** السينما والناس (8) عصام زكريا: تأثير أفلام اليوم سريع الزوال على الجمهور

القاهرة ـ «سينماتوغراف»

إذا كانت السينما هي الفن السابع فلابد أن يكون الناقد على دراية بكل الفنون وهذا يتطلب مستوى كبيراً من التحصيل والدراسة والمعرفة، وهناك جيل من الشباب يحاول سبر أغوار المهنة.

ولكن ينقصهم بخلاف الأفلام الجيدة التي يستطيعون نقدها وتفسيرها، المجلات المتخصصة في النقد السينمائي، كما أن هناك مشكلة تخلص منها العالم كله إلا نحن تقريباً وهى الخلط بين المحرر الفني والناقد السينمائي، فالأول مهنته تعقب الأخبار والحكايات الفنية. والثاني مهمته النقد والتحليل للأعمال في محاولة لزيادة وعي الجمهور بها وتنمية ثقافته السينمائية، وبين الأخبار وتقييم الأفلام مسافة كبيرة يقف عندها ضيف اليوم بالرصد والمتابعة ويوضح من خلال رؤيته علاقة السينما بالناس.

عصام زكريا واحد من النقاد الذين اتخذوا من السينما همهم وشغلهم الشاغل، تخرج في كلية الألسن واتخذ الصحافة مشواراً لطريق حياته، تخصص في الصحافة الفنية، وجذبه حبه للسينما للكتابة عنها والنقد لأعمالها.

كان عضواً في نادي سينما القاهرة قبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وقتها كانت كلاسيكيات السينما العالمية تستحوذ على كثير من شاشات العرض، مع نشرة أسبوعية للمقالات النقدية المهمة الجادة بالإضافة للمتابعة الشخصية لإنتاج السينما العالمية، وأثمر استغراقه في هذا العالم تأليف عدد من الكتب المهمة، وترجمة العديد من روائع الأدب العالمي.

وكان من أهم مؤلفاته «أطياف الحداثة» الذي يصور من خلاله مصر الاجتماعية في السينما، و«يوسف شاهين صانع المرايا»، وأيضاً كتاب «السينما والرئيس» وترجم بعض المؤلفات منها «رجل على الشاشة» بالإضافة إلى بعض النصوص الأدبية.

متعة حياته دخول قاعات السينما ومشاهدة الأفلام بتعمق والسفر إلى دول العالم لمتابعة ما تعرضه من أعمال، وخلال لقائه مع «سينماتوغراف» كانت هذه الوقفات التي استعاد فيها من مخزون ذكرياته لقطات أفلام حفرت بصمات راسخة في تاريخ الفن السابع.

تأثير طاغٍ

 (السينما لها تأثير كبير جداً في الجمهور، ولكن هذا التأثير يتناقص من فترة إلى أخرى، فهو متغير خاصة مع وجود مصادر أخرى مثل التلفزيون والإنترنت).

يقول الناقد عصام زكريا عن تأثير السينما في الجمهور إنها في كثير من الأوقات كانت العنصر الأساسي للتأثير، فبعد ظهور السينما بـ30 عاماً كان سحرها طاغياً أكثر من الآن، لكن في نفس الوقت كان التأثير مقصوراً على الجمهور الغني، أي أنه محدد لطبقة معينة من الجمهور.

وبمرور الوقت أصبحت السينما فناً شعبياً، فليس جميع الناس باستطاعتهم الذهاب للمسرح أو متابعة الباليه أو الحفلات؛ بينما يمكنهم الذهاب إلى السينما لأنها أرخص وأمتع وسيلة للاستحواذ على الجمهور، وسميت لوقت معين بفن الطبقة العاملة، خاصة في سينمات الدرجة الثالثة، لكن مع دخول التلفزيون أصبحت الأفضلية للدراما والسهرات التلفزيونية.

سينما تلفزيونية

 (في الوقت الذي سحب التلفزيون البساط من السينما نرى أنه ساعد على انتشارها أكثر، وذلك من خلال عرض الأفلام السينمائية تلفزيونياً).

يؤكد عصام زكريا أن دور العرض فقدت سحرها، لكن هذا لا يمنع أن السينما مازالت محتفظة بسحرها بل مؤثرة أكثر في الجمهور.

فكثير من البلدان العربية لا توجد بها دور عرض، ويستمدون كل ثقافتهم السينمائية من التلفزيون والفضائيات، وهذا بالطبع تأثير مختلف عن مشاهدة الأفلام في دور العرض، فتأثير النجوم والإفيهات واللغة العامية التي يتحدث بها الأبطال في الأفلام المصرية تم تشكيلها من خلال تكرار عرض الأفلام، فمثلاً عندما عرض فيلم «اللمبي» منذ أكثر من عشر سنوات الذي قدمه محمد سعد وعبلة كامل وكانت تدور أحداثه في إطار شاب يبحث عن عمل ليتزوج ويتحدث بأسلوب ولغة معينة ـ هذا الفيلم ترك تأثيراً قوياً لدى الجمهور في اللغة والحوار.

لكن رغم أن التأثير الآن أكثر انتشاراً فإنه قديماً كان أقوى بمعنى أن عدداً قليلاً من الجمهور يشاهد الأفلام، والدليل أن الطفل الذي يرى 6 أفلام يومياً بمرور الوقت يقل تأثير هذه الأفلام فيه، فنستطيع أن نحكم بأن الأفلام الشعبية قد تترك أثراً في الناس، لكنه سريع الزوال لأن السلع لم تعد سلعاً معمرة لكنها سلع صالحة للاستخدام في فتره قليلة.

لأن كل وقت تتدخل الوسائل لتغير من هذه السلعة؛ فتأثير الأفلام موجود ككل لكن كل فيلم ليس له تأثير وحده. ويشير إلى أن كثيرين يرون أن تأثير السينما سلبي لأنها تروج للعنف والجنس والألفاظ البذيئة والكسل.

والجمهور يكون مستقبلاً بشكل سلبي لأن يبتعد عن أي نشاطات أخرى مثل المسرح والشعر والموسيقى وغيرها، لكنه يؤمن بأن للسينما تأثيراً إيجابياً، لا يمكن إغفاله، في ثقافات الناس.

مصدر الثقافة

(إذا فكرنا في أي موضوع واختبرنا معلوماتنا في مجال من المجالات سنجد أن معظمها نابع من السينما والأفلام).

يرى عصام زكريا أن السينما هي المصدر الرئيسي للثقافة؛ لأننا لو اختبرنا أي إنسان في المعلومات التي يملكها عن أي دولة سنرى أن هذه المعلومات مستمدة من الأفلام التي يراها، ومن الممكن أن تكون أغلب هذه المعلومات خاطئة لكنها في النهاية هي المعلومات الوحيدة لدينا؛ لأننا نحتاج لبذل جهد كبير لجمع المعلومات.

ورغم كل ما يقال عن التأثير السلبي للسينما في الأخلاقيات فإنها أيضاً المصدر الرئيسي لنشر القيم والأخلاق، وإذا قدمنا بحثاً للنقد في أخلاقيات أي طفل نرى أن السينما تؤثر فيه أكثر من المدرسة وعلماء الدين، لأن تأثير هؤلاء لفظي يصبح من خلاله الإنسان مثل البغبغان، عكس السينما التي تخلق من خلال الدراما نوعاً من التعايش والانفعال مع الأفراد الأبطال الذين لديهم أخلاق في مواجهة الأشرار.

ونحن في مصر لدينا أزمة تتمثل في افتقادنا القصص الخيالية التي نحكيها للأطفال حتى إن أغلب شخصيات أبطال القصص لصوص، ما يفسر أن هذه الأفلام كتبت خصيصاً ليفهمها الكبار، فعندما نقول إن أدهم الشرقاوي أو علي الزئبق أو علي بابا كلهم أبطال يأخذون من الغني ويعطون الفقير فهو مفهوم يفهمه الكبار، لكن الصغار يفسرونه على أنه سرقة.

ومثال ذلك فيلم «علي بابا» الذي قدمه الفنان يحيى الفخراني في التسعينات ويحكي عن طفل يستمع لمدرسته وهي تقص حكاية علي بابا والأربعين حرامي ليسألها الطفل: أليس علي بابا واحداً من الحرامية؟

وهو ما يفسر التأثير القوي للسينما على الطفل، لكن أفلام ديزني برعت في ذلك، فرغم ما بها من سلبيات فإنها تأخذ القصص العالمية وتنفذها بأسلوب يتناسب مع أخلاقيات الطفل، مثلاً فيلم «علاء الدين» نجد أن فيه أخلاقيات غير موجودة في القصة الأصلية للعمل.

