ـ محمد جابر
في عام 2006، كان عرض فيلم The Da Vinci Code واحداً من أهم الأحداث السينمائية وقتها، وكانت الرواية المقتبس عنها للكاتب، دان براون، تُحقّق نجاحاً ومبيعات تاريخيّة. إذ تصادمت الرواية مع الكنيسة في نظريّة وجود ابن للسيّد المسيح من مريم المجدلية، الأمر الذي أضاف جدلاً وشعبية للفيلم طوال الوقت. حتى أبطال الفيلم، حينها، كانوا في ذروة مسيرتهم، سواء توم هانكس أو الفرنسية أودري تاتو. لذلك، ورغم ضعف مستوى الفيلم على المستوى النقدي، إلا أنه حقق نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر. وكان من المنطقي، ربَّما، استثمار نفس النجاح في جزء ثانٍ من السلسلة هو Angels & Demons عام 2009 الذي لم يحقق أي نجاح يذكر، ولم يُغطّ حتى ميزانيته. لذلك، كان من الغريب جداً إصرار شركة الإنتاج والمخرج، رون هاورد، إلى جانب هانكس نفسه، على العودة لجزء ثالث هو Inferno أو الجحيم، على الرغم من أن كل عوامل النجاح لم تعد موجودة، وحتى دان براون نفسه لم يعد روائياً جماهيرياً ومثيراً للجدل بذات القدر، فما هو تفسير هذا الجزء؟
تدور أحداث فيلم «انفيرنو» حول الشخصية الرئيسية، روبرت لانغدون، البروفيسور وعالم الرموز التاريخية في جامعة هارفرد. يستيقظ لانغدون في مستشفى بإيطاليا فاقداً للذاكرة، ويُفاجأ بمطاردة شخصيات وجهات مجهولة له من أجل إنهاء حياته، قبل أن يهرب بمساعدة الطبيبة، سيينا بروكس. ويكتشف وجود كارثة بيولوجية تهدد البشرية، ومن أجل إيقافها يجب أن يبدأ، كالعادة، في حل بعض الرموز المرتبطة بالعصور الوسطى، والرموز موجودة داخل أعمال الشاعر الإيطالي التاريخي، دانتي.
من الناحية النقدية، مستوى الأجزاء الثلاثة عموماً أقل من المتوسط، جماهيرية أعمال دان براون وتحديداً “شيفرة دافينشي” كانت قائمة على الصدمة أكثر من اعتمادتها على القيمة. لذلك، مع تحويلها إلى فيلم سينمائي، استفاد الجزء الأول من تلك الصدمة، ولكن، مستواه الفني وحجم الدراما فيه، وعلاقة الألغاز ومتانتها بالشخصيات وإيقاع الفيلم، جاء منخفضاً وضعيفاً. وهو أمر استمر في الجزء الثاني “ملائكة وشياطين”. من الناحية النقدية، لا يختلف الجزء الثالث كثيراً عن سابقيه. الكثير من الافتعال في التواءات الحكاية، وربط الألغاز بأعمال في القرون الوسطى، وخصم شرير ضعيف جداً، وغير مثير للمشاهد بأي صورة، وأداء رتيب، للمرة الثالثة، لتوم هانكس في شخصية “روبرت لانغدون”. بل أن رون هاورد نفسه، ورغم أنه مخرج مهم في هوليوود فعلاً، إلا أنه لم يستطع أن ينتج شيئاً مبهراً على مستوى المؤثرات والخدع، فكانت النتيجة ضعيفة جداً.
وبعض النظر عن اختلاف الدافع وطبيعة الشخصية، ولكن هذا الفيلم لا يجاري أبداً تلك الأعمال، وهي نقطة إضافية لسلبياته. ثانياً، هي أن البعد البصري المستغل في الشفرات، كلوحة العشاء الأخير في “شيفرة دافينشي” كان مميزاً رغم عيوب الفيلم، أمّا هنا فمحاولة جعل أشعار “دانتي” ألغازاً، تشير إلى شيء آخر، جاء رتيباً، وأقل إثارة من الصورة التي تحاول فك ما تعنيه، والسبب الثالث، أن جزئية “الأبعاد والأسرار الدينية” التي منحت شهرة أكبر للجزئين السابقين لم تعد موجودة هنا، مجرد حركة داخل الكنائس والأماكن ذات البعد الديني، ولكن دون تداخل حقيقي بين ذلك وحبكة الفيلم. ومع كل هذا، يكون السؤال الأكبر من الناحية التجارية والتسويقية، ما هو الدافع لإنتاج هذا الفيلم؟ وماذا رأى توم هانكس ليعود مرة ثالثة لنفس الشخصية في فيلم من أربعة أفلام يقدمها في 2016؟ أي كانت الدوافع والأسباب، فالنتيجة هي فشل كامل من كل الجوانب.