من عروض القاهرة السينمائي: «حياة آنا».. الحلم الأمريكى يتجدد في جورجيا أيضا
ـ انتصار دردير
مثلما كان الحلم الأمريكى هو المحرك الأساسى لبطلة «أرض الاحلام» فى فيلم داوود عبد السيد والنجمة الراحلة فاتن حمامة، يأتى فيلم جورجيا «حياة آنا» المشارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى خلال دورته الـ38 ليجدد الحلم الأمريكى، مع اختلاف الظروف والدوافع التى جعلت بطلته الجميلة، هادئة الملامح، تختطف طفلة مقابل تأشيرة الدخول للجنة الموعودة.. أمريكا.
«حياة آنا» للمخرجة نينو باسيليا فيلم مثير للشفقة تجاه بطلته التى ترتكب جريمة خطف وتحاول الهرب بالطفلة انتقاما من والدها، وتؤدى دورها ببراعة الممثلة «ايكاترين ديمترازى»، وآنا أم شابة تواجه ضغوطا عديدة تجعلها مترددة الى حد الوسوسة مع كل موقف تواجهه، فحين تقرر بيع بيتها من أجل الحصول على الفيزا الامريكية وبعدما يقوم السمسار بإحضار مشترين، ترفض البيع فى آخر لحظة ثم تعود مع تدهور حالة طفلها لمطالبة السمسار بإحضارهم مرة أخرى، وحينما يساومها رجل أعمال لإقامة علاقة معها مقابل التنازل لها عن بعض المال، تتردد ثم توافق لكنها تغادر بيته على عجل رافضة لهذا التصرف، وتقيم علاقة مع مراهق صغير من أبناء الجيران، ثم تكتشف انها حامل.
يعرض الفيلم جانبا من مآساة أمهات الأطفال المصابين بمرض التوحد، حيث تضطر لتركه لدى مربية عجوز ترعاه لتواصل عملها فى أحد المتاجر وتقوم بكى الملابس لتحصل على مقابل زهيد حتى انها تستدين من صديقتها لشراء حذاء جديد لطفلها، وحينما تذهب اليه تجد الحذاء ضيقا، وتنتاب طفلها نوبات عصبية ويصبح كل شغلها الهجرة الى امريكا لعلاجه.
على الجانب الآخر وفى إطار انسانى بديع ترعى آنا جدتها العجوز المصابة بآل زهايمر، وفى أحد المشاهد البديعة تخرج الى الشارع وتقف فى مظاهرات وتجرى آنا للبحث عنها بعد أن تركت باب شقة الجدة مفتوحا وهى لاتدرى، إن أزمة آنا والتى تصارح بها جدتها ماذا ستفعل الجدة العجوز حال سفرها، فتقول لها ضاحكة سأتزوج، وتتفق آنا مع صديقتها على رعاية الجدة فى غيابها مقابل مبلغ ترسله لها.
يلقى الفيلم الظلال على الظروف الاجتماعية والاقتصادية التى يعيشها الناس فى جورجيا بعد سنوات من استقلالها عن الاتحاد السوفيتى، وكيف أصبحت الهجرة الى أمريكا هى الحل السحرى للمشاكل التى تواجه الأجيال الجديدة.
تبيع آنا بيتها وتدفع لاحد سماسرة الهجرة، ثم تفاجئ به يطالبها بالسفر بطريقة غير شرعية داخل احدى الشاحنات، وان عليها ان تعوم عدة امتار قبل الوصول للساحل الأمريكى «على غرار مايحدث عندنا»، لكنها ترفض وتطالبه بما دفعته فيفاجئها بأنها لن تستطيع استرداد دولاراتها ويختفى.
يخلو الفيلم من الموسيقى التصويرية بدون مبرر ويتميز بايقاع بطئ للغاية، ومشاهد طويلة ولحظات صمت غير مبررة دراميا، لكن قضيته الإنسانية وأداء بطلته وبقية الممثلين بما فيهم الطفلين الصغيرين كل ذلك ينقذ الفيلم رغم كل شئ.
لحظة الذروة الدرامية تحدث حين تقرر آنا خطف طفلة ابنة السمسار الصغيرة وتستدرجها بمساعدة صديقها المراهق، وحين تهدد السمسار إما الفلوس وإما ابنته، يهددها بخطف طفلها فتهرع فى ذعر لاسترداده وابقاءه معها بدلا من تركه عند المربية.
تشعر آنا بوطأة ما أقدمت عليه ويطارها والد الطفلة التى تختفى فجأة فى منطقة زراعية، حينما كانت تتعارك مع السمسار، لكنها بعد أن كادت تصاب بالجنون تجاه اختفاء الطفلة تعثر عليها فى حفرة فتحتضنها بقوة وتعتذر لها وتسلمها الى أبيها، وتواصل حياتها فى جورجيا من جديد، وتنخرط فى مظاهرة مع بعض الشباب اعتراضا على الأوضاع الاقتصادية.
وخلال المؤتمر الصحفى الذى عقد بعد عرض الفيلم أمس بالمسرح الكبير بدار الأوبرا وأداره الناقد السينمائى محمد عاطف الذى أكد أنه عقب انهيار الاتحاد السوفيتى ظهرت موجة جديدة فى السينما أشبه بالموجة الفرنسية تعتمد على سيناريو قوى وممثلين ليس بالضرورة نجوما ووفق ميزانيات قليلة مشيرا إلي أن جورجيا شهدت ثورات برتقالية هزت المجتمع بشكل كبير.
وتحدثت المخرجة نينو باسيليا عن الفيلم قائلة: لقد أردت التأكيد على أن السفر ليس دائما هو الحل السحرى، ولا يضمن مصيرا أفضل، وهناك كثير من الجورجيين باتوا مقتنعين بالبقاء ومقاومة الظروف فنحن مجتمع فى طور النمو ولم نحصل على استقلالنا سوى منذ 25 عاما فقط.
وحول نهاية الفيلم المفتوحة ومشاركة البطلة فى مظاهرات الشباب الجورجى قالت المخرجة: المظاهرة تعكس واقع الشباب الجورجى المتمرد على كثير من الأوضاع، لكنه يصر على البقاء فى البلد، وأن يعيش حياة أفضل فى بلاده، وقد اخترت نهاية مفتوحة للبطلة لأن كل الاحتمالات قائمة فى حياتها، ولا أحد يدرى كيف ستمضى بها الحياة وهى أم لطفل يحتاج للعلاج وحامل وبلا بيت يأويها، فمنذ 15 عاما والحالة الاقتصادية خانقة فى جورجيا وابواب الهجرة مغلقة، وهناك جيل من الأبناء صاروا شبابا لم يعرفوا أمهاتهم الا من خلال «سكايب» حيث سافرن للعمل فى أمريكا بطرق غير شرعية ويواجهن ظروفا صعبة لاتتيح لهن السفر لاطفالهن أو اصطحابهن.
واذا كان الفيلم قد عكس الظروف الاقتصادية والاجتماعية فى جورجيا، فانه عكس أيضا صعوبة الانتاج السينمائى فيها، وقد أكدت المخرجة انها عملت بميزانية محدودة وأنها تعبت كثيرا لانجاز الفيلم بمساعدة منتجته، مؤكدة ان جهة واحدة هى التى تعنى بدعم الأفلام هى المركز الجورجى لدعم السينما، وانهم يواجهون ظروفا تسويقية صعبة أيضا بسبب سيطرة الفيلم الأمريكى على دور العرض وهى منافسة غير عادلة بالطبع.