حصاد ثُلثي الطريق: أبرز الأفلام في مسابقة برليناله
برلين ـ أحمد شوقي
أقتربت أفلام مسابقة برليناله من الاكتمال، 13 فيلماً عُرضت من أصل 18 تتنافس على جائزة الدب الذهبي، ويتبقى خمسة أفلام أبرزها فيلم توماس فينتربيرج «البلدية The Commune»، وأغربها الفيلم الفلبيني «تهويدة للغز المحزن A Lullaby to The Sorrowful Mystery» الذي يمتد عرضه لأكثر من ثماني ساعات. فيما يلي ملخص عن أبرز الأفلام التي تم عرضها، مع ملاحظة أن كاتب السطور لم يتمكن من مشاهدة فيلم جيافرانكو روزي «نار في بحر Fire at Sea»، الذي يراه الكثيرون أفضل ما تم عرضه والمرشح الأبرز للدب الذهبي حتى الآن. الأفلام مرتبة حسب توقيت عرضها الأول في المهرجان.
نحبك هادي Hedi (تونس ـ بلجيكا ـ فرنسا)
لا يزال فيلم التونسي محمد بن عطية يحتل المرتبة الثانية (بالتساوي مع فيلمين آخرين) في تقييم مجلة «سكرين» لأفلام المسابقة منذ كان أول فيلم يعرض في المسابقة حتى الآن. قصة حب مفاجئ يدفع شاب للتمرد على حياة تم تخطيطها بالكامل من قبل الآخرين كي يقضيها هو دون نقاش. عمل بسيط العناصر مرتفع القيمة، يطرح فكرة الخروج من رحم السلطة الأبوية ـ والسياسية بالقياس ـ بشكل هادئ ودون صراخ، مع أداء تمثيلي ممتاز من الممثلين الرئيسيين، وعلى رأسهم البطل مجد مستورة والأم صباح بوزويته. قد لا يكون مرشحاً حقيقياً للجوائز، لكن الأهم أنه عمل قادر على التواصل مع قطاع كبير من المشاهدين الشباب خاصة في المنطقة العربية، ممن سيجدون تماساً واضحاً مع ما يخوضه هادي.
المستقبل Things to Come (فرنسا ـ ألمانيا)
من لحظة عرضه وحتى الآن صارت النجمة إيزابيل أوبير مرشحة وحيدة للتتويج بجائزة أحسن ممثلة. فيلم ميا هانسن لوف فرنسي جداً: رحلة نفسية وعاطفية ووجودية تخوضها أستاذة الفلسفة المخضرمة عندما يقرر زوجها أن يتركها فجأة بعد زواج دام عقوداً. هذا سيناريو كُتب لتلعبه ممثلة بحجم أوبير، كل ما فيه يتمحور حول هذه المرأة الإصلاحية التي يبدأ الفيلم برفضها لمظاهرات الطلبة لأنها تعطل مسار الدراسة التي تعتبرها واجباً مقدساً، قبل أن تجد نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات جذرية تتعلق بكل شيء في حياتها. سخرية لاذعة من كل التيارات والأفكار تمر بشكل حاذق على مدار الفيلم، ووقائع متتابعة قد لا يجد ما يجمعها بشكل محكم في حبكة، لكنك لا تستطيع أن تخرج من فكاك متابعتها والاستمتاع بها.
24 أسبوعاً 24 Weeks (ألمانيا)
فيلم آن زهرة بيراشد يمكن بسهولة اعتباره فيلماً تلفزيونياً، على مستوى الموضوع والمعالجة والطابع البصري: ميلودراما عن نجمة كوميديا تكتشف أن الطفل الذي تحمله داخلها مصابة بمتلازمة داوني، فتقرر مع حبيبها أن يحتفظا به رغم كل شيء، قبل أن يصدمهما اكتشاف جديد بأنه سيولد مصاباً بعيب خلقي في القلب، لكنه اكتشاف يأتي بعد 24 أسبوعاً من الحمل، وبعد أن يصير الأمر أكبر من مجرد إجهاض، ببساطة بعد أن يتحول إلى قتل جنين حيّ كفيل بتقويض علاقة الحبيبين. لكن رغم مما سبق، تظل كفاءة السيناريو وقدرة المخرجة على نقل مشاعر الشخصيات بإيقاع لا يفلت أبداً، عناصر جعلت الفيلم يمتلك تأثيراً أكبر بكثير من كفاءة عناصره المجردة.
موت في سراييفو Death in Sarajevo (البوسنة ـ فرنسا)
بالنسبة لمراجعات معظم النقاد الغربيين جاء فيلم دانيس تانوفيتش محبطاً، لكن بشكل شخصي أراه عملاً نموذجياً في كيفية صياغة سيناريو متعدد الحبكات لطرح قضية ما، عبر حكايات متباينة الأسلوب والطابع، يبدو بعضها لوهلة غير ذي صلة بالموضوع قبل أن تظهر أهميته لاحقاً. الأحداث تدور خلال عدة ساعات في فندق كبير بالعاصمة البوسنية سراييفو، يستعد لاستقبال قمة الاتحاد الأوروبي، بينما يستعد موظفوه الذين لم يتقاضون رواتبهم منذ شهرين لاستغلال الحدث بالتظاهر أمام الإعلام العالمي. محاولات المدير لحل أزمة العمال، برنامج تلفزيوني يواكب الحدث يتم تصويره فوق سطح الفندق، طاه يحاول إثبات حبه لأهم موظفة في الفندق، ورجل مهم يستعد لخطبة سيلقيها مساءً، أحداث تدور بالتوازي وبإيقاع سريع وخفة ظل واضحة، تنتهي باستنتاج مخيف أن النار في سراييفو لا تزال تحت الرماد، وأن المصالحة الوطنية والتعايش بعد حرب التسعينيات الأهلية، كلها صورة برّاقة لواقع لم يحل مشكلاته بعد.