رمضان والسينما المصرية في 30 عامًا (2 من 30)
حلقات يومية يكتبها ناصر عراق لـ «سينماتوغراف»
يوسف وهبي ومحمود ذو الفقار وكوكا نجوم الشهر الفضيل في عام 1941
استقبل المصريون اليوم الأول من شهر رمضان سنة 1360 هجرية يوم الاثنين 22 سبتمبر 1941، في ذلك العام كان الصراع السياسي في مصر على أشده، فالحرب العالمية الثانية تزداد اشتعالا، وهتلر يحقق نجاحات كبيرة في استيلائه على عدد من بلدان أوروبا، والإنجليز الذين يحتلون مصر منذ عام 1882 يقاومون الزحف الألماني بكل ما أوتوا من قوة، وقد فرضوا الأحكام العرفية على مصر، بعد أن شهدت الإسكندرية عددًا من الغارات الحربية روّعت المصريين، وتردد صداها في شرق القاهرة، الأمر الذي جعل الموسيقار عبد الوهاب يهجر فيلته في العباسية ليؤجر شقة في شارع قصر النيل بوسط القاهرة ليبتعد عن مرمى القذف!
أما الملك فاروق فقد قام بتكليف حسين سري باشا بتشكيل وزارة جديدة تواجه أجواء الحرب وأزمات ارتفاع الأسعار، وذلك في 15 نوفمبر 1940، فلما ازدادت الأزمات، رفض الملك اقتراح مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد الذي يقضي بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، واكتفى – بإيعاز من الإنجليز – على توسيع الحكومة، إذ شكلت وزارة جديدة في 31 يوليو 1941 من حزبي الأحرار الدستوريين والسعديين والمستقلين!
هكذا إذن كانت الأحوال في القاهرة حين هلّ شهر رمضان الكريم في سبتمبر عام 1941، وكما تعرف فإن الطقس يصبح لطيفا في الثلث الأخير من سبتمبر، وأذان المغرب يرفع في توقيت يتراوح بين الخامسة والنصف والسادسة مساءً، أي أن المصريين سيجدون بعد الإفطار متسعًا من الوقت ليتسامروا ويسهروا ويتزاوروا.. ويدخلوا السينما!
عاصفة على الريف
بعد مرور تسعة أيام من شهر رمضان عرض فيلم «عاصفة على الريف»، وبالتحديد يوم الأول من أكتوبر، وهو من إخراج أحمد بدرخان، وتمثيل يوسف وهبي وأمينة رزق وراقية إبراهيم ومحمود المليجي. الفيلم من إنتاج شركة مصر للتمثيل والسينما «ستوديو مصر» التي أسسها بنك مصر في عام 1935، في ذلك الوقت تبوأ يوسف وهبي منزلة كبرى في وجدان الجمهور، فالرجل كان قد أسس فرقة رمسيس في مارس من سنة 1923 التي قفزت بالمسرح المصري خطوات كبرى إلى الأمام، كما أن يوسف وهبي كان بطل أول فيلم مصري ناطق «أولاد الذوات» للمخرج محمد كريم وقد عرض في 1932. لذا لم تجد شركة الإنتاج أية مشكلة في أن تعرض الفيلم في شهر رمضان، لأنها ضمنت أن نجمها الأشهر سيجذب المشاهدين، كما أن الثقافة الشائعة بين المصريين في ذلك الوقت كانت تتكئ على الانفتاح والتسامح والتعامل مع الحياة برحابة صدر، لذا لم تكن تجد تعارضا بين صيام الشهر الكريم في الصباح وارتياد السينما في المساء!
ليلى ومصنع الزوجات
في 17 رمضان الموافق للتاسع من أكتوبر عام 1941 أقبل الجمهور لمشاهدة فيلم ذي عنوان غريب وجديد وهو «مصنع الزوجات» للمخرج نيازي مصطفى وتمثيل كوكا ومحمود ذو الفقار ودولت أبيض وأنور وجدي وليلى فوزي، وكان محمود ذو الفقار نجمًا صاعدًا بقوة بعد أن حقق نجاحًا كبيرًا في فيلم «بياعة التفاح» للمخرج حسين فوزي عام 1939.
وقبل أن ينتهي رمضان بأسبوع تقريبًا (16/ 10/ 1941) هرع الجمهور ليرى نجمه الأشهر يوسف وهبي وهو يشاكس ليلى مراد في الفيلم الجديد «ليلى بنت مدارس» للمخرج توجو مزراحي وهو مصري يدين باليهودية.
هكذا إذن مرّ الشهر الفضيل على المصريين قبل 74 عامًا.. صراع سياسي حاد وحرب عالمية وارتفاع أسعار.. ومع ذلك فالناس لا تتوقف عن عشق السينما وارتيادها!.