا وعلى خلاف أغلب أعمال السير الذاتية فقد حظى الفيلم بمباركة السيدة جيهان السادات حرم الرئيس الراحل .
ومع تراجع حجم الانتاج فى السينما المصرية وتباعد الفرص أمام محمد خان يخوض تجربة التصوير بنظام الديجيتال من خلال فيلم “كليفتى ” لكنها لم تلقى قبولا ولم يحظى الفيلم بتوقيت عرض مناسب.
مرحلة وسام سليمان
بعد زواجه بكاتبة السيناريو وسام سليمان استطاع ان يقدم معها نوعية جديدة من الأفلام التى حققت نجاحا جماهيريا بدأت بـ “بنات وسط البلد” 2005، لمنة شلبى وهند صبرى، “فى شقة مصر الجديدة” 2007 لغادة عادل وخالد أبو النجا وحصل الفيلم على وسام الاستحقاق الوطنى من تونس، ثم “فتاة المصنع” الذى مثل مصر فى مهرجان دبى 2013 وحصدت فيه بطلته ياسمين رئيس على جائزة أحسن ممثلة
قبل زحمة الصيف..
وفى مهرجان دبى الماضى الذى ارتبط به ارتباطا عاطفيا كبيرا وكان حريصا على حضور أغلب دوراته ،شارك فى دورت الاخيرة بفيلمه الاخير “قبل زحمة الصيف” لهنا شيحة وماجد الكدوانى، ورغم أنه لم يفز بجوائز الا أنه آثار ضجة بتقديمه لفيلم مختلف تماما عما توقعه الجمهور منه وشهد العرضين الذين أقيما له زحاما شديدا وردد البعض ان خان يحاول أن يغازل شباك التذاكر بتقديمه للبطلة فى مشاهد بمايوه ساخن الا أن خان دافع عن فيلمه بحرارة وقال فى حواره لمجلة سينماتوغراف نشرته فى عددها التجربيبى الاول قائلا “السينما يجب أن تتحرر من كل التابوهات ولايجب ان تتحجب، والفيلم تدور أحداثه على شاطئ البحر فهل يذهب الناس بالبدلة وفستان السهرة الى البحر ؟ ورغم انه يقدم من خلاله فكرة بسيطة ومشاهد طبيعية على البحر تنطق بالجمال الا ان الفيلم لم يحقق نجاحا فى دور العرض خلال الموسم الماضى.
خان مؤلفا وممثلا
أغلب أفكار أفلامى من تأليفى غير أننى احب أن أسندها لكتاب سيناريو لاراها بعين اخرى ورؤية مختلفة، هكذا أكد لنا خان عشقه للسينما حيث كتب كثير من سيناروهات افلامه وأغلب افكارها فكتب أفلام “ضربة شمس”، وقصص أفلام الثأر، طائر على الطريق، موعد على العشاء، نص أرنب، الحريف، مشوار عمر مع رؤوف توفيق، أحلام هند وكاميليا ، سوبر ماركت، فارس المدينة، كليفتى وافلامه مع زوجته وسام سليمان وحتى فيلمه الاخير “قبل زحمة الصيف” الذى اسند كتابة السيناريو والحوار فيه لمؤلفة جديدة هى غادة شهبندر.
وعلى مستوى التمثيل فقد أحب محمد خان الكاميرا وأدى أدوار متباينة فى أفلام “العوامة 70” لصديقه خيرى بشارة، “واحدة بواحدة” لنادر جلال، “ملك وكتابة” لكاملة أبو ذكرى، وفيلم “عشم” لماجي مرجان.