يارا نحلة تكتب من بيروت: مهرجانات السينما العربية.. المشكلة ليست في الفساتين

بيروت: «سينماتوغراف» ـ يارا نحلة

كعادتها، تثير المهرجانات السينمائية العربية جدلاً واسعاً، يبدو أنه آخذ في للتفاقم عاماً بعد عام، حيال هدفها وقيمتها الفنية: هل هي السينما أم الموضة؟ وفيما يطاول النقد، الجانب التنظيمي من هذه المهرجانات، إضافةً الى أسس ومعايير تكريم النجوم، تتمحور السجالات والانتقادات الموجهة من الإعلام والجمهور، بشكلٍ أساسي، حول الـ”ريد كاربت”. فالسجادة الحمراء، والتي يفترض بها أن تكون جزءاً من هذه المهرجانات، قد أصبحت في رأي كثُرٍ تحتل المساحة الأوسع من هذه الفعاليات وتكاد تختزلها، مع المبالغة بتوجيه الاهتمام الى الاطلالات والفساتين وإهمال السينما.

الانتقاد الأكثر تواتراً في هذا الخصوص، هو عن استعارة تقليد الـ”ريد كاربت” من الغرب وإعادة تقديمه للجمهور العربي، من دون إقامة أي إعتبار للاختلافات الثقافية والاجتماعية، فضلاً عن الحساسيات الدينية التي تولي كثيراً من الاهتمام لموضوع الحشمة والتواضع في الملبس. وتعدّ السجادة الحمراء وسيلة النجوم، والنجمات بشكل خاص، لاستعراض الجمال والمال من خلال الأزياء والمجوهرات. من هنا، يستفزّ الظهور الباذخ وغير المحتشم للفنانات، حفيظة المشاهد العربي، لا سيما مَن يعتبر أن جودة المنتج السينمائي ليس على قدر تطلعاته، أو النوع الآخر، الذي يرى في السينما نفسها فنّاً منافياً للأخلاق والقيم الدينية.

أما الإعلام العربي، فهو ينقسم بين انتقاد هذه الظاهرة والمشاركة في صنعها. وعلى غرار التغطية الغربية لهذا النوع من المهرجانات، نرى الكثير من المقالات والريبورتاجات العربية المخصصة لتقييم إطلالات الفنانات والمقارنة بينها، تقييم يختزل شخص الفنانة في رقمٍ من 1 الى 10، رغم محاولتها التفرّد والتعبير عن الشخصية التي تقبع خلف الفستان. وعليه، تُمدح فنانات وتُسدّد صفعات قاسية لفناناتٍ أخريات فشِلن، رغم محاولاتهن الواضحة، في تحقيق معايير الجمال العصرية شبه المستحيلة، التي لا مكان فيها لتعدّد الأنماط الجسدية أو لبروز أثر التقدّم في السنّ من تجاعيد أو فقدان الرشاقة والنحف.

وبطبيعة الحال، نالت النساء النصيب الأكبر من السخرية والتنمر، إما لأنهن يغالين في إظهار أجزاء من أجسادهن خلافاً للعادات العربية، أو لأن هذه المغالاة “لا تتناسب مع سنّهن”، وهي سردية غالباً ما نسمعها في العالم العربي، تحمل في طياتها كراهية مزدوجة ضدّ النساء المتقدّمات في السنّ وتدعوهن الى التستّر والتخفي.
إن التعليقات والتقييم القاسي لمظهر النساء ليس بالأمر الجديد، وهو نابع من تقليد قديم قائم على خلق أجواء من المنافسة بين النساء، ووضعهن في مواجهة بعضهن البعض في سعيهن للحصول على استحسان المجتمع ورجاله. وانطلاقاً من روح المنافسة هذه، تبذل النساء جهدهن للفت الأنظار وسرقتها من زميلاتهن، فنرى أزياء وإطلالات غرائبية، مثل فستان الفنانة نجلاء بدر في مهرجان الجونة، والذي استلهمته من زي لاعب مصارعة.

من جهةٍ أخرى، يحرص النجوم، وهذا ينطبق على الجنسين، على استعراض ثرائهم وذلك من خلال ارتداء أزياء من تصميم مصممين عالميين، إذ لا يكفي أن يظهر النجم بـ”ماذا يرتدي” بل “من يرتدي” أيضاً، وهو سؤال أولت له المهرجانات الغربية، الأميركية خصوصاً، اهتماماً كبيراً، إضافة إلى اهتمامها بالمجوهرات التي خصّص لها ما يدعى بـ “Mani-Cam” وهو صندوق تضع فيه النجمات أصابعهن كي تلتقط الكاميرا صوراً مقربة لخواتمهن المرصعة بالألماس والأحجار الكريمة.

باختصار، كل ما يجري ويتم النقاش حوله في المهرجانات العربية قد سبق حصوله، وبشكلٍ مضاعف، في المهرجانات العالمية، وعلى امتداد عقود، حتى أصبح الأمر مكرراً ورتيباً. ومن هنا، أخذ النجوم يبحثون عن سبل بديلة للفت الأنظار أو للتعبير عن احتجاج صادق ضدّ هذه المظاهر الاستعراضية غير الصحية، مفتتحين حقبة “تسييس السجادة الحمراء” التي ما زالت مستمرة منذ سنوات. ومن الأمثلة التي يمكن ذكرها في اطار استخدام النجوم للسجادة الحمراء من أجل اطلاق مواقف سياسية، إقدام بعض الفنانين الذكور على ارتداء أزياء نسائية (فساتين وسكربينات) أو الفنانات الإناث على ارتداء بذلات رجالية رسمية بدلاً من الفساتين الزاهية. هذا فضلاً عن استغلال بعض الفنانات لمنابر المهرجانات العالمية من أجل القاء خطب مناصرة لحراك “Me Too” والاعتراض على ثقافة الاغتصاب والتحرّش الجنسي.

إن هذا النوع من التسييس ما زال غائباً في المهرجانات العربية، لكن في بلادٍ تضع قيوداً صارمة على جسد المرأة، ألا يمكن اعتبار خيار فنانة مثل رانيا يوسف بإظهار جسدها و”مفاتنه” في أكثر من مناسبة، رغم الانتقاد والتنمر والاستنفار الذي وصل الى حدّ تقديم أكثر من بلاغ ضدّها ومطالبة نقابة الممثلين بتعليق عضويتها، ألا يمكن اعتبار ذلك موقفاً سياسياً شجاعاً في الدفاع عن الجسد وحقه في الظهور؟

الأزمة ليست في استعراض الفساتين، فلطالما كانت الموضة جزءاً من السينما باعتبار الأخيرة فنّا بصرياً مرتبطاً بشكل مباشر بالجماليات وإثارة الرغبات. المعضلة الحقيقية هي في استئثار إطلالات المشاهير بالأضواء، بينما تقبع الأفلام والصناعة السينمائية في الظلّ. واللوم هنا ليس على الفنانين أنفسهم بل على الجهات المنظمة، إضافةً الى الإعلام المواكب لها. والحقيقة هي أن المشاهير، والنساء خصوصاً، ورغم مشاركتهن في الترويج لثقافة الجمال المحدّد بمقاييس غير عادلة، وثقافة تعييب الأجساد التي لا تنطبق عليها هذه المقاييس، إلا أنهن أولى الضحايا لها، لما يتعرضن له من ضغوطٍ من أجل الظهور بحلّةٍ تنال موافقة الشرطة المجتمعية وتجنبهن التنمر. لكن قلّما يحصل ذلك.

Exit mobile version