المهرجاناتالمهرجانات العربيةسينما مصريةمهرجان أبو ظبينقد

«القط» لإبراهيم البطوط يثير الجدل بين النقاد والجمهور

في عرضه العالمي الأول بـ«أبوظبي السينمائي»
«القط» لإبراهيم البطوط يثير الجدل بين النقاد والجمهور
“سينماتوغراف” ـ أبوظبي: بشار إبراهيم
 
منذ أول أفلامه «إيثاكي» (2006)، وضع المخرج إبراهيم البطوط قاعدة ذهبية في التعامل معه، مفادها أن لا يُؤخذ في السياق التقليدي المعهود والمتعارف عليه، فإبراهيم البطوط بدأ واستمر في شكل مختلف، عنوانه الرئيسي أنه المخرج الذي يريد صناعة سينما مختلفة، سواء أسماها البعض مستقلة، أو ذات الميزانيات المنخفضة، أو مهما كان.
 
وأذكر، في شكل شخصي، أنني عندما كلفت بإنتاج برنامج بعنوان «سينما مختلفة»، لصالح قناة «الشروق» السودانية، حرصت على أن تكون الحلقة الأولى مع المخرج إبراهيم البطوط، والناقدة أمل الجمل، إيماناً مني بأن تجربة البطوط السينمائية تستحق أن تكون فاتحة وعنواناً لما يمكن أن يُسمى «سينما مختلفة»، أو «سينما مستقلة»، في منطقتنا العربية، وكانت الحلقة عن تجربته وفيلمه «إيثاكي».
 
عندما تواصلت مع إبراهيم البطوط حينها، كان في المغرب، منهمكاً بالانتهاء من فيلمه الثاني «عين شمس» (2009)، وبتواضع المحب، ووفاء الصديق، حضر من المغرب إلى دبي على جناح السرعة ملبياً الدعوة، مقدماً بالتعاون مع أمل الجمل، جوانب من تجربته المتميزة، من مراسل حربي إلى مخرج سينمائي ذي نكهة خاصة.
 
أنتبه الآن إلى أنني سمعت عن إبراهيم البطوط، لأول مرة، من الصديق المخرج أحمد حسونة، خلال حوار كنتُ أجريه معه في إحدى دورات «مهرجان الاسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة»، وتحديداً عن السينما المستقلة، خاصة وأن أحمد حسونة أحد روّادها الجميلين، ولا أنسى فيلمه القصير البديع «مربع داير».
 
التعرّف شخصياً وسينمائياً على إبراهيم البطوط، ومتابعة مسيرته بعد «إيثاكي»، و«عين شمس»، كما ذكرنا قبل قليل، سيقودنا إلى «الحاوي» (2010)، و«الشتا اللي فات» (2013)، ويضعنا الآن أمام جديده في فيلم «القط» (2014)، هذا الفيلم عُرض مساء الإثنين 27 أكتوبر، في إطار فعاليات الدورة الثامنة من «مهرجان أبوظبي السينمائي»، وأثار جدلاً ما بين النقاد، والجمهور، ووصل حدّ الصدمة.
 
 
الصدمة هي العنوان المناسب لما حصل اليوم، أو الليلة، إثر العرض العالمي الأول لفيلم «القط». نعم.. ولكن من قال إن إبراهيم البطوط لا يبغي خلق حالة صدمة في كل خطوة سينمائية يحققها؟ هذا رجل مختلف بتجربته وسياقه ومنطقه وتفكيره ورؤيته.. ومن الطبيعي أن يرجّ الساكن، ويكسر المألوف، وينفر من المُعتاد، وإلا لن يكون إبراهيم البطوط أبداً.
 
ليس الجدل جديداً في شأن أفلام إبراهيم البطوط. تُرى هل كان استقبال «إيثاكي»، أو «عين شمس»، أو «الحاوي»، أو «الشتا اللي فات»، بدون جدالات، حتى يمرّ «القط» بسلام؟.. أليس هذه ضريبة من يريد قولاً وفعلاً سينمائياً مختلفاً لا ينتمي إلى السائد والرائج؟
 
عليك أن لا تُفاجأ مع «القط» إن وجدت صورة البلطجي على غير ما عهدته في عشرات أفلام السينما المصرية من قبل. وعليك أن تتمهل وأنت تتملّى في التفاصيل الرتيبة التي يقدمها الفيلم على مهل، وأن ترمم الثغرات التي لم تُقل على الشاشة، ولكنها تصلك بتفاعلك مع الفيلم الذي يتقصد أن يمشي على مهل، كما في تلك اللقطات الأولى التي نرى فيها من يسير في ردهات وأدراج معبد أوزوريس، أو الأسواق الشعبية المصرية.
 
لاشك أن البطوط يتقصّد تلك اللقطات التي تبدو وكأنها تأخذ أكثر من وقتها على الشاشة، خاصة وهو يجعل الكاميرا تستقبل الشخصية وهي قادمة من بعيد، ومن ثم يتبعها وهي ذاهبة إلى الناحية التي تريد، في مجيء ورواح مستمر منذ آلاف السنين. قصدية «تمويت» الوقت بادية في الفيلم، إلى درجة أن النصف الأول من الفيلم لا يحمل أحداثاً درامية عاصفة، بل يؤسس على مهل للشخصيات التي كلما شابهناها بمثيلاتها نفرت، وقدمت اختلافاً خاصاً بها.
 
لا البلطجي هو كما عرفناه من قبل في السينما المصرية، ولا القوّاد ولا خاطف الأطفال والمتاجر بأعضاء البشر، على الصورة التي نعرفها، وكذلك الأمر في صدد الشخصية الكلية القدرة، المهيمنة، ذات السطوة العالية. صحيح أن في كلّ من هذه الشخصيات نثارات من شخصيات سينمائية سابقة، ولكن فعل المطابقة لن يتم، ولن يُستكمل، لأن منطق الفيلم في النهاية يحيد عن ذلك كله، ويذهب إلى مشيئته.
 
«القط» فيلم مؤرق حقاً، يمكن أن تتعدد قراءاته في مستويات متتالية ومتشابكة. هل هو حكاية بلطجي اختُطفت ابننته فأراد الانتقام لها؟.. ربما. هل هو حكاية الهيمنة المتحكّمة بمصائر الناس (الدولة، والدين، والمال، والإعلام)، القادرة على قيادة الجميع إلى حيث تريد، ولتحقيق مآربها؟.. ربما. هل هو المزج بعيد المدى، عميق التشابك، ما بين مصر الأزلية في عمق التاريخ، ذات الحضارة الباهية (الأهرامات العظيمة، والمعابد العالية، والإله القط)، ومصر الراهنة التي يقيم أبناؤها في العشش المتهالكة، ويسيرون في الشوارع المليئة بالقمامة، وتتأكّلهم متطلبات الحياة والعيش الكريم، فلا يقدرون على تحقيقه، ويتحوّل إلى عنف وعنف مضاد، عنوانه الدم؟.. ربما.
 
لا يقدم فيلم «القط» نفسه بسهولة. ولا يريد من المشاهد أن يسترخي ويستمتع وهو يشاهده.
«القط» يريد من المشاهد أن يتوثّب ويتحفّز وهو يشاهد فيلماً مختلفاً.
 
إنها سينما إبراهيم البطوط.. سينما مختلفة، كما عهدناها.. سينما تبقى، مرة أخرى، وفية لمنهجها ومنطقها ورؤيتها.. ولا يمكن لهذه السينما أن تكون بلا جدل حولها، مع كل فيلم جديد تقدّمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى