تنطلق الكثير من الاعمال السينمائية من نوايا حسنة، وسرعان ما يتحول الفيلم لاحقا الى أجواء المغامرة من أجل التفكير بالشباك والجمهور وهذا ما يفرض معايير تحيد عن تلك النوايا وتفرض مضامين وقضايا وفرزا للعناصر الطيبة والشريرة، ومن تلك الاعمال السينمائية، يأتي فيلم الهجوم على درافور الذي بدأ برغبات اكيدة في تقديم عمل سينمائي يقترن تلك الاعمال التي قدمت عن مجازر رواندا، فاذا به يذهب الى منطقة هي التكرار لكم آخر من الاعمال السينمائية التي تذهب الى القضايا الكبرى بفكر لا يستوعب تلك القضايا فيكون الخلل الصريح.
فيلم الهجوم على دارفور من اخراج وسيناريو اوي بول وانتاجه وشاركه في كتابة السيناريو كريس رونالد.
ودعونا اولا نذهب الى المتن الروائي الذي يستند اليه الفيلم، الذي يروي حكاية ستة صحافيين غربيين يزورون احدى القرى الصغيرة في دارفور غرب السودان، تحت حراسة فرقة من قوات بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي.
خلال فترة الزيارة تواجههم ميليشيات الجنجويد، والذين يجعلونهم من بين قرار مناورة القرية، او البقاء على مواجهة التحديات من أجل انقاذ حياة من تبقى من عناصر القرية التي دمرت بالكامل وتمت ابادة جميع اهلها الا من تمكنوا من الفرار.
وهنا يقرر عدد من الصحافيين البقاء الى جوار القائد النيجيري كابتن جاك ومن الاتحاد الافريقي، من اجل محاولة لانقاذ بقية القرويين من هجمات العرب الجنجويد.
هكذا هو المحور الاساس، اما ما تبقى فهو كم من الهجمات والمواجهات التي يقودها الجنجويد ضد القرى المعزولة من الأبرياء والفقراء.
فيلم يذهب الى المغامرات والمواجهات والمطاردات على حساب الابعاد السياسية والتحليل الدقيق للقضية وملابساتها.
فيلم الهجوم على دارفور بطولة بيلي زان شاهدنا وادوارد فورلينغ وكريستانا يولكن، ورحلة مجموعة الصحافيين الاجانب، الذين يكتشفون المجازر التي الحقها الجنجويد في العديد من القرى الفقيرة المعدومة.
وبين قرار نشر تلك الفضائح او الرضوخ الى اوامر قائد الجنجويد بالخروح، او البقاء لمواجهة النجويد وحماية القرية الفقيرة وبقايا اهلها من التشاؤم والاطفال، والمرض والجياع.
رغم ان الفيلم ينطلق من نوايا حسنة، وهي تقديم واحدة من حالات السلوك الذي لا يمكن تفسيره عن الابادة الجماعية في دارفور.
وما ان تمضي الاحداث، نكتشف بان العمل ليس حقول القتلى أو فندق رواندا بتلك الخالدة في ذاكرة السينما، والتي قدمت للعالم وثائق وحكايات توجه الاتهام الصريح لهذه الجهة او تلك، ولكننا في فيلم الهجوم على دارفور نحن امام مغامرات صغيرة، ومواجهات اصغر، وحكايات متداخلة وبطولات مزيفة، وايضا اشرار تقليديين واداء مستعاد، وشخصيات غير حقيقية، وهذا ما حول المحور الانساني وخاصة الابادة في هذا الفيلم الى هامش وليس اساسا.
حتى المشهد الاخير، الذي تعود به الصحافية مالين الى القرية، لتجدها مدمرة وان الجميع قتلى عبر فيهم اثنان من زملائها الصحافيين، في الوقت الذي يبقى به رضيع مختبأ تحت جثث احد الموتى، وهو الناجي الوحيد من تلك المجزرة عندها تقرر مالين اخذ الطفل الرضيع معها وتغادر القرية مع جنود الاتحاد الافريقي، تاركين خلفهم قرية مدمرة، وعار في وجهة البشرية ومجازر مشرعة الابواب.
جسد الادوار الرئيسة في الفيلم كريستانا لولكن مالين وديفيد، وهارا فريدي ونواه وانبي ثيو ومات فرور تيد وكليم كاظم كابتن جاك وسامي شيخ قائد الخنجويد وبيلي زان بوبس وادوارد فورلينغ ادريان.
ونشير هنا الى ان الفنان سامي شيخ مصري من مواليد الاسكندرية 1981 وهو واحد من انشط النجوم العرب العاملين في السينما والتلفزيون الاميركي ومن ابرز اعماله القناص الاميركي والمتحولون ونيكيتا وتوقفنا معه في هذه المحطة مع احد افلامه بعنوان الشرق الاميركي.
جميع مشاهد فيلم الهجوم على دارفور صورت في مدينة كيب تاون في جنوب افريقيا، في الفترة بين شهري فبراير ومارس 2008، حيث استخدمت الكاميرا المحمولة في النسبة الاكبر من المشاهد، مع الاشارة الي ارتجالات عالية في الحوار من قبل الممثلين اثناء التصوير اكدها المخرج في اكثر من تقرير نشر حول الفيلم، كما حظي الفيلم بعدة جوائز بالذات من المنظمات الانسانية والحقيقية وايضا جائزة افضل عمل في مهرجان نيويورك للسينما المستقلة.
هنالك كم من الملاحظات حول شخصيات الفيلم، حيث تلاحظ ان الشخصيات السودانية بالذات، اهل دارفور تحمل شحنات غريبة ولا تنتمي ابدا للسكان من القبائل الموجودة في تلك المنطقة من غرب السودان.
الملاحظات لا تنتهي، حيث النساء يضعن أحمر الشفاة، والماكياج وهن في قرى السودان الفقيرة والمعزولة بالاضافة الى تصوير مشهد الاغتصاب بشكل مبتذل مع مساحة من المبالغة، دائما الابطال البيض يتعاطفون مع مشاكل السود والملونين.
حرص الفيلم، وهنا الدس، على استخدام اللغة العربية الفصحى في حديث سكان دارفور وبالذات شيوخ القبائل، وكان المتهم الرئيسي هم العرب وليس سواهم.
الفيلم كما غيره من افلام المغامرات من الدرجة الثانية يعتمد تجميد الشخصية الاميركية، ومحاولة اظهارها، كشخصيات اسطورية لا تقهر وانها تحمي الضعفاء في العالم وتقيم العدل وتحارب الطغاة والظالمين.
القراءة المغلوطة والهامشية لجوهر القضية، حول الفيلم الى كم من الزيف، اولها اظهار العرب والافارقة بمظهر المتخلف والبربري وايضا السبب وراء الابادة البشرية الحاصلة في دارفور.
اقرب ما في تجربة فيلم الهجوم على دارفور ونحن في عملية البحث الشامل عن الفيلم ونجومه، حصولنا على تصريح نادر للمخرج اوي بول، اجراها في حوار تلفزيوني مع المذيع جون ليوي يقول فيها ان فيلم الهجوم على دارفور هو اسوأ افلامه اخراجا لان فيه الكثير من المشكلات التقنية التي أثرت على مضمون الفيلم.
بينما حقيقة الامر هي ابعد من ذلك، فمن امام فيلم يمتطي قضية كبرى، ليقول من خلال اشياء كثيرة اولها، ان العرب هم السبب في الابادة البشرية وان الجنجويد، يحظون بالدعم المادي والمعنوي من جمهورية السودان وايضا من بقية الدول العربية وحرص على تقديم مشهديات جرائم الابادة والعنف والتصفيات مقرونة بالحوارات العربية وايضا الشخصيات ذات الملامح والازياء العربية.
وهو تشويه صريح ومتعمد، بل ان هنالك مشهديات تبدو استفزازية وبشكل صريح وفج.
وهنا حينما نعقد مقارنات مع حقول القتل وفندق رواندا فان المعادل الفني والفكري يبدو منقوصا، لاننا حينما نخرج من تلك الافلام الكبرى فان المشهديات والقضايا تظل حاضرة ونابضة، واليوم وبعد مرور اكثر من ثلاثة عقود على انتاج بعضها فانها لاتزال حاضرة بل وتحولت الى كلاسيكيات الفن السابع، بينما فيلم مثل الهجوم على دارفور ما ان ينتهي حتى تحاول ان تنساه، لانه فيلم يخلو من القضية والفن والحرفة والابداع.
مدة الفيلم 98 دقيقة اكثر من ثلاثة ارباع المدة نحن امام جرائم، واغتصاب وهجوم، وحرائق وقتل، بينما الفكر والبعد الانساني يبدو هامشيا بلا قيمة، وحينما يغيب الفكر يتحول الفيلم بكامله الى مجرد فيلم مغامرات من الدرجة الثانية، وهكذا هو تصنيف الفيلم.