يوسف الشايب يكتب: «المترجم».. حين يلعب الشعور بالخوف دور البطولة

رام الله  ـ  «سينماتوغراف»: يوسف الشايب

الشعور بالخوف هو البطل في فيلم “المترجم” لمخرجيْه رنا كزكز وأنس خلف، ولعل هذا ما جعله مختلفاً عن كثير من الأفلام التي عالجت الأحداث في سورية ما بعد 2011، خاصة تلك التي تسلط الضوء على قمع أجهزة النظام الحاكم، وهو موجة سادت ولا تزال منذ ما قبل عشر سنوات، في مواجهة أفلام أخرى تنتجها المؤسسة الرسمية السورية، وتتحدث عما تصفه بالإرهاب والجواسيس وغير ذلك.

هذا الشعور، تعيشه كل شخصيات الفيلم، وخاصة المترجم “سامي” الذي رافق الفريق الأولمبي السوري إلى أستراليا، لكن زلة لسان تبدو مقصودة، تجعله يبقى في سيدني، قبل أن يضطر إلى العودة مخاطراً في أعقاب اعتقال قوات النظام لشقيقه في العام 2011، لعله ينجح في العثور عليه بالحد الأدنى، أو إنقاذه إن كان على قيد الحياة، وإن أمكنه ذلك، دون أن يتورط في صدام مباشر مع النظام، هو الذي بات يحمل الجنسية الأسترالية.

وينتقل هذا الشعور باقتدار، عبر 105 دقائق، هي مدة الفيلم، الذي عرض ضمن فعاليات مهرجان أيام فلسطين السينمائية بنسخته الثامنة، إلى المشاهد، في سرد بصري مغاير يتغلغل في النفس عميقاً، دون أن يمنح الحدث دوره الريادي كما جرت العادة في الأفلام المتعارضة حول “الزلزال” السوري، ودون أن يغفله في آن، بحيث يقحم المتلقي، كلاً في ومن موقعه، للعب دور ما في الفيلم، مع هذا الجانب أو ذاك، أو بين بين، وإن كان الفيلم يدين بشكل واضح ممارسات النظام السوري العنيفة، و”تقاعس” المجتمع الدولي عن لجمها.

قد يبدو الفيلم الروائي متعدد جهات الإنتاج سياسيّاً، وهو كذلك، لكنه أيضاً دراما عائلية لا تخلو من إثارة، عبر شخصية “المترجم” (زياد بكري)، وكان شاهداً على اختفاء والده في العام 1980 بعد اعتقاله من عناصر أمنية سورية، حينذاك، هو الذي كان من المفترض أن ينقل حكايات ومآسي ما يحدث لأبناء شعبه إلى العالم، فيجد نفسه متورطاً فيها، بعيداً عن زوجته الأجنبية في أستراليا، وغريباً عن سورية التي أحبها ولا يزال، وإن بات متنقلاً بين جغرافيات عدة فيها، على المستوى المكاني والوجداني أيضاً.

واللافت أن الموت ليس واقعاً يومياً في سورية فحسب، كما كان يدرك هو، ويعرف كل من يطلع على نشرة أخبار بشكل عابر أو بشغف الملهوف، بل بات احتمالاً متوقعاً لنهايته وأي من أفراد أسرته ممّن بقوا دون قتل أو اعتقال أو اختفاء، وبينهم زوجة شقيقه (يمنى مروان) وابنها، ولكن العنف المواكب للأحداث يبقى في الخلفية، كحال الجثث والدماء والتفجيرات والضرب والإخفاء وقنابل الغاز في مواجهة المسيرات السلمية، بحيث حافظ المخرجان على فكرة الانتصار للشعور بالخوف حد الرعب تارة، أو الرهبة تارة أخرى، أو التوتر في حالات قليلة.

وكان لافتاً ذلك التعبير البصري عن حالة الخوف هذه، بحيث كانت الكاميرا متوترة، تهتز بوعي كامل، وتتنقل بما يعكس ذلك الرعب، وهذا يحسب ليس لكزكز وخلف فقط، بل للمصور أرين ديفين، الذي نقل ارتعاشات الشخوص على شاشته، فنجح في مدّ جسور شعوري ما بين الممثلين على الشاشة الكبيرة والمتسمّرين أمامها، يترقبون مآلات “المترجم” في لعبة مليئة بالتشويق الذي رافق تحولات الحدث غير المحوري، والتحولات الشعورية والمبدئية والفكرية لـ”سامي”، كما هي مليئة بالمساومات، كانت ولا تزال.

 

Exit mobile version