الجزائر ـ «سينماتوغراف»
توج الفيلم الوثائقي “143 طريق الصحراء” للمخرج الجزائري حسن فرحاني بالمرتبة الأولى لجائزة “العلفة الذهبية” في اختتام المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي “سيدي امحمد بن عودة” الذي احتضنته مدينة غليزان الجزائرية في الفترة من الثالث والعشرين وحتى السادس والعشرين من نوفمبر الجاري.
ويتناول الفيلم قصة مليكة القادمة من الشرق الجزائري إلى صحراء المنيعة، وهي تدير متجرا صغيرا على طريق في الصحراء المقفرة في الجنوب الجزائري، تقدم من خلاله خدماتها للمسافرين من سائقي الشاحنات والباحثين عن المغامرات وعابري السبيل، وهو أول تجربة في الفيلم الطويل للمخرج الشاب الذي سبق أن قدم فيلما وثائقيا خلال العام 2016 تحت عنوان “في راسي رومبوان”، ونال إعجاب الجمهور ونقاد السينما وتوج بجائزة مهرجان الفيلم الملتزم بالجزائر، حيث عمد الفيلم إلى توجيه رسائل سياسية وأخرى اجتماعية.
ويرصد الفيلم الحياة في الصحراء الجزائرية، انطلاقا من مقهى تملكه مليكة ويجمعها يوميا بالعديد من الشخوص ممن يقطنون الصحراء، أو عابري السبيل، فتدور بينهم حوارات ونقاشات تتعامل معها المرأة بذكاء فطري.
وتصورها كاميرا المخرج وهي تتحدث بتحفظ شديد مع رجل بدا متدينا من قرية قريبة، أو باقتضاب مع آخرين يحاولون توجيه أسئلة عن حياتها وتتهمهم بالنفاق عندما يغادرون، أو نراها تتحدث عن هموم الحياة اليومية مع سائق شاحنة يتناول غداءه لديها أو مع رجل يزعم في مشهد تمثيلي أنه جاء إلى المنطقة للبحث عن أخيه، أو بمرح وطرافة مع سائحة أجنبية تقطع هذا المكان الصحراوي على دراجة نارية.
ويلعب المكان المغلق دورا مركزيا في أفلام المخرج فرحاني، إذ سبق أن صور فيلمه السابق “في رأسي دوار” (في رأسي رونبوان)، في أحد المسالخ القديمة في العاصمة الجزائرية راصدا الحياة اليومية لشريحة العاملين فيه وهمومهم وأحلامهم ضمن هذا المكان المغلق.
كما أن كل الأماكن التي صورت فيها مشاهد فيلمه “143 طريق الصحراء” تقع على حافة الصحراء، لا تحضر الصحراء فيه أمامنا بل تمتد عميقا داخل العزلة التي تعيشها شخصياته، وهي المؤثر الأول والأخير في كل الشخصيات وعلاقاتها وخططها ووجهاتها، وهي أيضا المؤثر في المخرج الذي سبق وقال إنه “لا يعدم استخدام أي وسيلة سينمائية تساعده في تقديم قصته في فيلمه الذي يفضل تسميته بأنه ‘فيلم بواسطة الواقع’ بدلا من تسمية الفيلم الوثائقي”.
وظل فرحاني يعتمد موقف المراقب عبر رصد كاميرته الثابتة في معظم الأحيان والتي تراقب بحيادية ما يجري أمامها، ولم يخرج عن ذلك إلا في مشهد النهاية الذي حرص فيه على أن يجعل كاميرته تطوف حول بيت مليكة في حركة “ترافيلنغ” على مدار 360 درجة وعلى أنغام موسيقى أغنية من منطقة القبائل، في استعارة ميثولوجية واضحة، يقول إنها استعارة من تقليد بالطواف لثلاث مرات على إحدى الزوايا الصوفية في جنوب الجزائر.
وسبق أن توج فرحاني (مواليد الجزائر 1986) بجائزة أفضل مخرج واعد في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي، عن نفس الفيلم المتوج في الجزائر، فضلا عن جائزة أخرى عند مشاركته في تظاهرة مسابقة “سينمائيو الحاضر” فيه، بالإضافة إلى جوائز من مهرجانات أخرى من بينها جائزة مهرجان الجونة الفضية للفيلم الوثائقي في عام 2019.
وذهبت الجائزتان الثانية والثالثة ضمن الدورة الثانية للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، على التوالي، للفيلمين الطويلين “السمك الذهبي.. السمك الأفريقي” و”جذور” للمخرجين الفرنسي توماس غراند والفلسطيني مصطفى نبيه، فيما تحصل فيلم “في منصورة فرقتنا” للجزائرية مريم دوروثي كيلو على جائزة لجنة التحكيم.
أما في مسابقة “أحمد سعيدي” للأفلام القصيرة فحصل على الجائزة الأولى فيلم “جميلة في زمن الحراك” للمخرج الجزائري عبدالرحمن حراث أما الجائزة الثانية فذهبت للفيلم المصري “امرأة تطل من النافذة” للمخرجة مروى علي الشرقاوي، متبوعا بفيلم “تحت الأرض” للمخرج المصري حازم الهلباوي، في حين نال الفيلم “بيتا – كاروتين” للمخرج محمد علي رشيد من سلطنة عمان على جائزة لجنة التحكيم.
وأبدى رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة محمد والي إعجابه بمحتوى الأعمال السينمائية المشاركة في هذا المهرجان وتنوعها كونها تتطرق إلى ثقافات عربية وأفريقية وأوروبية، مبرزا دور الدورات التكوينية والمهرجان في تطوير الصناعة السينمائية.
وأكد المخرج الإيطالي ماريو برينتا أن هذه التظاهرة السينمائية كانت فرصة لصناع الأفلام الوثائقية من مختلف دول العالم لإبراز إبداعاتهم وإنتاجاتهم السينمائية واكتساب خبرات وتقنيات جديدة.
وتنافست في هذه التظاهرة التي حملت اسم المخرج السينمائي المرحوم أحمد سعيدي مؤسس الطبعة الأولى للمهرجان 19 عملا سينمائيا من الجزائر وفلسطين وتونس وليبيا ومصر وسلطنة عمان والعراق والسنغال وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبوركينا فاسو والطوغو.