خيرية البشلاوي تكتب: أفلام سوريا وتونس في مواجهة معارك «داعش»
ـ خيرية البشلاوي
هل الأفلام القليلة التي تتناول الحرب التي يشنها تنظيم داعش منذ سنوات علي سوريا تحمل إجابات شافية عن كنه هذه الحرب الدموية التي تلتهم المكان والإنسان وتوقف مسيرة الزمان نحو مستقبل أفضل؟؟
السؤال بلا جواب حتي ونحن نتابع هذه الأعمال المحترمة التي تعكس التزام صناعها بمأساة الشعب في سوريا وتونس وتداعيات هذا الصراع الوحشي المتشابك علي شعوبنا العربية.
السينما هنا تلعب الدور المنوط بها انجازه كوسيلة تواصل جماهيرية تحظي بشعبية كبيرة لعل وعسي أن يهتز الضمير الذي لا يهتز في الحقيقة بدليل استمرار تدفق شحنات الأسلحة والمال إلي أعضاء التنظيم.
صناع الأفلام في سوريا مثل الفنان الملتزم باسل الخطيب الذي شارك في مهرجان الإسكندرية الأخير بفيلم “الأب” بطولة الممثل السوري المبدع أيمن زيدان ومثل المخرج جود سعيد الذي قدم الصراع الدامي الدائر فوق أرض سوريا من وجهة نظر مختلفة ومن خلال أزمة مخرج مسرحي لا منتمي يكابد أزمة وجودية حينما يتلقي خبرا من قريب له يلزمه بنقل جثمان الشهيد قريبه إلي مثواه الأخير في مسقط رأسه بينما طرق الوصول بالجثمان صعبة.. التجربة تجعله يستعيد وعيه والتزامه وكأن “الميت” المكلف بنقله إعاده إلي الحياة.
لعب الدور الممثل محمد الأحمد وحصل عنه علي جائزة أفضل ممثل وعن جدارة.
ومنذ أيام ومن خلال نفس المهرجان “الإسكندرية” شاهدنا آخر أعمال المخرج التونسي المبدع “زهرة حلب” والذي بدوره فاز بجائزة أفضل إخراج.
فالأعمال العربية تعيد الثقة بجد في صناعة السينما العربية والمؤسسات العامة التي وقفت وراء إنتاج مثل هذه التجارب.
فيلم “زهرة حلب” يصور مأساة أم لعبت دورها باقتدار مدهش الممثلة التونسية هند صبري ولا عجب أنها خرجت بجائزة أفضل ممثلة فقد كانت مبدعة وحساسة بينما تصور مأساة أم تونسية أثناء رحلة بحثها عن ولدها الذي قام التنظيم الوحشي بغسل دماغه وإقناعه بالانضمام إلي أفراده ثم تصديره إلي حلب لخوض الحرب هناك.
الفيلم ينتهي برصاصة من سلاح الابن تقتل الأم في نفس اللحظة التي تعثر عليه. المشهد مؤلم وموجع ويفجر الدموع تناوله المخرج بقدر كبير من الاحترافية والشحنة التعبيرية التي لا تحتاج إلي كلام.
إن للحرب الدائرة الآن عدة وجوه وتفرض علي المتابع الغرق في خضم الأسئلة التي لا يوجد لها إجابة واحدة شافية أنها حرب علي المستوي المحلي والإقليمي والعالمي تشارك فيها العديد من القوي العظمي وتلك الصغري التي تمتلك المال الداعم لاستمرارها. ومن الطبيعي أن يقف الفنان حيالها أمام وجه واحد من وجوهها ألا وهو “الإنسان” والشعوب التي تتحمل تكلفتها من دماء ابنائها ومصائرهم ومن ثقافتها التي تسعي الحرب إلي تحريفها أو هدمها وتخريب كل ما يعبر عنها.
ومن هنا صوره الأم “هند صبري” و”الأب” “أيمن زيدان” والفنان “محمد الأحمد” ومحنة “المدينة” التي تحضن معالم التاريخ والثقافة وأصالة البشر الذين عاشوا فوقها وانتجوها علي مدي التاريخ.
هناك وجهات نظر عديدة تتناول نفس الحدث تلتقي وتتصادم بفعل الصراعات الايدولوجية التي تمزق أو تسعي إلي تمزيق وتفكيك المقومات الإنسانية للشعوب التي تتورط في الحرب رغماً عنها.
والأعمال القليلة التي تعرضها المهرجانات الدولية روائية طويلة أو وثائقية تعبر عن انتماءات أصحابها. وهناك مخرجون “معارضون” يرتمون في أحضان الغرب هرباً من أنظمة بلادهم بحجة الاستبداد والظلم التي قد تكون حججا حقيقية ولها مبرراتها ولكن في زمن الحرب والمآسي التي تطول المعارض ومن يدعون الليبرالية والعملاء بأقنعة أصبحت شفافة وتكشف عن النوايا.
أقول في زمن الحرب والشعوب العربية تحت القصف والدمار الوحشي يصبح الصراع الايدولوجي غير ذي منطق.. في مواجهة الموت تشرع جميع الأسلحة ومنها سلاح “السينما” ودخول الفيلم في المعارك الموجهة لعقولنا وقناعاتنا الفكرية وبالتالي لا نملك سوي الاحتفاء المناسب بالأعمال القليلة السورية والتونسية وتتطلع إلي أعمال مصرية. تضاهي الحالة العربية في زمن “الدولة الإسلامية”.
آخر ما سمعته من الإرهابي العتيد “أبوبكر البغدادي” منذ فترة قليلة.. يقول ما معناه “لا يهم أن نخسر الأرض. فليس مهماً الأرض لأن الخلافة الإسلامية في العقل ونحن حريصون علي ذلك”.
والفن بفروعه وأهمها وسيط “الفيلم” قادر علي أن يتصدي لهذه الحرب الداعشية الايدولوجية.