بقلم: انتصار دردير
ليست كل الحكايات تستحق أن تروي، لكن حكاية سناء تستحق، فهي تنتمي للزمن الجميل، بكل ماتحمله من معاني الحب والتضحية والايثار والوفاء والاخلاص والنبل، وهي للأسف معان صارت تطل علي استحياء، وأضحت في طريقها للاندثار، وبات تراجعها مؤشرا لقرب فقدنا انسانيتنا.
سناء هي الفنانة الكبيرة سناء جميل وحكايتها جاءت في فيلم تسجيلي طويل من انتاج المركز القومي للسينما واخراج روجينا بسالي، عرضه مركز الابداع بالأوبرا قبل أيام بمناسبة ذكري ميلادها، الفيلم في مجمله مثير بتلك البداية وبمشهد النهاية وما بينهما من مشوار قطعته باقتدار وموهبة كبيرة وحضور طاغ كان يتحسب له كل فنان يقف أمامها وكل مخرج يتعامل معها.
في الفيلم يروي زملاؤها الذين عملوا معها حكايات كثيرة عنها، من سميحة أيوب التي زاملتها لسنوات طويلة ولم يكن هناك مجال للمنافسة الفنية بينهما، وجميل راتب الذي يصفها بالعبقرية ويؤكد «لما تمثل مع ممثلة عظيمة زيها لازم تبقي علي مستواها»، ومفيد فوزي الذي باحت له في حوارات عديدة بكثير من آلامها.
ولكني أتوقف أمام أمرين أولهما ذلك الملمح الانساني الذي غلف الفيلم، وكشف عن رحلة كفاحها وعشقها للتمثيل وتحديها لأسرتها، والألم النفسي الذي رافقها حتي النهاية، منذ ولدت في صعيد مصر وأودعها أهلها احدي المدارس الفرنسية الداخلية وأظهرت تعلقا مبكرا بالتمثيل، وحين تنهي مرحلتها الدراسية وتعلم بوجود معهد لدراسة التمثيل وتعلن عن رغبتها، يظهر أهلها فجأة ويرفضون الأمر بشكل قاطع ويصفعها شقيقها صفعة قوية أفقدتها طبلة أذنها وأثرت علي حاسة السمع لديها، فتخرج متجهة الي المعهد وتنجح بجدارة في اختبارات التقديم ويثني الفنان الكبير زكي طليمات علي موهبتها، ثم يكتشف أنها بلا مأوي فيرسلها الي بيت الفنان سعيد أبو بكر وزوجته الاجنبية لتعيش معهما بعض الوقت ثم تنتقل لبيت مغتربات، فتقوم بشغل المفارش حتي تستطيع ان تعيش.
تحكي سناء لمفيد فوزي في موقف حزين، كيف جاءتها القديرة نعيمة وصفي لتخبرها بوجود شقة بعمارتها في الدور الأرضي ايجارها ثلاثة جنيهات طارت فرحا بها واشترت «وابور جاز وحلة وقلة»، وتدمع عيناها وهي تحكي أنها لم تستطع شراء مرتبة، فوضعت ملابسها علي «الملة» ونامت فوقها مما أصابها بانزلاق غضروفي ظلت تعاني منه.
والامر الثاني الذي أتوقف عنده هذا الوفاء العظيم والحب الكبير الذي مازال يحمله لها زوجها الكاتب الصحفي لويس جريس، فقد كان وراء ظهور الفيلم عنها ساهم في انتاجه يحكي في تأثر بالغ كيف لفتت نظره من أول لقاء وكيف احبها وكيف شهد علي زواجهما عمال مطابع روز اليوسف.
ويروي في الفيلم كيف ترك جثمانها ثلاثة أيام بالمستشفي لعل أحدا من أسرتها يرغب في وداعها الأخير، لكن احدا لم يأت ليواري جثمانها، وفي نهاية الفيلم يظهر لويس وهو يزور قبرها ويرثيها ويستعيد زمناً عاشه معها.
ينتهي الفيلم عند هذا الحد، ليبدأ مشهد آخر للحب والوفاء، حيث يلتف الحضور وفي مقدمتهم القديرة سميحة أيوب حول لويس جريس الذي احضرتورتة ضخمة تحمل صورتها ويشارك الجميع اطفاء شموع عيد ميلادها رغم رحيلها قبل 14 عاما، لكن الحب الحقيقي لا يموت.