بقلم ـ خيرية البشلاوى
وحدي جلست في صالة سينما مترو بالإسكندرية في حفلة الساعة السادسة يوم الخميس الماضي.. قبل أن أقطع التذكرة نبهتني الموظفة بأنني ساكون وحدي تماما في الصالة فهل أوافق؟ سألتها ألم يحضر أحد؟؟
اجابت: كان فيه أربعة غيروا التذكرة بعد أن اكتشفوا انهم سيكونون لوحدهم في الصالة.
في الطريق إلي صالة العرض نبهني الموظف بان مفيش حد غيري.. أعدت السؤال الذي كنت وجهته إلي موظفة الشباك: أليس الأمن مستتبا.. وبدوره قال “لا متخفيش”.
وبعد وصله قبل بداية الفيلم حضر رجل مع زوجته.. تنفست الصعداء.. وبعد وقت قصير حضر ثلاث فتيات شعرت بالونس لوجودنا وجلست للفرجة.
في “الاستراحة” زادت الألفة وسألتني إحداهن “فهمت حاجة”؟!. هيه إيه القصة؟ “مفيش حاجة نقدر نمسكها”!!
وبعد انتهاء الفيلم سألوني يمكن تقولي لنا ايه الموضوع؟ هو فيه كده؟؟ واحده تنام مع راجل. وجوزها في نفس الفرح. وواحد يقطعوا له ـ لا مؤاخذة ـ ويرموه عريان في الخلا؟؟ “طب وايه رأيك في “الرقاصة”.
وكانت إجابتي السريعة: بشعة ومقرفة حقيقي.. وهي فعلا كذلك.. شكلاً وموضوعاً.
هذه تفاصيل ربما لا تبدو ضرورية.. ولكنها بالنسبة لي مؤشر يؤكد لي أن صناع الفيلم من المؤلف إلي المخرج الي صاحب الفكرة إلي التفاصيل التي تتضمن “كوارث” و”سخافات” علي عدة مستويات تؤكد مرة ثانية ـ أن هؤلاء الذين أنتجوا مثل هذا الفيلم “الماء والخضرة والوجه الحسن” يعيشون في واد غير ذي زرع وغير ذي ناس وغير ذي معرفة وأجهل من الاثيوبي في معرفة الواقع المصري في قرية أو شبه مدينة اقليمية محددة اسمها “بلقاس” في محافظة الدقهلية. القريبة جغرافيا من “الشرقية” التي ولدت فيها وأعيش وقت.. ليس قليل من السنة مع أهل إحدي قراها.
ما يقدمه نصر الله محض خيال شاطح أقرب إلي الخرافة. سواء في رسمه للشخصيات ونوع العلاقات وشكل الصراعات ومظاهر الانحراف. وفي تكريسه المتعمد والمألوف بالنسبه لهذه النوعية من الانتاج البذيء والرديء وتكريسه لأقبح ما يمكن أن تفرزه عصور التدني الفني والثقافي. وفي هذا العمل تحديدا تطل علينا واحدة من اكثر الراقصات بعدا عن الفن والذوق واكثر المطربين تشويها من حيث الاداء ولغة الجسد برغم حنجرته القوية.
الطبقة المتوسطة
نصر الله في هذا العمل ينتقل من “المرسيدس” إلي “التوك توك” من عالم الطبقة المتوسطة بتشوهاته التي يعرفها الي عالم تقول معطيات الفيلم انه لا يعرفه الا علي مستوي الشكل الخارجي المحروم من اي فهم لطبيعة العلاقات الاجتماعية ولا السلوكيات والتقاليد الانسانية.. لا يكفي الملامح الظاهرية ولا رتل “التكاتك” “جمع توك توك” المغطاة بالزينة الملونة المبهرجة لوسيلة مواصلات ومظهر من مظاهر الاحتفالات في بيئة مشوهة ومنهارة اخلاقيا. وانسانيا واصبحت مسخا بلا وجود الا في خيالات صناع الماء والخضرة والوجوه المسخ والعقول الممسوحة في عمل مصطنع.