وبذلك يمكن أن تستخدم السينما لزرع القيم والضمير داخل الطفل. كما أن تعرض صغار السن للأفلام الجيدة ينمي ذوقهم الفني وإحساسهم بالعالم الخارجي، وبما أن السينما تستطيع أن تجمع كل الفنون داخل فيلم، فمثلاً فيلم «صوت الموسيقى» بطولة: جولي أندروز، كريستفور بلامر، إخراج وإنتاج روبرت وايز وهو فيلم مقتبس من مذكرات ماريا فون ترامب، يعتبر أجمل فيلم موسيقي ـ عندما يشاهده الأطفال نجد أنه ينميهم بصرياً وموسيقياً وذهنياً.

قضايا مهمة

 (هناك بعض الأفلام التي تجرأت على مناقشة قضايا لا يمكن للتلفزيون أو أي وسيلة أخرى مناقشتها ونحن نحتاج إلى مزيد من هذه الأعمال الهادفة).

دعا عصام زكريا المنتجين والقائمين على العمل السينمائي للبحث عن قضايا مهمة مثل تلك القضية التي ناقشها فيلم «بحب السيما» من بطولة محمود حميدة وليلى علوي والطفل يوسف عثمان، وهو من تأليف السيناريست هاني فوزي.

كما أن مخرجه ومنتجه الشقيقان أسامة جرجس فوزي وهاني جرجس فوزي وهما مسيحيان. وهو فيلم يغلب عليه الطابع الكوميدي ويتكلم عن أب مسيحي متعصب وزوجة لم تعد تحتمل سلوك زوجها فخانته مع فنان تشكيلي.

والفيلم يتناول حياة أسرة مسيحية مكونة من زوج متزمت دينياً وزوجة بروتستانتية وطفل وطفلة ويعرض المشكلات الاجتماعية التي تواجه هذه الأسرة بسبب رؤية الزوج المتزمتة للدين، أيضاً فيلم «سهر الليالي» الذي يدور حول ثماني شخصيات مختلفة تجمعهم ذكريات صداقة تنتمي إلى الماضي، يلتقون مجدداً بعد سنوات من الفراق في عيد ميلاد ابنة إحدى بطلات الفيلم، فيصبح عيد الميلاد هو موعد لم الشمل مرة أخرى لعالم «سهر الليالي»، ومن ثم يستعرض الفيلم المشكلات النفسية والعاطفية لكل شخصية.

أيضاً هناك فيلم «آسف على الإزعاج» وهو من بطولة النجم الكوميدي أحمد حلمي ويشاركه في الفيلم كل من منة شلبي ودلال عبدالعزيز ومحمود حميدة، وتدور أحداثه حول شخص أصيب بحالة انفصام في الشخصية لارتباطه بوالده بعد وفاته، فيتمزق بين التمدين والتراث وثقافة الغرب والشرق.

كما أن السينما تحاول من خلال أفلامها جعل الجمهور يتخطى أزماته مثلما حدث أيضاً بعد هزيمة يونيو فعرضت فيلم «الأرض» من إخراج يوسف شاهين، وهو أحد أهم أفلام السينما المصرية، وتدور أحداثه حول تعامل المصريين مع الإقطاع ومع الفقر الذي يعيشون فيه وكيفية مواجهته، وضرورة التمسك بالحقوق والأرض.

ترفيه سريع

(السمة الغالبة على معظم الأفلام التي يتم إنتاجها هذه الأيام هي عدم الإتقان في العمل والبحث فقط عن الترفيه والتسلية والمكسب السريع. وهذه أزمة من السينما).

عن استخدام السينما كوسيلة للترفيه يرى الناقد عصام زكريا أنها أصبحت وسيلة فقط للترفيه، لكن لا يمكن أن نغفل أنها ليست المذنب الوحيد في الانحدار الذي وصلت إليه الأخلاقيات، لأن المجتمع يروج أيضاً للسطحية في الأخلاقيات والقيم.

كما أن لدينا عشوائيات ومدارس وجامعات لا تترك أي تأثير ايجابي في الأفراد، لكن المشكلة أن بعض السينمائيين انعدم عندهم الضمير الفني فاتجهوا إلى التسلية والكسب على حساب بقية المضامين الجميلة التي كانت السينما معنية بتقديمها.

Exit mobile version