جدة ـ «سينماتوغراف»
من الواضح أن مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي يولي اهتمامه بأعطاء مساحة أكبر لأعمال من دول مجهولة السينما حيث لا تجد فرصتها في المشاركة عالمياً، وفي دورته الافتتاحية أعطى أولويه أوسع ضمن برامجة المختلفة للأفلام العربية والأفريقية والآسيوية، وتلك المناطق التي لا تمتد لها السجادة الحمراء كثيراً، وتجلى هذا الوعد في الحضور اللافت لفيلم “يوني” الإندونيسي.
الفيلم الذي شهدت مدينة جدة عرضه، شارك في مهرجان تورنتو، وتم اختياره لتمثيل إندونيسيا في سباق جائزة الأوسكار في النسخة المقبلة، بحضور نجماته الشابات اللاتي اخترنَّ حضور عروض الجمهور والالتقاء بالمشاهدين الذين تنوعوا بين حضور كبير للجالية الإندونيسية وعدد واسع من النقاد الأجانب والسعوديين.
ويحكي الفيلم قصة تبدو معتادة لمتابعي الأفلام المقبلة من جنوب آسيا، التي تتمثل في معركة المراهقات أمام قدر الزواج الذي تفرضه الظروف الاجتماعية، مقابل الرغبة في النضج بعيداً عن التزامات التقاليد.
ويتلخص العمل في قصة الشابة “يوني”، فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً مؤهلة للحصول على منحة جامعية بشرط الحفاظ على مستوى دراسي جيد، ووضع اجتماعي مستقر يتمثل في تجنب الزواج المبكر الذي قد يؤثر على تحصيلها. يدفعها ذلك لرفض الزواج في مرات عدة إلا أنها تصطدم بمعتقدات اجتماعية ترى أن من ترفض الزواج 3 مرات لن تتزوج أبداً.
وقالت أراويندا كيرانا، بطلة الفيلم الشابة، إن العمل يحاكي “صراعات مرحلة النضوج ومعرفة الذات، ليس لدى بطلة الفيلم فقط وتحديد مستقبلها مقابل التقاليد، بل حتى لدى شخصيات أخرى بعيدة عن الصراع الذي يتمثل في الهوية الجنسية والميولات لدى الرجال”.
وأضافت “كان لدى بطلة الفيلم صراع خفي يتعلق بمحاولة تملك اللون الأرجواني واحتكاره الأشياء التي تحملها لذاتها، هذا اللون مثل نضالات المرأة على مر التاريخ، بالنسبة ليوني كانت محاولة احتكاره في صراعاتها مع الآخرين هي سعي لإثبات ملكية حقها به”.
قدرة الأفلام الإندونيسية على الانتشار كان محط نقاش أيضاً، إذ لا يتجاوز سوقه بحسب الممثلات حدود البلد الآسيوي الكبير من دون مبرر تجاري واضح، وعلقت كيرانا “يصعب الإجابة على هذا السؤال بشكل دقيق، المنتجين لديهم إجابة أفضل، لكن ما أعرفه أن 3 أفلام إندونيسية من ضمنها (يوني) حصدت جوائز عالمية منها تورنتو، ومشاركة في الأوسكار، هذا يثبت أن لديها مستوى لا يقل عن نظيراتها في العالم، ولا أعرف سبب محدودية انتشارها”.
كان لافتاً منذ مشهد الافتتاح مدى جرأة العمل بالنظر إلى كون البلاد إسلامية وذات مجتمع تقليدي، إذ حضرت المشاهد الجريئة والحساسة بشكل واسع في الفيلم.
وحول ذلك قالت بطلة العمل “أود التنويه أن هناك نسختين من الفيلم، نسخة محلية وأخرى دولية، النسخة التي عرضت في إندونيسيا تركز أكثر على الشخصيات والعائلة والعلاقات الاجتماعية موجودة فيها بشكل أوسع، النسخة التي شاهدتموها كانت شخصية أكثر، ركزت على البطلة وما يدور في ذهنها، ورغباتها الشخصية”، وهذا ما يبرر سياقها المرتكز على الجرأة وهو ما يجد عادةً رواجاً عند عرضه في منصات دولية.
وأضافت “المشاهد تعتبر حساسة بالنسبة لكثيرين في بلد إسلامي مثل السعودية أو إندونيسيا، بالنسبة لي الأمور ليست مرتبطة بمسألة إباحية بل هي طبيعة بشرية، ومفهومة في السينما إذا أتت في سياقات سليمة”.
لم تكن جاكرتا الحاضر الآسيوي الوحيد من “السينما المجهولة” في أجندة المهرجان، إذ أدرج في جدول العروض يوم 13 ديسمبر لعرض فيلم من بنغلاديش بعنوان “ريحانة مريم نور” للمخرج عبد الله محمد سعد.
“ريحانة” فيلم اجتماعي أيضاً، عن الاعتداءات الجنسية على الفتيات في حرم الجامعة من قبل الأساتذة، وكيف يمكن للأشخاص الأقوياء أن ينفذوا من العقاب في بلد تسود فيه المحسوبية.
وهكذا يولي “البحر الأحمر السينمائي” مساحة للأفلام من دول أوروبا الشرقية مثل جورجيا، ومناطق غربية غير شهيرة في صناعة السينما مثل بلجيكا وبولندا، ودول أفريقية أخرى مجهولة سينمائياً.