فكرة الفيلم
المفارقة أن فكرة الفيلم التي تتناول أسرة من “الطباخين” الذين دأبوا علي ممارسة مهنتهم في الافراح وبيوت الاعيان في المناسبات المختلفة وصراعها مع وافد طفيلي من أسرة ثرية يتطلع إلي المال والسلطة.. فكرة كان من الممكن أن تكون وسيطا مبتكرا لسرد حكايات وصراعات وطرائف من أزمنة توالت وطالها التغيير وحلت عليها كوارث “المستوردة من اشكال التواصل ومنها وسيلة “التوك توك” الذي انتشر كالذباب في أنحاء مصر قراها ومدنها الصغيرة والكبيرة!!
لكن هذه الفكرة تحولت إلي نسخ لعدد من المسوخ البشرية أولهم الشخصية طاعنة السن “انعام سالوسة” منكوشة الشعر سليطة اللسان والجدة الكبيرة لأسرة الطباخ يحيي “علاء زينهم” ثم “أم رقية” السيدة حديثة العهد بالنعمة المتسلطة استعراضية النزعة سقيمة الذوق وحشية السلوك تنام والأسد في سريرها وتطلق أسراب “النحل” علي من يتصدون لنفاقها واكاذبها وطموحها إلي الثراء والسلطة تؤدي دورها “صابرين”.
المطبخ التقليدي
وكان من الممكن أن تتحول أجواء المطبخ التقليدي الذي عرف صاحبه بعض اصناف الطبخ والحلوي الحديثة إلي حالة من البهجة التي تنطوي علي قدر غير قليل من الحرمان والكبت وغياب القانون باعتبارها تربة حاضنة للتخلف والعنف الذي ظهر في عملية الانتقام الوحشي من “عاشور” محمد الشرنوبي الذي تزوج عرفيا من شقيقة رجل البلدة الثري “فريد” “محمد فراج” فيكون جزاؤه قطع عضوه الذكري ورميه في الخلاء عاريا في ترجمة خشنة ومبتذلة ـ صوت وصورة ـ للحكايات المتداولة في العشوائيات علي المقاهي.
وبنفس الابتذال والضعف الدرامي يغزل كاتب السيناريو والمخرج حكايات الغرام “الاسباجتي” إذا صح هذا الوصف حيث كله “مدلوق” علي كله وكله عايز يقفز علي كله.
البنت الحلوة قريبة الطاخ “منة شلبي” المخطوبة لابنه الاكبر الطباخ “باسم سمرة” تحب الاخ الاصغر ـ وهو طباخ أيضا أحمد داود وهذا الاصغر يلوف علي امرأة متزوجة فاجرة زينة منصور” زوجة شقيق العريس الذي تقام في عرسه الوليمة وتستدعيه جنسيا وإلا ناله من الفضيحة ما لا يحمد عقباه ثم الابن الاكبر يحب ويشتهي المطلقة التي عادت لتوها من الامارات “ليلي علوي” وكانت زوجة لفريد “محمد فراج” وغريمة تغار منها “أم رقية” والطباخ نفسه يموت لافراطه في الجنس ويترك وصية مدعاة للسخرية.
“تشابيك بشرية” متداخلة ومتقاطعة وملفوفة و.. مثل خيوط الاسباجتي في لخبطة سردية درامية يتوه معها الباحث عن “حدوتة” أو “قصة” أو دوافعه ولا خطوط نتابعها وليست ملفوفة في قماشة سميكة من الثرثرة والرقص والهزل نصل إلي المشهد الاخير العبثي واللا معقول عندما تضع أم رقيه الملابس الخاصة عند التعامل مع النحل وتطلق اسراب الخلايا التي تملكها علي أهل البلدة حتي تدفعهم إلي الهروب فلا يجدون مهربا من “القرص” الا عسل الحب في مياه الترعة بعد أن يلقون بأجسامهم الي الماء لتبريد جلدهم والتنفيس عن غرامهم واعلان ارتباطهم كأزواج!! بغض النظر عن الفوارق الاجتماعية والطبقية !!.
وهذا الهلس والادعاء والتباهي الفارغ بأن مثل هذا العمل غير “المسبوك” وبطعم “السبكي” سوف يمثلنا في مهرجان دولي والحقيقة أن مثل هذا الاختيار لا يؤدي إلي تأكيد ما نؤمن به الا وهو غياب المعايير في كثير من الاحيان وحضور الخواطر بها أو العلاقات أو “الغرض”.. إلا إذا كان اسم نصر الله وحده كفيلاً بتمرير الفيلم!!